( صفحه 165 )
أيضاً، استظهر في الجواهر الأوّل(1)، وجعل الحكم بطهارة ما في يد المسلم المسبوقة بيد الكافر من باب تقديم إحدى الأمارتين على الاُخرى; لأقوائيّتها، أو أقوائيّة دليلها.
ولكنّ الظاهر هو الثاني; لأنّ العمدة في هذه الجهة هو قوله (عليه السلام) في رواية إسماعيل المتقدّمة: «عليكم أنتم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك»، ولا دلالة له على ذلك; لأنّ إيجاب السؤال والفحص لا يلازم مع كونه أمارة على العدم، بل يجتمع مع عدم الأماريّة، بل ربما يقال: ظاهر الأمر بالسؤال هو عدم كونها أمارة على شيء; لأنّ السؤال يناسب الجهل وعدم الأمارة، ولكنّه مردود بأنّ أماريّة العدم على تقديرها تكون مجعولة بنفس إيجاب السؤال، لا قبله حتّى لا يناسب السؤال مع وجود الأمارة، فتدبّر.
وبالجملة: فمثل هذه الرواية لا يستفاد منها أماريّة العدم.
ثمّ إنّه على تقدير الاستفادة وثبوت الأماريّة لكلتا اليدين، فالظاهر عدم كون دليلها بنحو يشمل صورة التعارض، بل اللاّزم تخصيص دليل أماريّة يد المسلم بما إذا لم تكن مسبوقة بيد الكافر، وكذا دليل أماريّة يد الكافر بما إذا لم تكن مسبوقة بيد المسلم، كما لا يخفى.
الثامنة: هل المصنوعيّة في أرض الإسلام أمارة على وقوع التذكية مطلقاً ولو مع العلم بكون الصانع غير مسلم، أو أنّه أمارة عليه مع عدم العلم بكفر الصانع، أو أنّه ليس أمارة في عرض يد المسلم، بل هو أمارة على الأمارة،
- (1) جواهر الكلام 8 : 90 ـ 91.
( صفحه 166 )
كسوق المسلمين على ما عرفت(1) من أنّه أمارة على كون البائع مسلماً، وهو أمارة على التذكية؟ وجوه واحتمالات ناشئة من الاحتمالات الجارية في الرواية الواردة في هذا الباب، وهي:
رواية إسحاق بن عمّار المعتبرة، عن العبد الصالح (عليه السلام) أنّه قال: لا بأس بالصلاة في الفرا اليماني، وفيما صنع في أرض الإسلام. قلت: فإن كان فيها غير أهل الإسلام؟ قال: إذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس(2).
والمراد من الجواب يحتمل أن يكون ما حكي عن الشهيد الثاني (قدس سره) (3) من غلبة أفراد المسلمين وأكثريّتهم بالإضافة إلى غير أهل الإسلام، ويحتمل أن يكون غلبة المسلمين على الأرض وحكومتهم وسلطنتهم عليها، كما رجّحه سيّدنا الاُستاذ البروجردي (قدس سره) (4) مستظهراً ذلك من تعدية الغلبة بـ «على».
فعلى الأوّل ـ الذي مرجعه إلى أنّ الأمارة أرض الإسلام; أي ما كان تحت غلبة المسلمين ورئاستهم، بضميمة كون الغلبة العدديّة مع أفراد المسلمين ـ : تكون الأمارة هي يد المسلم، وما ذكر أمارة على الأمارة; لأنّ الأكثريّة طريق إلى استكشاف مجهول الحال، وإلاّ لا يترتّب عليها ثمرة، فعلى ما قاله الشهيد لا تكون أرض الإسلام أمارة في رديف يد المسلم أصلا.
- (1) في ص159.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 368 ح1532، وعنه وسائل الشيعة 3: 491، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات ب50 ح5، وج4: 456، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب55 ح3.
- (3) مسالك الأفهام 1: 285.
- (4) نهاية التقرير 1: 334 ـ 335.
( صفحه 167 )
وعلى الثاني: إن كان المراد هو كون المصنوعيّة في أرض الإسلام أمارة على التذكية ولو مع العلم بكون الصانع غير مسلم، تصير المصنوعيّة أمارة مستقلّة في مقابل يد المسلم، وإن كان المراد هو أنّ المصنوعيّة فيها أمارة على كون الصانع مسلماً; لأنّه يبنى على إسلام من كان مجهول الحال في أرض الإسلام، فيرجع أيضاً إلى اعتبار يد المسلم وكونها أمارة على التذكية، غاية الأمر أنّ الأمارة على الأمارة على هذا، هو مجرّد المصنوعيّة في أرض الإسلام، وعلى ما قاله الشهيد هو ذلك بضميمة كون الغلبة مع أفراد المسلمين، كما لا يخفى.
هذا، والظاهر ما قاله الشهيد; لأنّ الظاهر دلالة الجواب على اعتبار أمر زائد على عنوان أرض الإسلام، وإذا فسّرناه بغيره ينطبق على معنى أرض الإسلام ولا يكون أمراً زائداً عليها; لأنّ معناها كما عرفت هو كون الغلبة والسلطنة عليها للمسلمين، فلا يكون الجواب دالاًّ على أمر آخر بوجه.
وبعبارة اُخرى: الضمير في قوله (عليه السلام) : «إذا كان الغالب عليها» يرجع إلى أرض الإسلام لا مطلق الأرض، ولا معنى لتقييد أرض الإسلام بما يرجع إلى تفسيرها، وحمل الجواب على التوضيح والتفسير مستبعد جدّاً، بل الظاهر كونه ناظراً إلى اعتبار أمر زائد، وهو لا ينطبق إلاّ على تفسير الشهيد، وقد عرفت أنّ مقتضاه أنّه لا أصالة للمصنوعيّة في أرض الإسلام، بل هي بضميمة الغلبة أمارة على كون الصانع مسلماً.
نعم، مقتضى ذلك اعتبار إسلام الصانع من دون فرق بين أن يكون البائع أيضاً مسلماً، وبين أن لا يكون كذلك.
( صفحه 168 )
التاسعة: هل المطروحيّة في أرض الإسلام أمارة على وقوع التذكية على المطروح، أو على الأمارة عليه، أو أنّها لا تكون أمارة أصلا إلاّ إذا كان عليه أثر استعمال المسلم وجريان يده عليه، ومن المعلوم أنّه حينئذ يرجع إلى اعتبار يد المسلم وأماريّتها.
والدليل في هذا البحث رواية السكوني المتقدّمة(1)، عن أبي عبدالله (عليه السلام) : أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) سئل عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة كثير لحمها وخبزها وجبنها وبيضها وفيها سكّين، فقال أمير المؤمنين (عليه السلام) : يقوّم ما فيها ثمّ يؤكل; لأنّه يفسد وليس له بقاء، فإذا جاء طالبها غرموا له الثمن. قيل له: يا أمير المؤمنين (عليه السلام) لا يدرى سفرة مسلم أو سفرة مجوسيّ؟ فقال: هم في سعة حتى يعلموا.
ويجري في معنى الرواية احتمالات:
أحدها: أن تكون الرواية بصدد بيان أصالة الطهارة عند الشكّ في النجاسة، ومنشأ الشكّ عدم العلم بكون السفرة لمسلم أو مجوسيّ من جهة ملاقاة المجوسي. وعليه: فالمراد بقوله (عليه السلام) : «هم في سعة حتّى يعلموا» هو التوسعة من جهة الطهارة إلى حصول العلم بالنجاسة.
ثانيها: أن تكون الرواية بصدد بيان أماريّة المطروحيّة في أرض الإسلام على وقوع التذكية على الحيوان المأخوذ منه اللحم الموجود في السفرة، ومنشأ الشكّ احتمال كونها لمجوسيّ، وهو لا يراعي شرائط التذكية المعتبرة في الإسلام، ولا يجتمع هذا الاحتمال مع ذكر مثل الخبز والبيض في رديف اللحم;
( صفحه 169 )
لعدم الشكّ فيه من هذه الجهة، كما هو ظاهر.
ثالثها: أن تكون الرواية بصدد بيان أنّ الحكم في مورد الشكّ في الحلّية مطلقاً هي الحلّية; وهو الإباحة، ومنشأ الشكّ احتمال عدم رضا المالك بالتصرّف فيها.
والاستدلال بها على الأماريّة متوقّف على كون المراد بها هو الاحتمال الثاني. ومن الواضح: عدم ظهور الرواية فيه لو لم نقل بظهورها في غيره; لما مرّ من عدم ملائمته مع ذكر مثل الخبز والبيض، إلاّ أن يقال بأنّ السؤال الثاني في الرواية لا يرتبط بما هو محطّ النظر في السؤال الأوّل، بل يمكن أن يكون من شخص آخر لا من السائل الأوّل.
وعليه: فيمكن دعوى كون الثاني ناظراً إلى خصوص اللحم من جهة التذكية وعدمها، فالحكم بالتوسعة إلى أن يعلم بكونه من مجوسيّ دليل على أماريّة المطروحيّة في أرض الإسلام.
ولكن هذه الدعوى لا توجب ظهور الرواية فيها; وإن كانت تصلح لأن يجاب بها عن الإشكال الوارد على الاحتمال الثالث; وهو: أنّه يوجب طرح الرواية; إذ لم يذهب أحد إلى الإباحة عند الشكّ فيها من هذه الجهة; فإنّ الإباحة حينئذ إنّما هي لأجل وجود الأمارة لا لمجرّد الشكّ،
كما لا يخفى.
العاشرة: المشهور(1) أنّ يد المسلم أمارة على التذكية مطلقاً، حتّى مع العلم بكونه مستحلاًّ للميتة بالدباغ، وقيل باختصاص الأماريّة بما إذا علم بكونه