( صفحه 66 )
فالكبرى ممنوعة; لعدم الدليل على وجوب ستر العورة كلّها في الصلاة، فهذا الدليل مردود.
وأمّا الروايات، فلابدّ من ملاحظتها، فنقول:
منها: رواية الفضيل، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: صلّت فاطمة (عليها السلام) في درع وخمارها على رأسها، ليس عليها أكثر ممّا وارت به شعرها واُذنيها(1).
ولم يعلم أنّ الدرع الذي عبّر عنه في بعض الروايات(2) الاُخر بالقميص، هل كان ساتراً للكفّين والقدمين، أم لا، فلا يصحّ الاستدلال بها لحكمهما نفياً أو إثباتاً.
نعم، يمكن الاستدلال بها لحكم الوجه، وأنّه لا يجب ستره; لعدم كون الخمار ساتراً له، كما أنّه من الواضح عدم كون الدرع ساتراً له بوجه.
ومنها: رواية عليّ بن جعفر أنّه سأل أخاه موسى بن جعفر (عليهما السلام) عن المرأة ليس لها إلاّ ملحفة واحدة كيف تصلّي؟ قال: تلتّف فيها وتغطّي رأسها وتصلّي، فإن خرجت رجلها وليس تقدر على غير ذلك فلا بأس(3).
ومنها: رواية محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: المرأة تصلّي في الدرع والمقنعة إذا كان كثيفاً، يعني ستيراً(4).
ومنها: رواية معلّى بن خنيس، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن المرأة
- (1) الفقيه 1: 167 ح785، وعنه وسائل الشيعة 4: 405، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب28 ح1.
- (2) قرب الإسناد: 224 ح876 ، وعنه وسائل الشيعة 4: 412، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب29 ح10.
- (3) الفقيه 1: 244 ح1083، مسائل عليّ بن جعفر: 172 ح299، وعنهما وسائل الشيعة 4: 405، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب28 ح2.
- (4) الفقيه 1: 243 ح1081، وعنه وسائل الشيعة 4: 405، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب28 ح3.
( صفحه 67 )
تصلّي في درع وملحفة ليس عليها إزار ولا مقنعة؟ قال: لا بأس إذا التفّت بها، وإن لم تكن تكفيها عرضاً جعلتها طولا(1).
ومنها: رواية ابن أبي يعفور قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام) : تصلّي المرأة في ثلاثة أثواب، إزار، ودرع، وخمار، ولا يضرّها بأن تقنّع بالخمار، فإن لم تجد فثوبين تتّزر بأحدهما وتقنّع بالآخر. قلت: فإن كان درع وملحفة ليس عليها مقنعة؟ فقال: لا بأس إذا تقنّعت بملحفة، فإن لم تكفها فتلبسها طولا(2).
ومنها: رواية زرارة قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن أدنى ما تصلّي فيه المرأة؟ قال: درع وملحفة، فتنشرها على رأسها وتجلّل بها(3).
والمستفاد من هذه الروايات أنّه لا خصوصيّة ولا موضوعيّة للاُمور المذكورة فيها بعنوان الساتر واللباس، بل الملاك المستوريّة ولو بغير الألبسة المتعارفة.
ولكن ظاهر صحيحة جميل بن دراج خلاف ذلك، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن المرأة تصلّي في درع وخمار؟ فقال: يكون عليها ملحفة تضمّها عليها(4).
- (1) الفقيه 1: 244 ح1084، وعنه وسائل الشيعة 4: 405، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب28 ح5.
- (2) الكافي 3: 395 ح11، تهذيب الأحكام 2: 217 ح856 ، الاستبصار 1: 389 ح1480، وعنها وسائل الشيعة 4: 406، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب28 ح8 .
- (3) تهذيب الأحكام 2: 217 ح853 ، الاستبصار 1: 388 ح1478، وعنهما وسائل الشيعة 4: 407، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب28 ح9.
- (4) تهذيب الأحكام 2: 218 ح860 ، الاستبصار 1: 390 ح1484، وعنهما وسائل الشيعة 4: 407، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب28 ح11.
( صفحه 68 )
فإنّ مقتضاها عدم الاكتفاء بالدرع والخمار مع كونهما ساترين، مضافاً إلى دلالة الروايات المتقدّمة على جواز الاكتفاء بهما. وقد حمل الشيخ (قدس سره) هذه الرواية على زيادة الفضل والثواب، أو على كون الدرع والخمار لا يواريان شيئاً(1).
ومثلها رواية علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليهم السلام) قال: سألته عن المرأة الحرّة هل يصلح لها أن تصلّي في درع ومقنعة؟ قال: لا يصلح لها إلاّ في ملحفة، إلاّ أن لا تجد بدّاً(2).
فإنّ الجمع بينها، وبين الروايات المتقدّمة، سيّما الرواية الحاكية لصلاة فاطمة (عليها السلام) إنّما يكون بالحمل على الاستحباب، خصوصاً بملاحظة أنّ الملحفة لا تستر أزيد ممّا يستره الدرع والخمار، ولعلّ وجه الاستحباب أن ضمّ الملحفة يوجب الطمأنينة للنفس بحصول الستر الكامل، كما لا يخفى.
ودعوى(3) أنّه يمكن أن يكون عملها (عليها السلام) في حال الضرورة; لأنّ الرواية متضمّنة لحكاية الفعل، ومن المعلوم أنّ الفعل لا إطلاق له.
مدفوعة بأنّه لو كان الحاكي هو الإمام (عليه السلام) ، وكان الغرض من الحكاية بيان الحكم لا مانع من التمسّك بإطلاقه حينئذ; لأنّه لو كان الحكم مقيّداً بحال الضرورة كان عليه البيان، ولكن سند الرواية الحاكية لا يخلو عن إشكال.
- (1) أي في تهذيب الأحكام في ذيل الرواية المتقدّمة.
- (2) قرب الإسناد: 224 ح875 ، وعنه وسائل الشيعة 4: 408، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب28 ح14.
- (3) راجع نهاية التقرير 1: 300.
( صفحه 69 )
هذا ما يتعلّق بأصل وجوب الستر على النساء في حال الصلاة، ثمّ إنّه وقع الكلام فيما يستثنى من ذلك، وهو اُمور:
أحدها: الوجه، وقد استثني في معاقد جملة من الإجماعات(1)، وفي الذكرى: أجمع العلماء على عدم وجوب ستر وجهها، إلاّ أبا بكر بن هشام(2). وقد عرفت(3) ثبوت القول بوجوب ستر جميع البدن من غير استثناء، كما أنّك عرفت(4) أنّ ابن حمزة اقتصر في الاستثناء على موضع السجود.
والدليل على استثنائه جميع الروايات(5) الدالّة على أنّه يجوز للمرأة الاكتفاء في صلاتها بدرع وخمار; ضرورة أنّ الخمار والمقنعة لا يستر الوجه بوجه، وإنّما الساتر له بأجمعه أو ببعضه النقاب، وليس في الروايات ما يدلّ على اعتباره.
مضافاً إلى موثّقة سماعة قال: سألته عن المرأة تصلّي متنقّبة؟ قال: إذا كشفت عن موضع السجود فلا بأس به، وإن أسفرت فهو أفضل(6).
فإنّ مفادها أفضليّة الإسفار، مضافاً إلى ظهورها في أنّ السائل كان في ذهنه شبهة عدم الجواز.
- (1) المعتبر 2: 101، مختلف الشيعة 2: 114 مسألة 55، تذكرة الفقهاء 2: 446 مسألة 108، منتهى المطلب 4: 272، روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان 2: 582، التنقيح الرائع 1: 183، مفتاح الكرامة 6: 21 ـ 22.
- (2) ذكرى الشيعة 3: 8 ، المغني لابن قدامة 1: 637.
- (3 ، 4) في ص64 ـ 65.
- (5) وسائل الشيعة 4: 405 ـ 408، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب28.
- (6) تهذيب الأحكام 2: 230 ح904، وعنه وسائل الشيعة 4: 421، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب33 ح1.
( صفحه 70 )
وهل المراد بالوجه المستثنى في هذا الباب هو الوجه الذي يجب غسله في باب الوضوء; وهو ما دارت عليه الإبهام والوسطى من قصاص شعر الرأس إلى الذقن، كما ورد في الرواية الصحيحة؟(1) ربما يقال(2): نعم; لأنّ تفسير الإمام (عليه السلام) الوجه بذلك في باب الوضوء يدلّ على أنّ معناه بحسب العرف واللغة يكون كذلك; لعدم كون الوجه له حقيقة شرعيّة، ولا مجال لاحتمال ذلك فيه، فالوجه العرفي هو ما فسّر في الرواية.
ولكنّ التحقيق أنّه ليس في الروايات الواردة في المقام ما يدلّ على
استثناء الوجه بعنوانه حتّى يبحث في المراد منه، بل قد عرفت أنّ مفادها مجرّد بيان ما يكفي للمرأة من الثياب أن تصلّي فيها; وهي عبارة
عن الدرع والخمار.
ومن الواضح: أنّ المقدار الخارج من الوجه من الخمار والمقنعة أوسع من الوجه الذي يجب غسله في باب الوضوء، خصوصاً بملاحظة الرواية(3)الحاكية لفعل فاطمة المرضيّة عليها آلاف الثناء والتحيّة، الدالّة على أنّه ليس عليها أكثر ممّا وارت به شعرها واُذنيها; فإنّ ظاهرها خروج الصدغين أيضاً كما لا يخفى.
فانقدح أنّ الوجه المستثنى هنا أوسع من الوجه في باب الوضوء.
- (1) الفقيه 1: 28 ح88 ، الكافي 3: 27 ح1، تهذيب الأحكام 1: 54 ح154، وعنها وسائل الشيعة 1: 403، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء ب17 ح1.
- (2) راجع نهاية التقرير 1: 297 ـ 298.
- (3) تقدّمت في ص66.