( صفحه 74 )
وباطنهما، وقد عبّر بعضهم بل كثيرهم بظاهر القدمين(1)، وفي غير واحد من الكتب(2) استثناء القدمين من دون تعرّض للظاهر والباطن أصلا، ويؤيّد عدم الاختصاص بالظاهر أنّه على تقديره يلزم عدم الفائدة فيه; لأنّ ما هو الساتر للباطن من الألبسة المتعارفة يكون ساتراً للظاهر أيضاً.
ودعوى(3) أنّه يكفي في ستر الباطن الأرض، مدفوعة بأنّ كفايته إنّما هو في غير حال السجود. وأمّا في حاله فيحتاج إلى الساتر، مع أنّ كفاية ساتريّة الأرض ولوبالإضافة إلى باطن القدمين محلّ نظر، فالظاهرحينئذعدم اختصاص الحكم بالظاهر، والتعبير به لعلّه لأجل كونه محلاًّ للابتلاء بالستر، فتدبّر.
ثمّ إنّه ذهب صاحب المدارك (قدس سره) إلى أنّه لا يجب على المرأة ستر شعر رأسها بما لا يكون حاكياً له، مستنداً إلى رواية محمد بن مسلم في حديث قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : ماترى للرجل يصلّي في قميص واحد؟ فقال: إذا كان كثيفاً فلا بأس به، والمرأة تصلّي في الدرع والمقنعة إذا كان الدرع كثيفاً; يعني إذا كان ستيراً(4).
فإنّ تخصيص اعتبار الكثافة بالدرع يدلّ على عدم اعتبارها في المقنعة(5).
- (1) المبسوط 1: 87 ، المعتبر 2: 101، مختلف الشيعة 2: 98، تحرير الأحكام 1: 202، منتهى المطلب 4: 273، قواعد الأحكام 1: 257، البيان: 124، الألفية: 50، مدارك الأحكام 3: 188، كشف اللثام 3: 234.
- (2) السرائر 1: 260، إرشاد الأذهان 1: 247، ذكرى الشيعة 3: 8 ، التنقيح الرائع 1: 182 ـ 183، مجمع الفائدة والبرهان 2: 104، بحار الأنوار 83 : 179.
- (3) نهاية التقرير 1: 273.
- (4) تقدّمت في ص62.
- (5) مدارك الأحكام 3: 188 ـ 189، لكن ليس فيه استناد إلى خبر، بل قال: الأخبار لا يعطي ذلك.
( صفحه 75 )
وأجاب عنه صاحب الجواهر (قدس سره) بأنّ هذا مستلزم لعدم اعتبار ستر بشرة الرأس; لأنّه إذا كانت المقنعة حاكية لما تحتها من شعر الرأس تكون بشرته أيضاً غير مستورة، والقول بأنّها مستورة بشعره غير ثابت; لأنّ الشعر يكون من أجزاء البدن، والساتر يجب أن يكون من غيرها، وبطلان التالي واضح; لعدم التزام المستدلّ به(1).
وذكر سيّدنا العلاّمة الاُستاذ (قدس سره) أنّه يمكن أن يجاب عنه ولو مع تسليم كفاية الشعر للستر:
أوّلا: بأنّ إطلاق الحكم يقتضي عدم اعتبار الكثافة حتّى في المرأة التي لا يكون لها شعر، وهو مستلزم لعدم اعتبار ستر الرأس، وقد عرفت أنّه لا يلتزم به.
وثانياً: أنّ التخصيص بالدرع لأجل مفهوم اللقب، وقد بيّن في الاُصول(2)أنّه لا مفهوم له.
وثالثاً: أنّ هذه الرواية هي بعينها رواية محمد بن مسلم المتقدّمة(3)، التي رواها الصدوق عنه، عن أبي جعفر (عليه السلام) أنّه قال: المرأة تصلّي في الدرع والمقنعة إذا كان كثيفاً; يعني ستيراً.
ولا تكونان روايتين بحيث سمع محمد بن مسلم عنه (عليه السلام) مرّتين مع اختلاف في التعبير، بل الظاهر أنّهما رواية واحدة، والاختلاف يكون ناشئاً من اشتباه
- (1) جواهر الكلام 8 : 281 ـ 282.
- (2) مطارح الأنظار 2: 121، كفاية الاُصول: 250، نهاية الاُصول: 296 ـ 297.
- (3) في ص66.
( صفحه 76 )
الراوي. وعليه: فيحتمل أن يكون الصادر من الإمام (عليه السلام) مطابقاً لرواية الصدوق الخالية عن التصريح بالدرع، الظاهرة في رجوع الضمير المفرد إلى كلّ واحد من الدرع والمقنعة.
واحتمال كون تذكير الضمير شاهداً على رجوعه إلى خصوص الدرع، مدفوع بظهور خلافه، خصوصاً بعد شيوع مثل هذا التعبير في الأخبار، بل في القرآن أيضاً، وخصوصاً بعد كون الدرع مذكوراً قبل المقنعة(1).
فانقدح ممّا ذكرنا عدم تماميّة الاستدلال بالرواية، بل ظهورها في خلاف مرام المستدلّ، مع أنّ المتفاهم من الروايات(2) الدالّة على أنّ المرأة تصلّي في درع وخمار كون الثوبين كثيفين غير حاكيين لما تحتهما; لأنّها في مقام بيان ما يكفي للمرأة من الساتر. ومن المعلوم أنّ الثوب غير الكثيف لا يكون ساتراً، ولذا وقع تفسير الكثافة بالساتريّة في روايتي محمد بن مسلم المتقدّمتين.
ثمّ إنّه حكي عن ابن الجنيد(3) عدم وجوب ستر الرأس أصلا، ويشهد له رواية عبدالله بن بكير، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لا بأس بالمرأة المسلمة الحرّة أن تصلّي وهي مكشوفة الرأس(4).
وروايته الاُخرى، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لا بأس أن تصلّي المرأة
- (1) نهاية التقرير 1: 305 ـ 306.
- (2) وسائل الشيعة 4: 405 ـ 408، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب28.
- (3) حكى عنه في مختلف الشيعة 2: 113 مسألة 54.
- (4) تهذيب الأحكام 2: 218 ح857 ، الاستبصار 1: 389 ح1481، وعنهما وسائل الشيعة 4: 410، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب29 ح5.
( صفحه 77 )
المسلمة وليس على رأسها قناع(1).
وربما يقال: بأنّ الاُولى مهجورة(2).
وقال الشيخ: يحتمل أن يكون المراد بهذين الخبرين، الصغيرة من النساء دون البالغات، ويمكن أن يكون إنّما سوّغ لهنّ هذا في حال لا يقدرون على القناع، ويحتمل أن يكون المراد تصلّي بغير قناع إذا كان عليها ثوب يسترها من رأسها إلى قدميها، قال: والخبر الثاني ليس فيه ذكر الحرّة، فيحمل على الأمَة(3).
أقول: والظاهر عدم كونهما روايتين، نظير ما قلنا في روايتي محمد بن مسلم. وعليه: فيحتمل أن يكون الصادر مشتملا على كلمة الحرّة، ويحتمل أن لا يكون كذلك، فلم يعلم صدورها حتّى تكون مهجورة، والمطلق محمول على الأمَة جمعاً، كما أفاده الشيخ (قدس سره) .
وعن القاضي: أنّه حكى عن بعض أصحابنا عدم وجوب ستر الشعر أصلا(4)، وعن الكفاية: التأمّل فيه(5)، وعن ألفية الشهيد: ظهور التوقّف فيه(6)، وعن المدارك والبحار: أنّه ليس في كلام الأكثر تعرّض
- (1) تهذيب الأحكام 2: 218 ح858 ، الاستبصار 1: 389 ح1482، وعنهما وسائل الشيعة 4: 410، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب29 ح6.
- (2) مستمسك العروة الوثقى 5: 256، المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 12: 99.
- (3) تهذيب الأحكام 2: 218 ذ ح858 .
- (4) شرح جمل العلم والعمل: 73، وحكى فيه ذلك عن بعض، لا أنّه هو القائل به، كما في كشف اللثام 3: 239، وجواهر الكلام 8 : 282.
- (5) كفاية الفقه، المشتهر بـ «كفاية الأحكام» 1: 81 .
- (6) الألفية والنفلية: 50.
( صفحه 78 )
لذكره(1)، بل في الأوّل ربما ظهر منها ـ يعني من عبارات أكثر الأصحاب ـ أنّه غير واجب.
والدليل على خلافه ـ مضافاً إلى روايات(2) المقنعة والخمار، الظاهرة في وجوب ستر الشعر أيضاً، خصوصاً مع التصريح بالكثافة في رواية محمد بن مسلم ـ رواية زرارة المتقدّمة(3)، الدالّة على لزوم نشر الملحفة على الرأس والتجلّل بها، بل يمكن أن يقال: إنّ ستر الرأس نوعاً إنّما هو بلحاظ ستر شعره، وإلاّ فبشرته مستورة بالشعر كذلك، وقد عرفت أنّ رواية ابن بكير مهجورة أو محمولة، ويؤيّد ما ذكرنا الرواية الحاكية لصلاة المرضيّة(4) سلام الله عليها، الدالّة على أنّها كانت تواري شعرها واُذنيها، فتدبّر.
ثمّ إنّه لا يشترط في صحّة صلاة الأمة ستر الرأس والشعر والعنق إجماعاً محصّلا ومنقولا، مستفيضاً عنّا وعن غيرنا من علماء الإسلام عدا الحسن البصري(5)، فأوجبه على الأمة إذا تزوّجت أو اتّخذها لنفسه، وفي الجواهر: قد سبقه الإجماع ولحقه(6).
- (1) مدارك الأحكام 3: 189، بحار الأنوار 83 : 180.
- (2) وسائل الشيعة 4: 405 ـ 408، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب28.
- (3) في ص67.
- (4) تقدّمت في ص66.
- (5) المغني لابن قدامة 1: 639 ـ 640، الشرح الكبير 1: 457، المجموع 3: 170 ـ 172، الخلاف 1: 396 مسألة 145، المعتبر 2: 103، منتهى المطلب 4: 274، تذكرة الفقهاء 2: 448، ذكرى الشيعة 3: 9، جامع المقاصد 2: 98، روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان 2: 582، مفتاح الكرامة 6: 32 ـ 33، جواهر الكلام 8 : 367 ـ 368.
- (6) جواهر الكلام 8 : 368.