( صفحه 308 )
والديباج؟ فقال: أمّا في الحرب فلا بأس به وإن كان فيه تماثيل(1).
وغير ذلك من الروايات الدالّة عليه(2).
وبالجملة: فأصل ثبوت الحكم بالإضافة إلى الرجال ممّا لا إشكال فيه، وقد استثني منه حالتا الضرورة، والحرب.
أمّا الاُولى: فمضافاً إلى الإجماع المحكّي عن جماعة كثيرة(3)، يدلّ عليه مثل قولهم (عليهم السلام) : ليس شيء ممّا حرّم الله إلاّ وقد أحلّه لمن اضطرّ إليه. وقولهم (عليهم السلام) : كلّما غلب الله عليه فالله أولى بالعذر. وقوله (صلى الله عليه وآله) : رفع عن اُمّتي الخطأ، والنسيان، وما اُكرهوا عليه، وما لا يطيقون، وقد أوردها في الوسائل في أبواب متعدّدة، كأبواب لباس المصلّي، والقيام، وقضاء المغمى عليه، وكتاب الأطعمة، وغيرها(4)، والمراد من الاضطرار هو العرفي منه، كما هو الشأن في جميع العناوين المأخوذة في موضوعات الأحكام في الكتاب والسنّة.
وأمّا الثانية: فلدلالة مرسلة ابن بكير، وموثّقة سماعة المتقدّمتين وغيرهما على استثنائها، وهل الوجه في الاستثناء تقوية القلب، أو إظهار شوكة
- (1) تهذيب الأحكام 2: 208 ح806 ، الاستبصار 1: 386 ح1466، الكافي 6: 453 ح3، الفقيه 1: 171 ح807 ، وعنها وسائل الشيعة 4: 372، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب12 ح3.
- (2) وسائل الشيعة 4: 367 ـ 373، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب11 و 12.
- (3) المعتبر 2: 88 ، تذكرة الفقهاء 2: 471، ذكرى الشيعة 3: 46، جامع المقاصد 2: 84 ـ 85 ، روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان 2: 554، مدارك الأحكام 3: 174.
- (4) وسائل الشيعة 4: 373، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب12 ح6 ـ 8 ، وج5: 482 ـ 483، كتاب الصلاة، أبواب القيام ب1 ح6 و 7، وج8 : 258 ـ 263، كتاب الصلاة، أبواب قضاء الصلوات ب3 ح3، 7، 8 ، 13، 16 و 24، وج24: 214 ـ 217، كتاب الأطعمة والأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة ب56، وج15: 369 ـ 370، كتاب الجهاد، أبواب جهاد النفس وما يناسبه ب56.
( صفحه 309 )
الإسلام والمسلمين، أو غيرهما؟ فغير معلوم.
ثمّ إنّه قد ادّعي الإجماع، بل إجماع أهل العلم كافّة، كما عن بعض كتب المحقّق، والعلاّمة، وصاحب جامع المقاصد، على اختصاص الحكم بالرجال، وأنّه يجوز لبس الحرير للنساء(1)، ويدلّ عليه غير واحد من النصوص:
مثل مرسلة ابن بكير، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: النساء يلبسن الحرير والديباج إلاّ في الإحرام(2).
وفي حديث المناهي قال: نهى رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن لبس الحرير والديباج والقزّ للرجال، فأمّا النساء فلا بأس(3).
ورواية علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال: سألته عن الديباج هل يصلح لبسه للنساء؟ قال: لا بأس(4).
ورواية ليث المرادي قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام) : إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كسا أُسامة بن زيد حلّة حرير، فخرج فيها فقال: مهلا يا اُسامة، إنّما يلبسها من
لا خلاق له، فاقسمها بين نسائك(5).
وغير ذلك من الروايات الدالّة على الجواز(6).
- (1) المعتبر 2: 89 ، تحرير الأحكام الشرعيّة 1: 195، الرقم 121، تذكرة الفقهاء 2: 471، منتهى المطلب 4: 224، جامع المقاصد 2: 84 ، مستمسك العروة الوثقى 5: 369.
- (2) الكافي 6: 454 ح8 ، وعنه وسائل الشيعة 4: 379، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب16 ح3.
- (3) الفقيه 4: 4 قطعة من ح1، وعنه وسائل الشيعة 4: 380، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب16 ح5.
- (4) قرب الإسناد: 226 ح882 ، وعنه وسائل الشيعة 4: 380، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب16 ح9.
- (5) الكافي 6: 453 ح2، وعنه وسائل الشيعة 4: 379، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب16 ح2.
- (6) وسائل الشيعة 4: 379، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب16.
( صفحه 310 )
وبهذه الروايات يقيّد إطلاق موثّقة سماعة بن مهران المتقدّمة، الشامل للنساء; فإنّ الحكم وإن كان يستفاد من مفهوم الجواب، إلاّ أنّه حيث كان الجواب مسوقاً لبيان المفهوم، فلابدّ من الالتزام به، ولم يفرق فيه بين الرجل والمرأة، كما في السؤال، ولكن لا مانع من تقييد إطلاقه بها.
وأمّا رواية زرارة قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) ينهى عن لباس الحرير للرجال والنساء إلاّ ما كان من حرير مخلوط بخزّ لحمته أو سداه خزّ، أو كتّان،
أو قطن، وإنّما يكره الحرير المحض للرجال والنساء(1). فالجمع بينها، وبين الروايات المتقدّمة يقتضي حمل النهي فيها على الكراهة بقرينة الذيل، وحمل الكراهة على الأعمّ من الحرمة والكراهة المصطلحة; بمعنى ثبوت التحريم في حقّ الرجال، والكراهة في حقّ النساء، ولا مانع من الالتزام بها.
المقام الثاني: في الحكم الغيري المتعلّق بلبس الحرير في الصلاة، وقد ادّعي الإجماع على بطلان صلاة الرجل فيه(2)، والظاهر أنّه لا إشكال ولا خلاف بين الإماميّة في ذلك(3). نعم، المسألة خلافيّة بين العامّة، حيث إنّه ذهب بعضهم إلى الجواز، وبعض آخر إلى المنع(4)، والظاهر أنّه لا مستند لهم من
- (1) تهذيب الأحكام 2: 367 ح1524، الاستبصار 1: 386 ح1468، وعنهما وسائل الشيعة 4: 374، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب13 ح5.
- (2) الخلاف 1: 504 مسألة 245، المعتبر 2: 87 ، تذكرة الفقهاء 2: 470 مسألة 124، منتهى المطلب 4: 220، مدارك الأحكام 3: 173، رياض المسائل 3: 174 ـ 175.
- (3) الانتصار: 134، مجمع الفائدة والبرهان 2: 82 ، الحدائق الناضرة 7: 87 .
- (4) الاُمّ: 91، بداية المجتهد 1: 119، المجموع 3: 182، المغني لابن قدامة 1: 626، تذكرة الفقهاء 2: 470 مسألة 124.
( صفحه 311 )
النصوص، حيث إنّ المسألة مبتنية عندهم على أنّ النهي عن لبس الحرير هل يستلزم بطلان الصلاة الواقعة فيه، أم لا؟
وأمّا الأخبار الواردة من طرقنا، الدالّة على البطلان فكثيرة:
كرواية إسماعيل بن سعد الأحوص في حديث قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) هل يصلّي الرجل في ثوب إبريسم؟ فقال: لا(1).
ورواية أبي الحارث قال: سألت الرضا (عليه السلام) هل يصلّي الرجل في ثوب إبريسم؟ قال: لا(2).
ويحتمل اتّحاد الروايتين وأن يكون أبو الحارث كنية إسماعيل بن سعد الأحوص، ودلالتهما على البطلان واضحة; لظهور كون محطّ السؤال إنّما هو الحكم الوضعي، والجواب منطبق عليه، فاحتمال كون المراد هي الحرمة التكليفيّة منتف.
ومكاتبة محمد بن عبد الجبّار قال: كتبت إلى أبي محمّد (عليه السلام) أسأله هل يصلّى في قلنسوة حرير محض، أو قلنسوة ديباج؟ فكتب (عليه السلام) : لا تحلّ الصلاة في حرير محض(3).
والظاهر أنّ المراد من الحلّية المنفيّة هي الحلّية الغيريّة، الراجعة إلى الصحّة التي هي حكم وضعيّ، والاقتصار في الجواب على بيان حكم الحرير المحض
- (1) الكافي 3: 400 ح12، تهذيب الأحكام 2: 205 ح801 ، وص207 ح813 ، الاستبصار 1: 385 ح1463، وعنها وسائل الشيعة 4: 368، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب11 ح1.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 208 ح814 ، الاستبصار 1: 386 ح1464، وعنهما وسائل الشيعة 4: 369، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب11 ح7.
- (3) تقدّمت في ص186.
( صفحه 312 )
ـ مع كون السؤال إنّما هو عنه وعن الديباج ـ هل يظهر منه أنّ الديباج لا يكون مقابلا للحرير بل قسم منه، أو يظهر منه انتفاء وصف المحوضة في الديباج، كما يدلّ عليه تفسيره بثوب يكون خصوص سداه أو لحمته من إبريسم، أو لا يظهر منه شيء؟ وجوه واحتمالات. وغير ذلك من الروايات(1)الظاهرة في البطلان.
لكن في مقابلها صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الصلاة في ثوب ديباج؟ فقال: ما لم يكن فيه التماثيل فلا بأس(2).
وقد حمل على حال الضرورة أو الحرب(3)، ولكنّه بعيد; لعدم الفرق حينئذ بين ما إذا كان فيه التماثيل، وما إذا لم يكن، والمحتمل حمله على التقيّة، وعلى تقدير خلافه فاللاّزم الطرح، إمّا لأجل الإعراض، وإمّا لأجل ثبوت الترجيح مع الروايات المتقدّمة بعد المعارضة; لموافقتها للشهرة الفتوائيّة.
ثمّ إنّ الأكثر(4) ذهبوا إلى اختصاص الحكم في هذا المقام أيضاً بالرجال، وأنّه يجوز للنساء الصلاة في الحرير، لكنّ الصدوق في محكيّ الفقيه ذهب
- (1) وسائل الشيعة 4: 367 ـ 371، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب11.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 208 ح815 ، الاستبصار 1: 386 ح1465، وعنهما وسائل الشيعة 4: 370، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب11 ح10.
- (3) راجع التهذيب والاستبصار في التعليقة السابقة.
- (4) ذكرى الشيعة 3: 43، التنقيح الرائع 1: 180، المهذّب البارع 1: 323، المقتصر: 71، جامع المقاصد 2: 84 ، روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان 2: 556، مدارك الأحكام 3: 176، ذخيرة المعاد: 228 س18، كشف اللثام 3: 218 ـ 219، الحاشية على مدارك الأحكام 2: 362، مفتاح الكرامة 5: 513 ـ 515.