( صفحه 422 )
الصلاة مساوياً لقبر المعصوم(ع)، أو مقدّماً عليه
مسألة 9: الظاهر جواز الصلاة مساوياً لقبر المعصوم(عليه السلام)، بل ومقدّماً عليه، ولكن هو من سوء الأدب، والأحوط الاحتراز منهما، ويرتفع الحكم بالبعد المفرط، على وجه لا يصدق معه التقدّم والمحاذاة، ويخرج عن صدق وحدة المكان، وكذا بالحائل الرافع لسوء الأدب، والظاهر أنّه ليس منه الشبّاك والصندوق الشريف وثوبه 1 .
1 ـ المشهور(1) جواز التقدّم على قبر المعصوم (عليه السلام) في حال الصلاة على كراهة، أو مساواته، والمحكي عن البهائي والمجلسي والكاشاني وبعض المتأخّرين عنهم المنع من التقدّم(2)، وعن بعض متأخّري المتأخّرين المنع عن المساواة أيضاً(3)، والكلام يقع في مقامين:
الأوّل: في التقدّم، ومستند المنع فيه روايتان للحميري:
إحداهما: ما رواه الشيخ (قدس سره) بإسناده عن محمد بن أحمد بن داود، عن أبيه، عن محمد بن عبدالله الحميري قال: كتبت إلى الفقيه (عليه السلام) أسأله عن الرجل يزور قبور الأئمـّة (عليهم السلام) ، هل يجوز أن يسجد على القبر أم لا؟ وهل يجوز لمن صلّى عند قبورهم أن يقوم وراء القبر ويجعل القبر قبلة، ويقوم عند رأسه ورجليه؟ وهل يجوز أن يتقدّم القبر ويصلّي ويجعله خلفه، أم لا؟ فأجاب وقرأت التوقيع ومنه نسخت: أمّا السجود على القبر فلا يجوز في نافلة،
- (1) الحدائق الناضرة 7: 219، مستند الشيعة 4: 438، مستمسك العروة الوثقى 5: 463.
- (2) الحبل المتين 2: 110، بحار الأنوار 83 : 315 ـ 316، ملاذ الأخيار 4: 240، مفاتيح الشرائع 1: 102، الحدائق الناضرة 7: 220، رياض المسائل 3: 275.
- (3) بداية الهداية 1: 70.
( صفحه 423 )
ولا فريضة، ولا زيارة، بل يضع خدّه الأيمن على القبر، وأمّا الصلاة; فإنّها خلفه يجعله الامام، ولا يجوز أن يصلّي بين يديه; لأنّ الإمام لا يُتقدّم، ويصلّي عن يمينه وشماله(1).
والاُخرى: ما رواه الطبرسي في الاحتجاج، عن محمد بن عبدالله الحميري، عن صاحب الزمان عجّل الله تعالى فرجه الشريف، وهي مثل الاُولى، إلاّ أنّه قال: ولا يجوز أن يصلّي بين يديه، ولا عن يمينه، ولا عن يساره; لأنّ الإمام لا يُتقدّم عليه، ولا يساوى(2).
والظاهر أنّهما رواية واحدة; بمعنى أنّ الحميري سأل عن حكم المسألة مرّة واحدة، واُجيب كذلك، غاية الأمر أنّ الجواب مردّد بين أن يكون مثل ما في الرواية الاُولى، وبين أن يكون مثل ما في الثانية، وعليه: فالمراد من الفقيه الذي كتب إليه في الاُولى، هو صاحب الزمان عجّل الله تعالى فرجه الشريف; نظراً إلى أنّه من جملة ألقابه الشريفة، أو إلى المعنى الوصفي.
ولا مجال لدعوى(3) أنّ الظاهر منه عند الإطلاق هو الكاظم (عليه السلام) ; لكثرة استعماله فيه، وحيث إنّ الحميري متأخّر عن زمانه (عليه السلام) ، فالسند فيه سقط، فتكون الرواية مقطوعة; فإنّه لو سلّم هذا الظهور فإنّما هو مع عدم القرينة
- (1) تهذيب الأحكام 2: 228 ح898 ، وعنه وسائل الشيعة 5: 160، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب26 ح1 و 2.
- (2) الاحتجاج 2: 583، الرقم 357، وعنه وسائل الشيعة 5: 161، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب26 ذ ح1 و 2.
- (3) مصباح الفقيه 11: 136، مستمسك العروة الوثقى 5: 463، المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 13: 101 ـ 102.
( صفحه 424 )
على الخلاف، وهي في المقام موجودة; لرواية الحميري عنه (عليه السلام) ، مضافاً إلى ما عرفت من التصريح بالصاحب (عليه السلام) في الرواية الاُخرى، التي هي متّحدة مع هذه الرواية، كما مرّ.
كما أنّ الإشكال(1) في سند الاُولى بأنّه رواها الشيخ عن محمد بن أحمد بن داود مع أنّه لم يذكر طريقه إليه في المشيخة، وفي سند الثانية بالإرسال; لأنّه لا يمكن للطبرسي النقل عن الحميري من دون واسطة.
مدفوع بأنّه ذكر الشيخ في محكيّ الفهرست في ترجمة الرجل أنّه أخبرنا بكتبه ورواياته جماعة، منهم: محمد بن محمد بن النعمان، والحسين بن عبيدالله، وأحمد بن عبدون، كلّهم(2)، ولا ينافيه عدم التعرّض له في المشيخة.
ولا دليل على كون رواية الاحتجاج مرسلة بعد احتمال كون الطبرسي قد نقلها عن كتاب الحميري، وكون كتابه معلوم الإسناد إليه، كما لا يخفى، فاللاّزم التكلّم في مفاد الرواية ومدلولها، فنقول:
أمّا «الامام» في قوله (عليه السلام) : «ويجعله الامام» فيمكن أن يكون بفتح الهمزة; بمعنى القدّام، وعليه: فيكون هذه الجملة مؤكّدة لقوله (عليه السلام) : «فإنّها خلفه»، من دون أن تكون مفيدة لأمر آخر، ويمكن أن يكون بكسر الهمزة، ويكون المراد منه إمام الجماعة. وعليه: فالمراد منه هو جعل القبر بمنزلة إمام الجماعة في كونه متقدّماً، ولا يتقدّم عليه.
وأمّا احتمال كون المراد منه على هذا التقدير هو الإمام المعصوم (عليه السلام)
- (1) راجع هامش الصفحة السابقة، الرقم 3.
- (2) الفهرست: 211، الرقم 603.
( صفحه 425 )
كما في المستمسك(1); نظراً إلى أنّ قرينيّة مورد السؤال تعيّن الحمل عليه، فبعيد جدّاً; لأنّ مرجعه إلى جعل قبر الإمام (عليه السلام) إماماً، ولا يتوقّف حمل «الامام» على الإمام المعصوم (عليه السلام) في التعليل بقوله (عليه السلام) : «لأنّ الإمام لا يُتقدّم عليه» على كون المراد بهذا «الامام» هو الإمام المعصوم (عليه السلام) ; لأنّه جملة اُخرى متعرّضة لبيان حكم آخر معلّل بذلك التعليل، والضمير فيها يرجع إلى الإمام المعصوم (عليه السلام) ، كما هو واضح.
وأمّا قوله (عليه السلام) : «ولا يجوز أن يصلّي بين يديه» مع التعليل بقوله (عليه السلام) : «لأنّ الإمام لا يُتقدّم»، فلا إشكال في أنّ الإمام فيه يراد به الإمام المعصوم (عليه السلام) ، إمّا بالخصوص، أو بحيث يشمل إمام الجماعة، كما حكي(2) الاستدلال به عن الأصحاب في مسألة عدم جواز تقدّم المأموم على الإمام في صلاة الجماعة، والمراد من عدم جواز التقدّم على الإمام ليس هو التقدّم المعنوي بإنكار إمامته وعدم متابعته، بل هو التقدّم في الموقف بالمشي أو الجلوس، أو الوقوف مقدّماً عليه، والمراد منه هو مطلق التقدّم، لا في خصوص الصلاة.
وحينئذ ربما يقال(3):
حيث إنّ التقدّم على المعصوم (عليه السلام) في الموقف ليس حكماً إلزاميّاً، بل أدبيّاً قطعاً، يكون التعليل قرينة على الكراهة، كسائر ما ورد عنهم (عليه السلام) في آداب زيارتهم.
- (1) مستمسك العروة الوثقى 5: 464.
- (2) كتاب الصلاة، تقريرات بحث المحقّق النائيني للآملي 1: 352.
- (3) مستمسك العروة الوثقى 5: 464.
( صفحه 426 )
ويرد عليه ـ مضافاً إلى أنّ مجرّد كون الحكم وارداً في مقام الأدب، لا يستلزم عدم كونه إلزاميّاً; فإنّ من الأحكام الأدبيّة ما تجب مراعاته، كحرمة رفع الصوت على صوت النبيّ (صلى الله عليه وآله) ، وحرمة الجهر له بالقول كجهر البعض بالبعض(1)، بل وحرمة مسّ القرآن الشريف من دون طهارة(2)، التي لا تكون ناشئة إلاّ من جهة الأدب، ورعاية احترام القرآن بجميع شؤونه حتّى نقوشه وخطوطه ـ :
أنّه لو كان بيان الحكم بصورة النهي لأمكن حمله على الكراهة; لشيوع استعمال النواهي فيها. وأمّا لو كان بيانه بمثل قوله: «لا يجوز» الظاهر في نفي الجواز، لما كان وجه للحمل على الكراهة; لعدم المناسبة بينها، وبين نفي الجواز، كما لا يخفى.
وعلى ما ذكرنا فلا محيص عن الالتزام بعدم الجواز الوضعي، كما هو الظاهر في مثله، وذهاب المشهور(3) إلى خلافه لا يوجب الوهن في الرواية من جهة الإعراض عنها; لعدم ثبوت الإعراض; لأنّه يحتمل قويّاً أنّهم حملوها على الحكم الأدبي الملائم مع عدم اللزوم، بل الظاهر هو ذلك، كما يشهد به الفتوى بالكراهة الكاشفة عن حمل الرواية عليها، وإلاّ لا دليل على الكراهة أيضاً، فتدبّر.
المقام الثاني: في اليمين واليسار، وعن بعض متأخّري المتأخّرين (4) المنع
- (1) إشارة إلى قوله تعالى في سورة الحجرات 49: 2.
- (2) إشارة إلى قوله تعالى في سورة الواقعة 56: 79.
- (3 ، 4) تقدّم تخريجهما في ص422.