( صفحه 383 )
[جواز الصلاة في الأراضي المتّسعة]
مسألة 6: يجوز الصلاة في الأراضي المتّسعة، كالصحاري والمزارع والبساتين التي لم يبن عليها الحيطان، بل وسائر التصرّفات اليسيرة ممّا جرت عليه السيرة، كالاستطراقات العادية غير المضرّة، والجلوس والنوم فيها، وغير ذلك، ولا يجب التفحّص عن ملاّكها; من غير فرق بين كونهم كاملين أو قاصرين، كالصغار والمجانين.
نعم، مع ظهور الكراهة والمنع عن ملاّكها ولو بوضع ما يمنع المارّة عن الدخول فيها، يشكل جميع ما ذكر وأشباهها فيها إلاّ في الأراضي المتّسعة جدّاً، كالصحاري التي من مرافق القرى وتوابعها العرفيّة، ومراتع دوابّها ومواشيها; فإنّه لا يبعد فيها الجواز حتّى مع ظهور الكراهة والمنع 1 .
1 ـ الوجه في جواز الصلاة في الأراضي المتّسعة، بل مطلق التصرّفات اليسيرة ممّا هو مذكور في المتن وشبهه، هي السيرة القطعيّة(1) العمليّة من المتشرّعة المتّصلة بزمان المعصوم (عليه السلام) ، لا أدلّة نفي الحرج والضرر; لأنّ دليل نفي الضرر ـ على ما هو التحقيق ـ راجع إلى مقام الحكومة والسلطنة لا التشريع(2)، ودليل نفي الحرج واقع في مقام الامتنان(3)، وهو لا يجري فيما إذا لزم من جريانه خلاف الامتنان في حقّ الغير، مضافاً إلى دورانه مدار الحرج الشخصي، مع أنّ المدّعى كلّي، فالدليل المنحصر هي السيرة المذكورة.
- (1) مستمسك العروة الوثقى 5: 442، المستند في شرح العروة الوثقى، الموسوعة الإمام الخوئي 13: 57.
- (2) ثلاث رسائل: 111 ـ 112، بدائع الدّرر في قاعدة نفي الضرر: 105 ـ 121.
- (3) ثلاث رسائل: 41 ـ 42 و 167 ـ 169.
( صفحه 384 )
ثمّ إنّ الظاهر اختصاص السيرة بما إذا لم يكن هناك أمارة دالّة على
ظهور الكراهة والمنع من المالك، كبناء الحيطان، ووضع ما يمنع المارّة
عن الدخول فيها.
نعم، في الأراضي المتّسعة جدّاً مثل ما ذكر في المتن، الظاهر ثبوت الجواز حتّى مع المنع وظهور الكراهة; فإنّه لم يعهد الترك مع ظهورها، بل جرت سيرة المتشرّعة على التصرّفات المذكورة في تلك الأراضي مع الوصف المذكور أيضاً، فاللاّزم في المقام ملاحظة السيرة وتشخيص موارد ثبوتها عن غيرها، كما لا يخفى.
( صفحه 385 )
[المراد بالمكان الذي تبطل الصلاة بغصبه]
مسألة 7: المراد بالمكان الذي تبطل الصلاة بغصبه ما استقرّ عليه المصلّي ولو بوسائط على إشكال فيه، وما شغله من الفضاء في قيامه وركوعه وسجوده ونحوها، فقد يجتمعان، كالصلاة في الأرض المغصوبة، وقد يفترقان، كالجناح المباح الخارج إلى فضاء غير مباح، وكالفرش المغصوب المطروح على أرض غير مغصوبة 1 .
1 ـ المكان تارة: يستعمل في مقام اعتبار الطهارة، واُخرى: في مقام اعتبار الإباحة، كما أنّه ربما يستعمل في مسألة اشتراط عدم تقدّم المرأة على الرجل في الصلاة وعدم محاذاتها له، وفي مسألة اشتراط عدم التقدّم على قبر المعصوم (عليه السلام) ، أو مساواته له.
أمّا ما يستعمل في مقام اعتبار الطهارة، فالمراد به إمّا خصوص موضع الجبهة، أو مطلق محلّ قرار المصلّي، وهو سطحه الظاهر، كما أنّه سيأتي(1)المراد بالأخيرين.
وأمّا ما يستعمل في مقام اعتبار الإباحة، الذي هو محلّ البحث في المقام، فالمراد به كما عن جامع المقاصد الفراغ الذي يشغله بدن المصلّي، أو يستقرّ عليه ولو بوسائط(2).
وعن الإيضاح أنّه في نظر الفقهاء ما يستقرّ عليه المصلّي ولو بوسائط، وما يلاقي بدنه وثوبه، وما يتخلّل بين مواضع الملاقاة من موضع الصلاة،
- (1) في ص389 ـ 429.
- (2) جامع المقاصد 2: 114.
( صفحه 386 )
كما يلاقي مساجده ويحاذي بطنه وصدره(1).
وقد اُورد على كلّ من التعريفين ببعض الإيرادات(2)، ولكنّ التحقيق أنّ لفظ «المكان» لم يقع في لسان دليل معتبر، بل هو مذكور في معقد الإجماع على اشتراط الإباحة الذي قد عرفت(3) أنّه هو الدليل على الاشتراط، لا الدليل العقلي من ناحية اجتماع الأمر والنهي.
وعليه: فاللاّزم ملاحظة أنّ مراد المجمعين منه ماذا؟ والظاهر بلحاظ وقوع الاستناد إلى الدليل العقلي المذكور في كلمات جماعة منهم، أنّ مرادهم ما يكون التصرّف فيه متّحداً مع الصلاة ولو بلحاظ بعض أجزائها.
وعليه: فلا إشكال في البطلان فيما إذا كان ما استقرّ عليه المصلّي غصباً. نعم، إذا كان هناك وسائط، فالظاهر أنّ الموارد مختلفة، فتارة: يتحقّق التصرّف مع وجودها، كما إذا صلّى على فرش مغصوب مع الاستقرار عليه بواسطة فرش أو فرشين أو أكثر; فإنّه هناك يتحقّق صدق التصرّف في المغصوب والاستقرار عليه.
واُخرى: لا يصدق، كما إذا صلّى على سقف مباح معتمد على جدار مغصوبة; فإنّه في مثله لا يتحقّق عنوان التصرّف في المغضوب; فإنّ التصرّف في السقف غير التصرّف في الجدار وإن كان لا يثبت بدونه، وكما إذا كان في ذيل الجدار بعض الأجزاء المغصوب; فإنّ الصلاة فوق الجدار لا يكون
- (1) ايضاح الفوائد 1: 86 .
- (2) جامع المقاصد 3: 115، مدارك الأحكام 3: 215.
- (3) ص358 ـ 361.
( صفحه 387 )
تصرّفاً في ذلك البعض عرفاً، هذا بالنسبة إلى الاستقرار.
وأمّا بالإضافة إلى الفراغ والفضاء الذي يشغله المصلّي في قيامه وركوعه وسجوده ونحوها، فالبحث فيها يتوقّف على تحقّق عنوان الغصب فيه، وهو يتوقّف على ثبوت الملكيّة بالنسبة إليه، وقد ذكر فيه أقوال ثلاثة:
الأوّل: أنّ كلّ من يملك أرضاً فهو مالك لفضائها إلى عنان السماء، ولقرارها إلى تخوم الأرضين، كما هو الحال في الكعبة المشرّفة التي يعتبر استقبالها في الصلاة، التي قد ورد في شأنها أنّها قبلة من تخوم الأرض إلى عنان السماء(1).
الثاني: أنّه مالك لمقدار من الفراغ الذي يتوقّف عليه تصرّفاته في أرضه بعين ملكيّته للأرض، ولمقدار آخر منه بتبعيّة الأرض بمنزلة الحريم لها.
الثالث: القول الثاني مع الافتراق في القول بأولويّة مالك الأرض بالإضافة إلى المقدار التابع، لا الملكيّة.
والظاهر أنّه لا دليل على القول الأوّل، ولا يساعده العقلاء بوجه. وأمّا الأخيران، فالتحقيق في تعيين ما هو الحقّ منهما موكول إلى محلّه(2)، ولكنّه لا يترتّب عليه ثمرة مهمّة في المقام; لأنّه كما لا يجوز التصرّف في ملك الغير، كذلك لا يجوز التصرّف في متعلّق حقّ الغير إلاّ مع إذنه.
ثمّ إنّ الصلاة تحت السقف المغصوب لا تكون تصرّفاً في المغصوب بوجه، بل إنّما هو انتفاع به في بعض الموارد، ولا دليل على حرمة مجرّد الانتفاع من
- (1) هذا اصطياد من الروايات، مثل ما وردت في وسائل الشيعة 4: 339، كتاب الصلاة، أبواب القبلة ب18.
- (2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب إحياء الموات: 206.