( صفحه 523 )
موارد سقوط الأذان والإقامة
مسألة 3: يسقط الأذان والإقامة في مواضع:
منها: الداخل في الجماعة التي أذّنوا وأقاموا لها; وإن لم يسمعهما ولم يكن حاضراً حينهما.
ومنها: من صلّى في مسجد فيه جماعة لم تتفرّق; سواء قصد الإتيان إليها أم لا، وسواء صلّى جماعة ـ إماماً أو مأموماً ـ أم منفرداً، فلو تفرّقت أو أعرضوا عن الصلاة وتعقيبها وإن بقوا في مكانهم لم يسقطا عنه، كما لا يسقطان لو كانت الجماعة السابقة بغير أذان وإقامة; ولو كان تركهم لهما من جهة اكتفائهم بالسماع من الغير، وكذا فيما إذا كانت باطلة من جهة فسق الإمام مع علم المأمومين به، أو من جهة اُخرى، وكذا مع عدم اتّحاد مكان الصلاتين عرفاً; بأن كانت إحداهما داخل المسجد والاُخرى على سطحه، أو بعدت إحداهما عن الاُخرى كثيراً.
وهل يختصّ الحكم بالمسجد، أو يجري في غيره أيضاً محلّ إشكال، فلا يترك الاحتياط بالترك مطلقاً في المسجد وغيره، بل لا يبعد عدم الاختصاص بالمسجد، وكذا لا يترك فيما لم تكن صلاته مع الجماعة أدائيّتين; بأن كانت إحداهما أو كلتاهما قضائيّة عن النفس أو الغير على وجه التبرّع أو الإجارة، وكذا فيما لم تشتركا في الوقت، كما إذا كانت الجماعة السابقة عصراً، وهو يريد أن يصلّي المغرب، والإتيان بهما في موارد الإشكال رجاءً لا بأس به 1 .
1 ـ قد تعرّض في المتن لذكر موضعين من مواضع سقوط الأذان والإقامة معاً.
الموضع الأوّل: الداخل في الجماعة التي أذّنوا وأقاموا لها وإن لم يسمعهما
( صفحه 524 )
ولم يكن حاضراً حينهما، والظاهر أنّ السقوط في هذا الموضع ممّا لا إشكال فيه، بل ولا خلاف بين المتعرّضين له(1)، ويدلّ عليه السيرة القطعيّة العمليّة من المتشرّعة(2)، حيث لم يعهد من أحد منهم الأذان والإقامة مع الشركة في الجماعة; سواء كان حاضراً حينهما أم لم يكن، بل لا يكاد يخطر ببالهم ثبوت وظيفتهما في هذه الصورة، وإن كانوا مراقبين للإتيان بالوظائف الاستحبابيّة أيضاً.
مضافاً إلى الروايات المتعدّدة التي يستفاد منها ذلك، كموثّقة عمّار، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال: سئل عن الرجل يؤذِّن ويقيم ليصلّي وحده، فيجيء رجل آخر فيقول له: نصلّي جماعة، هل يجوز أن يصلّيا بذلك الأذان والإقامة؟ قال: لا، ولكن يؤذِّن ويقيم(3).
فإنّ السؤال فيه ظاهر في مفروغيّة كفاية الأذان والإقامة إذا كان للجماعة وإن لم يسمعهما المأموم، وإنّما كان مورد سؤاله ومحلّ ترديده ما إذا كان الأذان والإقامة بقصد الصلاة وحده مع عدم سماع الغير لهما، واُجيب بعدم الاكتفاء وتجديد الأذان والإقامة للجماعة.
ورواية معاوية بن شريح، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا جاء الرجل مبادراً
- (1) المعتبر 2: 136، منتهى المطلب 4: 414، تذكرة الفقهاء 3: 62 مسألة 170، الدروس الشرعيّة 1: 164، مجمع الفائدة والبرهان 2: 168، مفتاح الكرامة 6: 406، مستند الشيعة 4: 529، جواهر الكلام 9: 67.
- (2) مستمسك العروة الوثقى 5: 562 ـ 563، المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 13: 284 ـ 285.
- (3) الكافي 3: 304 ح13، تهذيب الأحكام 2: 277 ح1101، الفقيه 1: 258 ح1168، وعنها وسائل الشيعة 5: 432، كتاب الصلاة، أبواب الأذان والإقامة ب27 ح1.
( صفحه 525 )
والإمام راكع أجزأته تكبيرة واحدة لدخوله في الصلاة والركوع، ومن أدرك الإمام وهو ساجد كبّر وسجد معه ولم يعتدّ بها، ومن أدرك الإمام وهو في الركعة الأخيرة فقد أدرك فضل الجماعة، ومن أدركه وقد رفع رأسه من السجدة الأخيرة وهو في التشهّد فقد أدرك الجماعة وليس عليه أذان ولا إقامة، ومن أدركه وقد سلّم فعليه الأذان والإقامة(1); فإنّها ظاهرة في سقوط الأذان والإقامة عن المدرك للجماعة.
ورواية أبي مريم الأنصاري قال: صلّى بنا أبوجعفر (عليه السلام) في قميص بلا إزار ولا رداء ولا أذان ولا إقامة ـ إلى أن قال: ـ فقال: وإنّي مررت بجعفر وهو يؤذِّن ويقيم فلم أتكلّم فأجزأني ذلك(2).
فإنّها ظاهرة في سقوط الأذان والإقامة عن الإمام مع سماعه لهما ولو عن المنفرد، بل وسقوطهما عن المأموم في هذه الصورة أيضاً.
ورواية محمد بن عذافر، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: أذّن خلف من قرأت خلفه(3).
ثمّ إنّ مقتضى إطلاق المتن شمول الحكم للإمام أيضاً; بمعنى أنّه إذا دخل في الجماعة التي اُذّن واُقيم لها يجوز أن يكتفي بهما وإن لم يسمعهما أصلا، ويدلّ عليه الروايات المتعدّدة:
- (1) الفقيه 1: 265 ح1214، وعنه وسائل الشيعة 8 : 393، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة ب49 ح6.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 280 ح1113، وعنه وسائل الشيعة 5: 437، كتاب الصلاة، أبواب الأذان والإقامة ب30 ح2.
- (3) تهذيب الأحكام 3: 56 ح192، الفقيه 1: 251 ح1130، وعنهما وسائل الشيعة 5: 443، كتاب الصلاة، أبواب الأذان والإقامة ب34 ح2.
( صفحه 526 )
كرواية حفص بن سالم أنّه سأل أبا عبدالله (عليه السلام) إذا قال المؤذِّن: قد قامت الصلاة أيقوم الناس على أرجلهم، أو يجلسون حتّى يجيء إمامهم؟ قال: لا بل يقومون على أرجلهم، فإن جاء إمامهم وإلاّ فليؤخذ بيد رجل من القوم فيقدّم(1).
ورواية معاوية بن شريح، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال: إذا قال المؤذِّن: قد قامت الصلاة ينبغي لمن في المسجد أن يقوموا على أرجلهم ويقدموا بعضهم ولا ينتظروا الإمام. قال: قلت: وإن كان الإمام هو المؤذِّن؟ قال: وإن كان، فلا ينتظرونه ويقدّموا بعضهم(2).
ورواية إسماعيل بن جابر أنّ أبا عبدالله (عليه السلام) كان يؤذِّن ويقيم غيره، وقال: كان يقيم وقد أذّن غيره(3).
ورواية السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن آبائه، عن علي (عليهم السلام) أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) كان إذا دخل المسجد وبلال يقيم الصلاة جلس(4).
الموضع الثاني: من أراد الصلاة في مسجد فيه جماعة لم تتفرّق; سواء قصد الإتيان إليها أم لا، ومستند السقوط فيه روايات متعدّدة أيضاً:
- (1) الفقيه 1: 252 ح1137، تهذيب الأحكام 2: 285 ح1143، وعنهما وسائل الشيعة 5: 450، كتاب الصلاة، أبواب الأذان والإقامة ب41 ح1، وج8 : 379، أبواب صلاة الجماعة ب42 ح1.
- (2) تهذيب الأحكام 3: 42 ح146، وعنه وسائل الشيعة 8 : 380، كتاب الصلاة، أبواب صلاة الجماعة ب42 ح2.
- (3) الكافي 3: 306 ح25، تهذيب الأحكام 2: 281 ح1117، وعنهما وسائل الشيعة 5: 438، كتاب الصلاة، أبواب الأذان والإقامة ب31 ح1.
- (4) تهذيب الأحكام 2: 281 ح1118، وعنه وسائل الشيعة 5: 438، كتاب الصلاة، أبواب الأذان والإقامة ب31 ح2.
( صفحه 527 )
منها: رواية أبي بصير قال: سألته عن الرجل ينتهي إلى الإمام حين يسلّم؟ قال: ليس عليه أن يعيد الأذان، فليدخل معهم في أذانهم، فإن وجدهم قد تفرّقوا أعاد الأذان(1).
ومنها: رواية اُخرى لأبي بصير، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قلت له: الرجل يدخل المسجد وقد صلّى القوم، أيؤذِّن ويقيم؟ قال: إن كان دخل ولم يتفرّق الصفّ صلّى بأذانهم وإقامتهم، وإن كان تفرّق الصفّ أذّن وأقام(2).
والظاهر اتحاد الروايتين، بمعنى أنّ السؤال من أبي بصير قد وقع مرّة واحدة واُجيب كذلك، إلاّ أنّ الاختلاف إنّما نشأ من الناقلين عنه بلا واسطة أو معها.
ومنها: رواية عمرو بن خالد، عن زيد بن عليّ، عن آبائه، عن علي (عليهم السلام) قال: دخل رجلان المسجد وقد صلّى الناس، فقال لهما علي (عليه السلام) : إن شئتما فليؤمّ أحدكما صاحبه ولا يؤذِّن ولا يقيم(3).
ومنها: رواية السكوني، عن جعفر، عن أبيه، عن عليّ (عليهم السلام) أنّه كان يقول: إذا دخل رجل المسجد وقد صلّى أهله، فلا يؤذِّننَّ ولا يقيمنّ ولا يتطوّع حتّى يبدأ بصلاة الفريضة، ولا يخرج منه إلى غيره حتّى
- (1) الكافي 3: 304 ح12، تهذيب الأحكام 2: 277 ح1100، وعنهما وسائل الشيعة 5: 430، كتاب الصلاة، أبواب الأذان والإقامة ب25 ح1.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 281 ح1120، وعنه وسائل الشيعة 5: 430، كتاب الصلاة، أبواب الأذان والإقامة ب25 ح2، وج8 : 414، أبواب صلاة الجماعة ب65 ح1.
- (3) تهذيب الأحكام 2: 281 ح1119، وج3: 56 ح191، وعنه وسائل الشيعة 5: 430، كتاب الصلاة، أبواب الأذان والإقامة ب25 ح3، وج8 : 415، أبواب صلاة الجماعة ب65 ح3.