( صفحه 379 )
[المدار إحراز رضا المالك]
مسألة 5: المدار في جواز التصرّف والصلاة في ملك الغير على إحراز رضاه وطيب نفسه وإن لم يأذن صريحاً; بأن علم ذلك بالقرائن وشاهد الحال وظواهر تكشف عن رضاه كشفاً اطمئنانيّاً لا يُعتنى باحتمال خلافه، وذلك كالمضايف المفتوحة الأبواب، والحمّامات، والخانات، ونحو ذلك 1 .
1 ـ ظاهر مثل التوقيع الشريف المعروف المرويّ في الاحتجاج ـ وهو قوله عجّل الله تعالى فرجه الشريف: لا يحلّ لأحد أن يتصرّف في مال غيره بغير إذنه(1) ـ اعتبار الإذن الظاهر في انشائه في جواز التصرّف في مال الغير.
وظاهر مثل موثّقة سماعة ـ وهو قوله (صلى الله عليه وآله) : لا يحلّ دم امرء مسلم ولا ماله إلاّ بطيبة نفسه(2) ـ الاكتفاء بطيب النفس والرضا الباطني، من دون حاجة إلى الإنشاء.
ولكنّ العرف يرى أنّه لا تعارض بينهما، وأنّ مقتضى الجمع حمل الأوّل على الحكم الظاهري، والثاني على الحكم الواقعي; نظراً إلى أنّ الإذن طريق إلى الرضا، ولا موضوعيّة له بوجه، فالملاك حينئذ بعد الجمع المذكور هو الرضا. ومن الواضح: لزوم إحرازه، كما هو الشأن في جميع العناوين المتعلّقة للأحكام الواقعيّة، فبدون إحراز الرضا لا مسوّغ للتصرّف في مال الغير.
- (1) الاحتجاج 2: 559، الرقم 351، كمال الدين: 520 ـ 521 ح49، وعنهما وسائل الشيعة 9: 540 ـ 541، كتاب الخمس، أبواب الأنفال ب3 ح7.
- (2) الكافي 7: 273 ح12، الفقيه 4: 66 ح195، وعنهما وسائل الشيعة 5: 120، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب3 ح1.
( صفحه 380 )
ولكنّ المحكيّ عن الذخيرة والبحار جواز الصلاة في كلّ موضع لا يتضرّر المالك بالكون فيه، وكان المتعارف بين الناس عدم المضايقة في أمثاله وإن فرض عدم العلم برضا المالك، إلاّ أن تكون أمارة على الكراهة(1).
وربما يؤيّد أو يستدلّ له بما دلّ على جعل الأرض مسجداً له (صلى الله عليه وآله) ولاُمّته(2); لمناسبة الامتنان للاكتفاء بالظنّ، وبأصالة جواز التصرّف في كلّ شيء، والإجماع على المنع غير ثابت في صورة الظنّ، والتوقيع ضعيف السند، والموثّقة ظاهرة في خصوص التصرّف المتلف.
ويرد عليه: وضوح أنّ الحكم بحرمة التصرّف في مال الغير بغير رضاه ممّا أجمع عليه جميع الأديان والملل، ولا حاجة في إثباته إلى مثل التوقيع والموثّقة، مع أنّه قد وقع الخلط بين الحكم الواقعي والحكم الظاهري; فانّه تارة: يبحث عن حرمة التصرّف في مال الغير واقعاً، ومن الواضح: ثبوتها بنحو العموم، ولا يكون دليلها منحصراً بمثل الروايتين، واُخرى: يبحث عن الاكتفاء بالظنّ في مقام الإحراز; بمعنى أنّه لا حاجة في مقام إحراز الرضا الواقعي إلى العلم بثبوته، بل يكفي فيه الظنّ، ومن المعلوم أنّ ما ذكر لا يصلح لإثبات جعل الظنّ مطلقاً حجّة في هذا المقام.
ثمّ إنّ الرضا إن اُحرز بنحو العلم القطعي، أو الاطمئنان الذي يعامل معه
- (1) ذخيرة المعاد: 238 س12، بحار الأنوار 83 : 281.
- (2) الخصال: 425 ـ 426 ح1، علل الشرائع: 127 ـ 128 ح3، معاني الأخبار: 51 ح1، وعنها بحار الأنوار 80 : 147 ـ 148 ح2، وج81 : 147 ح5، وج83 : 277 ح2، ومستدرك الوسائل 2: 529، كتاب الطهارة، أبواب التيمّم ب5 ح2634، وص530 ح2638، وج3: 329، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب1 ح3705.
( صفحه 381 )
معاملة العلم بنظر العرف وإن لم يكن علماً عقلا، فلا إشكال في الاكتفاء به، وإن اُحرز بغيره، فسيأتي الكلام فيه.
كما أنّ ظاهر أخذ الرضا في الدليل هو اعتبار الرضا الفعلي المتوقّف على التوجّه والالتفات إلى المرضيّ. وأمّا الرضا التقديري، فإن كان لأجل عدم الالتفات ـ ومرجعه إلى ثبوته على تقدير تحقّقه، ولازمه عدم الكراهة أيضاً; لأجل ما ذكر من عدم الالتفات; فإنّ الكراهة كالرضا في هذه الجهة ـ فظاهر الأصحاب الاكتفاء به في هذه الصورة والتسالم عليه(1)، ولعلّ وجهه عدم منافاته لسلطنة المالك بوجه; فإنّ المفروض تحقّق رضاه على تقدير الالتفات، وأنّ عدم تحقّقه لأجل عدمه.
وإن كان لأجل الجهل بالواقع، ومثله من الاُمور الموجبة لعدم تحقّق الرضا فعلا مع تحقّق الالتفات، فالظاهر عدم الاكتفاء به; وذلك لوجود الكراهة فعلا، ومجرّد الرضا على تقدير زوال جهله وعلمه بالواقع لا يوجب تحقّقه بوجه، وهذا كما في المعاملات المتوقّفة على الرضا; فإنّه لو فرض إكراهه على بيع داره مع كون البيع مصلحة للمكرَه ـ بالفتح ـ، بحيث لو توجّه إليها لرضي به، لا يوجب ذلك صحّة المعاملة لوجود الرضا على تقدير العلم، كما لا يخفى.
ثمّ إنّه مع عدم إحراز الرضا بالعلم أو الاطمئنان، بل بالظنّ، نقول:
إن كان منشؤه هو الإذن الصريح; كأن يقول: أذنت لك بالتصرّف في داري بالصلاة، فالظاهر الاكتفاء به; لأنّ ظواهر الألفاظ معتبرة عند العقلاء،
- (1) اُنظر مستمسك العروة الوثقى 5: 439.
( صفحه 382 )
والظنّ الحاصل منها حجّة عندهم.
وإن كان منشؤه هو الفحوى; كأن يأذن في التصرّف بالقيام والقعود والنوم والأكل، فبالصلاة يكون راضياً بالأولى، فالظاهر عدم حجّيته; لأنّ الظنّ بالرضا بالصلاة لا يكون مستنداً إلى اللفظ; لأنّ المفروض اختصاص مفاده بمثل القيام والقعود ونحوهما، والأولويّة لا تستدعي إيقاعها في مفاد اللفظ، والظنّ المعتبر إنّما هو ما يكون مستنداً إلى اللفظ ومرتبطاً بمدلوله.
نعم، ربما يكون ذكر القيام ونحوه في الكلام على سبيل المثال، والمقصود إفادة مطلق التصرّفات المشابهة، وما يكون أولى من المذكور; فإنّه حينئذ تقع الصلاة كالمذكور، والمفروض غير هذه الصورة.
وفيه: أنّه لا دليل على اعتبار الظنّ بعد عدم كونه مدلولا للكلام ولو عرفاً، وعدم دخوله في إحدى الدلالات الثلاثة اللفظيّة: المطابقة، والتضمّن، والالتزام; لتوقّف الثالثة على كون اللزوم بيّناً بالمعنى الأخصّ، كما قرّر في محلّه(1).
وإن كان منشؤه هو شاهد الحال والقرائن غير اللفظيّة، فالظاهر عدم اعتباره أيضاً; لعدم استناده إلى اللفظ، ولا دليل على حجّية الظنّ غير المستند إليه، إلاّ أن يكون الفعل كاللفظ ممّا جرى بناء العقلاء على الاعتماد عليه، كما إذا فتح باب داره لإقامة العزاء فيه مثلا مع وجود أمارات اُخرى عليه، كما هو المعمول في زماننا هذا في بلادنا; فإنّه لا يبعد جواز الاعتماد على الظنّ الحاصل من ذلك، لبناء العقلاء على الاعتماد عليه كالاعتماد على اللفظ.
- (1) المنطق للمظفّر: 40، وراجع فوائد الاُصول 1 ـ 2: 303، واُصول فقه شيعه 5: 54 ـ 57.
( صفحه 383 )
[جواز الصلاة في الأراضي المتّسعة]
مسألة 6: يجوز الصلاة في الأراضي المتّسعة، كالصحاري والمزارع والبساتين التي لم يبن عليها الحيطان، بل وسائر التصرّفات اليسيرة ممّا جرت عليه السيرة، كالاستطراقات العادية غير المضرّة، والجلوس والنوم فيها، وغير ذلك، ولا يجب التفحّص عن ملاّكها; من غير فرق بين كونهم كاملين أو قاصرين، كالصغار والمجانين.
نعم، مع ظهور الكراهة والمنع عن ملاّكها ولو بوضع ما يمنع المارّة عن الدخول فيها، يشكل جميع ما ذكر وأشباهها فيها إلاّ في الأراضي المتّسعة جدّاً، كالصحاري التي من مرافق القرى وتوابعها العرفيّة، ومراتع دوابّها ومواشيها; فإنّه لا يبعد فيها الجواز حتّى مع ظهور الكراهة والمنع 1 .
1 ـ الوجه في جواز الصلاة في الأراضي المتّسعة، بل مطلق التصرّفات اليسيرة ممّا هو مذكور في المتن وشبهه، هي السيرة القطعيّة(1) العمليّة من المتشرّعة المتّصلة بزمان المعصوم (عليه السلام) ، لا أدلّة نفي الحرج والضرر; لأنّ دليل نفي الضرر ـ على ما هو التحقيق ـ راجع إلى مقام الحكومة والسلطنة لا التشريع(2)، ودليل نفي الحرج واقع في مقام الامتنان(3)، وهو لا يجري فيما إذا لزم من جريانه خلاف الامتنان في حقّ الغير، مضافاً إلى دورانه مدار الحرج الشخصي، مع أنّ المدّعى كلّي، فالدليل المنحصر هي السيرة المذكورة.
- (1) مستمسك العروة الوثقى 5: 442، المستند في شرح العروة الوثقى، الموسوعة الإمام الخوئي 13: 57.
- (2) ثلاث رسائل: 111 ـ 112، بدائع الدّرر في قاعدة نفي الضرر: 105 ـ 121.
- (3) ثلاث رسائل: 41 ـ 42 و 167 ـ 169.