( صفحه 326 )
[عدم البأس بمثل افتراش الحرير والركوب عليه]
مسألة 15: الذي يحرم على الرجال خصوص لبس الحرير، فلا بأس بالافتراش والركوب عليه والتدثّر به ـ أي التغطّي به عند النوم ـ ولا بزرّ الثياب وأعلامها، والسفائف والقياطين الموضوعة عليها، كما لا بأس بعصابة الجروح والقروح وحفيظة المسلوس، بل ولا بأس بأن يرقع الثوب به، ولا الكفّ به لو لم يكونا بمقدار يصدق معه لبس الحرير; وإن كان الأحوط في الكفّ
أن لا يزيد على مقدار أربع أصابع مضمومة، بل الأحوط ملاحظة التقدير المزبور في الرقاع أيضاً 1 .
1 ـ أمّا جواز الافتراش وكذا الركوب; فلاختصاص أدلّة المنع باللبس، وهو مغاير لهما، فلا دليل على المنع بالإضافة إليه، مضافاً إلى صحيح علي بن جعفر قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الفراش الحرير ومثله من الديباج والمصلّى الحرير، هل يصلح للرجل النوم عليه والتكأة والصلاة؟ قال: يفترشه ويقوم عليه ولا يسجد عليه(1).
ورواية مسمع بن عبد الملك البصري، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه قال: لا بأس أن يأخذ من ديباج الكعبة فيجعله غلاف مصحف، أو يجعله مصلّى يصلّي عليه(2).
وأمّا التدثّر به، فإن كان المراد به ما في المتن من التغطّي به عند النوم;
- (1) الكافي 6: 477 ح8 ، تهذيب الأحكام 2: 374 قطعة من ح1553، مسائل عليّ بن جعفر: 180 ح342، قرب الإسناد: 185 ح687، وعنها وسائل الشيعة 4: 378، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب15 ح1.
- (2) الفقيه 1: 172 ح809 ، وعنه وسائل الشيعة 4: 378، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب15 ح2.
( صفحه 327 )
فالوجه في جوازه عدم صدق اللبس عليه، وإن كان المراد به التغطّي به في سائر الأحوال من جلوس وقيام ومشي، فالظاهر صدق اللبس عليه، ويكون حينئذ محرّماً، ولعلّ ذلك منشأ اختلافهم في صدق اللبس عليه وعدمه.
وأمّا زرّ الثياب وأعلامها وما عطف عليه; فالوجه في الجواز في الجميع ما ذكر من عدم صدق اللبس عليه. نعم، في خصوص الكفّ حكي المنع عن السيّد في بعض رسائله(1)، والميل إليه عند الأردبيلي وكاشف اللثام(2)، والتردّد فيه عن المدارك والكفاية والمفاتيح(3).
ولعلّ منشؤه موثّقة عمّار بن موسى، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال: وعن الثوب يكون علمه ديباجاً؟ قال: لا يصلّي فيه(4).
وخبر جرّاح المدائني، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه كان يكره أن يلبس القميص المكفوف بالديباج، ويكره لباس الحرير، ولباس الوشي، ويكره الميثرة(5)الحمراء; فإنّها ميثرة إبليس(6).
- (1) حكى عنه في بعض نسخ مدارك الأحكام، فراجع هامش ج3: 181، ومفتاح الكرامة 5: 523 ـ 524، وجواهر الكلام 8 : 213، وقال في الجواهر 8 : 214، لم يثبت النقل عنه.
- (2) مجمع الفائدة والبرهان 2: 85 ، كشف اللثام 3: 221 ـ 223.
- (3) مدارك الأحكام 3: 181، كفاية الفقه، المشتهر بـ «كفاية الأحكام» 1: 81 ، مفاتيح الشرائع 1: 110.
- (4) تهذيب الأحكام 2: 372 ح1548، وعنه وسائل الشيعة 4: 369، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب11 ح8 .
- (5) الميثرة ـ بالكسر غير مهمورة ـ : شيء يُحشى بقطن أو صوف ويجعله الراكب تحته، والجمع مياثر ومواثر، مجمع البحرين 3: 1903.
- (6) تهذيب الأحكام 2: 364 ح1510، الكافي 3: 403 ح27، وج6: 454 ح6، وعنهما وسائل الشيعة 4: 370، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب11 ح9.
( صفحه 328 )
وفي مقابلهما خبر يوسف بن إبراهيم، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لا بأس بالثوب أن يكون سداه وزرّه وعَلَمه حريراً، وإنّما كره الحرير المبهم للرجال(1).
فإنّ إطلاق نفي البأس فيه يشمل الصلاة وغيرها، كما أنّ الملازمة المستفادة من الروايات بين الحكم الوضعي والتكليفي مؤيّدة للإطلاق.
وخبر أبي داود يوسف بن إبراهيم، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال: قلت له: طيلساني هذا خزّ، قال: وما بال الخزّ؟ قلت: وسداه إبريسم، قال: وما بال الإبريسم؟ قال: لا يكره أن يكون سدا الثوب إبريسم ولا زرّه ولا عَلَمه، إنّما يكره المصمت من الإبريسم للرجال، ولا يكره للنساء(2).
ورواية صفوان، عن يوسف تكفي في جبر الضعف بعد النصّ عليه بأنّه لا يروي إلاّ عن ثقة، بل هو من أصحاب الإجماع(3).
والجمع يقتضي حمل النهي على الكراهة، وإن أبيت إلاّ عن اختصاص الموثّقة بالصلاة، فهي مقيّدة للإطلاق في هاتين الروايتين، فنقول:
إنّ إعراض المشهور(4) عن ظاهرها يكفي في وهنها، مضافاً إلى لزوم
- (1) تهذيب الأحكام 2: 208 ح817 ، الاستبصار 1: 386 ح1467، الفقيه 1: 171 ح808 ، وعنها وسائل الشيعة 4: 375، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب13 ح6.
- (2) الكافي 6: 451 ح5، وعنه وسائل الشيعة 4: 379، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب16 ح1.
- (3) اختيار معرفة الرجال، المعروف بـ «رجال الكشّي»: 556، الرقم 1050، العُدّة في اُصول الفقه 1: 154.
- (4) مجمع الفائدة والبرهان 2: 85 ـ 86 ، الحدائق الناضرة 7: 99 ـ 100، وفي مدارك الأحكام 3: 180، أنّ هذا الحكم مقطوع به في كلام المتأخّرين، وفي مفاتيح الشرائع 1: 110 مفتاح 125، جوّزها ـ أي الصلاة ـ في المكفوف به المتأخّرون.
( صفحه 329 )
التفكيك المنافي للملازمة التي أشرنا إليها، كما لا يخفى.
وأمّا ما في المتن من الاحتياط بترك ما زاد على أربع أصابع مضمومة، فالظاهر خلوّ كلام الأكثر عن هذا التقييد، ولا يكون له مستند في رواياتنا. نعم، روى العامّة عن عمر: أنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله) نهى عن الحرير إلاّ في موضع إصبعين، أو ثلاث، أو أربع(1)، والظاهر أنّه لا يجوز الاعتماد عليها; لعدم الجابر لها.
نعم، يمكن أن يقال بأنّ منشأ الاحتياط الاقتصار على القدر المتيقّن في الخروج عن دليل المنع، فتدبّر.
- (1) صحيح مسلم 3: 1307 ح15، سنن أبي داود: 613 ح4042، سنن الترمذي 4: 217 ح725.
( صفحه 330 )
[كون المحرّم هو الحرير الخالص]
مسألة 16: قد عرفت أنّ المحرّم لبس الحرير المحض; أي الخالص الذي لم يمتزج بغيره، فلا بأس بالممتزج، والمدار على صدق مسمّى الامتزاج، الذي يخرج به عن المحوضة ولو كان الخليط بقدر العشر. ويشترط في الخليط من جهة صحّة الصلاة فيه كونه من جنس ما تصحّ الصلاة فيه، فلا يكفي مزجه بصوف أو وبر ما لا يؤكل لحمه وإن كان كافياً في رفع حرمة اللبس. نعم، الثوب المنسوج من الإبريسم المفتول بالذهب يحرم لبسه، كما لا تصحّ الصلاة فيه 1 .
1 ـ قد عرفت(1) أنّ المأخوذ في الروايات المتعرّضة لحكم الحرير ـ تكليفاً أو وضعاً ـ هو الحرير المحض، أو المبهم، أو المصمت، أو شبهها، ومرجع ذلك إلى مدخليّة قيد المحوضة والخلوص في متعلّق الحكم، وقد وقع الإشكال في أنّه هل يخرج بهذا التقييد خصوص ما إذا كان الثوب منسوجاً من الإبريسم مخلوطاً بغيره; كأن يكون سداه منه ولحمته من غيره، أو يخرج بسببه صور اُخرى أيضاً؟
لا إشكال في خروج صورة الامتزاج المذكورة، لكن لابدّ من ملاحظة أنّ المدار على صدق مسمّى الامتزاج ـ ولو كان الخليط بقدر العشر أو أقلّ ـ ما لم يبلغ حدّ الاستهلاك الذي لا يكون ملحوظاً بنظر العرف بوجه، ولا يكون محكوماً عنده إلاّ بالمحوضة والخلوص، أو أنّ المدار على أمر آخر؟
ربما يقال بأنّه يمكن أن يستفاد من بعض الروايات أنّه لابدّ أن يكون سدا الثوب بتمامه أو لحمته بتمامها من غير الحرير: