( صفحه 356 )
باقتضاء القاعدة له ـ كما مرّ(1) البحث عنه في باب التيمّم ـ غير خال عن الإشكال، فالأحوط حينئذ هو التأخير كما في المتن. هذا تمام الكلام
في لباس المصلّي.
- (1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الطهارة، غسل الجنابة، التيمّم، المطهّرات: 471 ـ 481.
( صفحه 357 )
المقدّمة الرابعة في المكان
[بطلان
الصلاة في المكان المغصوب
]
مسألة 1: كلّ مكان يجوز الصلاة فيه إلاّ المغصوب عيناً أو منفعة، وفي حكمه ما تعلّق به حقّ الغير، كالمرهون، وحقّ الميّت إذا أوصى بالثلث ولم يُخرج بعد، بل ما تعلّق به حقّ السبق; بأن سبق شخص إلى مكان من المسجد أو غيره للصلاة مثلا ولم يعرض عنه على الأحوط، وإنّما تبطل الصلاة في المغصوب إن كان عالماً بالغصبيّة وكان مختاراً; من غير فرق بين الفريضة والنافلة.
أمّا الجاهل بها والمضطرّ والمحبوس بباطل، فصلاتهم ـ والحالة هذه ـ صحيحة. وكذا الناسي لها إلاّ الغاصب نفسه; فإنّ الأحوط بطلان صلاته، وصلاة المضطرّ كصلاة غيره بقيام وركوع وسجود 1 .(1)
1 ـ في محكيّ الجواهر الإجماع على بطلان الصلاة في المكان المغصوب محكيّه ومحصّله، صريحاً وظاهراً، مستفيضاً إن لم يكن متواتراً (1) . وفي محكيّ
- (1) جواهر الكلام 8 : 473.
( صفحه 358 )
مفتاح الكرامة حكاية الإجماع عليه ظاهراً عن نهاية الإحكام، والناصريّة، والمنتهى، والتذكرة، والمدارك، والدروس، والبيان، وجامع المقاصد والغريّة(1). وفي محكيّ جامع المقاصد: تحرم الصلاة في المكان المغصوب بإجماع العلماء إلاّ من شذّ، وتبطل عندنا وعند بعض العامّة(2)،(3).
وقد نقل الخلاف عن الفضل بن شاذان(4)، بل استظهر من كلامه، أنّ القول بالصحّة كان مشهوراً بين الشيعة، كما اعترف به في محكيّ البحار(5).
أقول: لابدّ من ملاحظة أنّ الدليل في المسألة هل هو الإجماع، بحيث يكون له أصالة، ويستكشف منه موافقة المعصوم (عليه السلام) ، أو أنّه يكون مستنداً إلى الدليل العقلي القائم في المسألة; وهو مسألة اجتماع الأمر والنهي؟ وربما يستظهر الثاني من المدارك، حيث استدلّ بقوله: لأنّ الحركات والسكنات الواقعة في المكان المغصوب منهيّ عنها، كما هو المفروض، فلا تكون مأموراً بها; ضرورة استحالة كون الشيء الواحد مأموراً به ومنهيّاً عنه(6).
ومقتضى التحقيق هو الأوّل; لأمرين:
- (1) نهاية الإحكام في معرفة الأحكام 1: 340، مسائل الناصريات: 205، منتهى المطلب 4: 297، تذكرة الفقهاء 2: 397 مسألة 83 ، مدارك الأحكام 3: 217، الدروس الشرعيّة 1: 152، البيان: 128، جامع المقاصد 2: 116، مفتاح الكرامة 6: 130.
- (2) المغني لابن قدامة 1: 63 و 626، الشرح الكبير 1: 479 ـ 480، المجموع 3: 165 ـ 166، جامع المقاصد 2: 116.
- (3) إلى هنا مأخوذ من مستمسك العروة الوثقى 1: 416.
- (4) حكى عنه في الكافي 6: 94 ـ 95، ومفاتيح الشرائع 1: 99 مفتاح 111.
- (5) بحار الأنوار 83 : 279.
- (6) مدارك الأحكام 3: 217.
( صفحه 359 )
الأوّل: وجود المناقشة في كون المقام من صغريات مسألة الاجتماع بلحاظ الصلاة أو أجزائها; لعدم اتّحادها مع الغصب في الخارج حتّى تكون محرّمة، لا لأنّ الغصب عبارة عن الاستيلاء على مال الغير عدواناً، والاستيلاء لا يكون متّحداً مع الصلاة، بل لأنّه لو اُبدل الغصب بالتصرّف كما نبّهنا عليه مراراً(1) لا يتحقّق الاتّحاد أيضاً; وذلك لأنّ الصلاة مركّبة من الأقوال المخصوصة والأفعال المعيّنة.
والأقوال منها ـ مثل تكبيرة الافتتاح، والقراءة، والتسبيح، والتشهّد، والتسليم ـ تكون من قبيل الكيفيّات القائمة بالصوت، وتحدث بسبب حركات اللسان، والكيفيّة لا تكون من التصرّف، وعلى تقدير كونها منه لا تكون محرّمة; لعدم شمول أدلّة الحرمة لها.
وأمّا القيام والجلوس والركوع; فلأنّها هيئات قائمة بالبدن، نظير الاستقامة والانحناء، وليست عبارة عن النهوض والهويّ لتكون من التصرّف في المغصوب المحرّم.
وأمّا السجود، فهو الانحناء الخاصّ مع مماسّة الجبهة للأرض، والانحناء من قبيل الهيئة، وقد عرفت(2) أنّها ليست متّحدة مع التصرّف المحرّم. وأمّا المماسّة، فإنّما هي تصرّف في المتماسّين، فإذا كانا مباحين تكون مباحة، ولا مدخليّة لمقدار من الهويّ في حقيقة السجود التي هي الوضع، ولذا يصدق على البقاء بعين صدقه على الحدوث.
- (1) في ص114.
- (2) في ص119 ـ 122.
( صفحه 360 )
ومنه يظهر أنّ من سجد على أرض مغصوبة بطل سجوده وإن كان الفضاء مباحاً له، ومن سجد على أرض مباحة صحّ سجوده وإن كان الفضاء مغصوباً، فمن صلّى في الدار المغصوبة لا تفسد صلاته، إلاّ إذا كان وضع جبهته ومساجده على مواضعها تصرّفاً في المغصوب.
ودعوى أنّه يعتبر في الصلاة القرار على شيء ولو كان مثل الطيّارة في هذه الأعصار، فمن صلّى في الهواء بين السماء والأرض لا تصحّ صلاته; لفقد القرار، وحينئذ فالصلاة في الدار المغصوبة باطلة; لاتّحاد القرار على الأرض في القيام، والجلوس والركوع مع التصرّف في المغصوب.
مدفوعة بأنّه على تقدير الاعتبار لا دليل على كونه بنحو الجزئيّة، بل يمكن أن يكون بنحو الشرطيّة، وشروط العبادة من حيث هي شروط عبادة لا يعتبر فيها التقرّب.
وعلى ما ذكرنا ينحصر الحكم ببطلان العبادة في المغصوب بما لو كان وضع المساجد على محالّها تصرّفاً فيه، فلو اتّفق عدم كونه كذلك لم يكن وجه للفساد، مع أنّ ظاهرهم الحكم بالبطلان مطلقاً.
الثاني: وجود الاختلاف في مسألة اجتماع الأمر والنهي، وثبوت الاتّفاق على البطلان في المقام.
ودعوى(1) أنّ القائل بالاجتماع أيضاً يقول ببطلان العبادة; نظراً إلى أنّ المقرّب لا يمكن أن يكون مبعّداً وبالعكس، فثبوت النهي مانع عن التقرّب بالمجمع.
مدفوعة بأنّ الظاهر وفاقاً لأكثر القائلين به صحّة العبادة في هذه الصورة،
- (1) راجع نهاية التقرير 1: 491.