( صفحه 127 )
بكونه مغصوباً، وبأنّه يحرم التصرّف في العين المغصوبة، وبأنّه لا يجوز الصلاة فيه، فلا إشكال في البطلان حينئذ.
وأمّا لو كان جاهلا بالموضوع، فقد صرّح الأصحاب(1) ـ رضي الله عنهم ـ بصحّة صلاته فيه، وهو مبنيّ على ما حقّق في محلّه(2) من كون مورد مسألة اجتماع الأمر والنهي، ما إذا كان ملاك الحكمين ومناطهما موجوداً في مادّة الاجتماع ومورد التصادق، فيكون من باب التزاحم لا التعارض، الذي مورده ثبوت أحد الملاكين فقط في محلّه; فإنّ لازم التزاحم أنّه لو فرض عدم بلوغ النهي إلى مرتبة الفعليّة والتنجّز; للجهل مثلا، فلا مانع من تأثير الملاك الآخر الموجود في ثبوت مقتضاه.
وعليه: فالمجمع إذا كان عبادة يكون صحيحاً; لوجود الملاك وثبوت الأمر، ولا يكون التكليف التحريمي منجّزاً حتّى يقدم على التكليف الوجوبي، بناءً على الامتناع وتقديم جانب النهي، أو يقال: إنّ ثبوت النهي الفعلي يمنع عن صحّة العبادة بناءً على الاجتماع أيضاً، كما مرّ(3).
وأمّا لو لم يكن الملاكان موجودين، فعدم تنجّز التكليف التحريمي لعدم ثبوت شرائطه لا يقتضي صحّة العبادة; لخلوّها عن الملاك والأمر، فلا مجال للصحّة ولو قيل بكفاية الملاك فيها، كما لا يخفى.
- (1) تذكرة الفقهاء 2: 477، ذكرى الشيعة 3: 49، الدروس الشرعيّة 1: 151، جامع المقاصد 2: 87 ، روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان 2: 548، المقاصد العليّة: 172 و 304، مجمع الفائدة والبرهان 2: 80 ، جواهر الكلام 8 : 247.
- (2) دراسات في الاُصول 2: 25 ـ 28، سيرى كامل در اصول فقه 6: 522 ـ 527.
- (3) في ص120.
( صفحه 128 )
وبالجملة: فالحكم بصحّة صلاة الجاهل إنّما هو لما ذكر من كون مورد تلك المسألة ما إذا كان من باب التزاحم لا التعارض.
وأمّا الناسي للموضوع، فحكمه حكم الجاهل، بل أولى منه;
لاستحالة تعلّق الخطاب بالناسي; لعدم التفاته إلى وصف كونه ناسياً،
وإلاّ يرتفع النسيان منه، بخلاف الجاهل; فإنّه ملتفت إلى وصفه;
ولأجله يمكن توجيه الخطاب إليه، فإذا كان التكليف في حقّ الجاهل غير منجّز، فبالنسبة إلى الناسي يكون غير منجّز بطريق أولى، هذا إذا كان الناسي غير الغاصب.
وأمّا لو كان الناسي هو الغاصب، فقد صرّح بالحكم بالبطلان فيه في جملة من كلمات الأصحاب(1)، والظاهر أنّ المراد هو الغاصب الذي عرض له النسيان من جهة عدم المبالاة بالغصب، وجعله المغصوب في عداد أمواله، واتّفق له النسيان حال الصلاة.
وأمّا لو كان تائباً وعازماً على ردّ المال إلى مالكه، ومتحفّظاً لعدم التصرّف فيه فعرضه الغفلة، فهو خارج عن مورد كلامهم وإن كان بعض ما استدلّ به على البطلان من الوجوه يشمل هذا الفرض أيضاً. وكيف كان، فقد استدلّ للبطلان في الغاصب الناسي بوجوه:
الأوّل: انصراف حديث «الرفع»(2) المشتمل على رفع الخطأ والنسيان عن
- (1) تذكرة الفقهاء 2: 477، نهاية الإحكام في معرفة الأحكام 1: 378، إيضاح الفوائد 1: 84 ، الموجز الحاوي (الرسائل العشر): 69، روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان 2: 548.
- (2) تقدّم في ج1: 406.
( صفحه 129 )
نسيان الغاصب، الناشىء عن عدم المبالاة وترك التحفّظ.
والجواب: منع دعوى الانصراف، خصوصاً مع ملاحظة ما مرّ من أنّ توجّه التكليف إلى الناسي مستحيل; ضرورة أنّه لا فرق في الاستحالة بين الغاصب وغيره، غاية ما في الباب وجوب التحفّظ عليه رعاية لحفظ مال الغير واحترامه. ومن المعلوم أنّ مخالفة هذا التكليف الوجوبي لا تُسوّغ توجّه التكليف التحريمي ـ المتعلّق بالتصرّف في مال الغير ـ في حال النسيان حتّى يمنع عن صحّة العبادة ومقرّبيّتها.
ومن الممكن المنع عن وجوب التحفّظ عليه أيضاً، بدعوى أنّ مفاد حديث «الرفع» رفع إيجاب التحفّظ في مورد النسيان، لا رفع التكليف المنسيء; لأنّ رفعه إنّما هو بحكم العقل، ولا يختصّ حينئذ بالأمّة النبويّة، والتحقيق في محلّه(1).
الثاني: دعوى توجّه التكليف التحريمي بالغاصب بتركه التصرّف في المغصوب في حال تذكّره قبل طروّ النسيان، نظير التكليف بعدم التصرّف في الأرض المغصوبة لمن توسّطها قبل دخوله فيها.
والجواب: ـ مضافاً إلى منع ذلك في المقيس عليه; لأنّ المحرّم فيه إنّما هو التصرّف في مال الغير، وهو ثابت بعد التوسّط والدخول أيضاً; لأنّ عنوان الدخول وكذا الخروج لا دخالة له في متعلّق الحكم التحريمي، بل المتعلّق إنّما هو نفس عنوان التصرّف، ولا يسري الحكم عن هذا العنوان إلى شيء آخر أصلا، وهذا العنوان باق بعد التوسّط والدخول، وثبوت حكم تكليفيّ آخر
- (1) سيرى كامل در اصول فقه 11: 40 وما بعدها.
( صفحه 130 )
متعلّق بعنوان التخلّص عن الحرام على تقديره، لا يقدح في بقاء الحكم الأوّل، كما أنّ تصادقهما على الخروج لا يوجب ارتفاعهما أو ارتفاع واحد منهما أصلا ـ .
المنع في المقيس وبطلان المقايسة; لأنّ منشأ النزاع هناك ثبوت الاضطرار الحاصل للمتوسّط بعد الدخول، وتردّد أمره بين البقاء والخروج، مع كون كلّ منهما تصرّفاً في الأرض، وهنا ليس كذلك; لأنّه لا اضطرار للغاصب بالإضافة إلى الصلاة في الثوب المغصوب، ولم يكن نسيانه سبباً للتصرّف فيه، مع أنّ توجّه التكليف إلى الناسي مستحيل، كما مرّ(1); من دون فرق بين أن يكون غاصباً أو غيره.
ودعوى أنّه لا مانع من حرمة جميع التصرّفات الواقعة في طول الزمان، وتوجّهها إلى الغاصب حين الغصب; من دون فرق في التصرّفات بين ما كان منها مقارنة لحال التذكّر، وما كان مقارنة لحال النسيان.
مدفوعة; بأنّ النسيان من حالات المكلّف، ويستحيل أن يكون المكلّف في هذا الحال مورداً لتوجّه التكليف، ولا فرق في الاستحالة من حيث زمان التكليف وحدوثه أصلا.
الثالث: استصحاب بقاء التكليف الثابت قبل النسيان بعد طروّه، وجوابه واضح، فانقدح أنّه لا فرق في الناسي بين الغاصب وغيره.
وأمّا الجاهل بالحكم التكليفي، فإن كان قاصراً، فالظاهر صحّة صلاته;
( صفحه 131 )
لعدم تنجّز النهي، وفعليّة الحرمة مع هذا الجهل بمقتضى حديث «الرفع» وشبهه، فلا مانع من وقوع العمل عبادة مقرّبة; لما عرفت(1) من أنّه مع عدم فعليّة النهي يؤثّر ملاك الأمر في مقتضاه.
وهذا بخلاف ما إذا كان مقصّراً; فإنّ جهله عن تقصير لا يمنع
عن الفعليّة، ولا يقدح في تأثير ملاك النهي في الحرمة، فالمبغوضيّة
والمبعّديّة متحقّقة، وهي تمنع عن صلاحيّة المقرّبيّة، بل عن تمشيّ قصد القربة من المكلّف.
وأمّا الجاهل بالحكم الوضعي; أعني بطلان الصلاة في الثوب المغصوب، فالمصرّح به في جملة من الفتاوي(2) هو البطلان، وهو الظاهر; لأنّه مع تنجّز الحرمة بالعلم بها وثبوت المبغوضيّة والمبعّديّة، لا يبقى مجال لصحّة العبادة، والجهل بالمانعيّة لا يصحّح العبادة وإن كان حديث «الرفع»(3) لا يختصّ
جريانه بالأحكام التكليفيّة، بل يجري في مثل الجزئيّة والشرطيّة والمانعيّة من الأحكام الوضعيّة، إلاّ أنّه لا يشمل المقام; لظهور أنّ المانعيّة في المقام إنّما هي من الأحكام العقليّة، ولا تكون شرعيّة.
وحديث «الرفع» يجري بالإضافة إلى الموانع الشرعيّة فقط، ومنه يظهر
- (1) في ص127.
- (2) منتهى المطلب 4: 230، تذكرة الفقهاء 2: 477، ذكرى الشيعة 3: 49، الدروس الشرعيّة 1: 151، جامع المقاصد 2: 87 ، روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان 2: 548، المقاصد العليّة: 172، مجمع الفائدة والبرهان 2: 80 ، جواهر الكلام 8 : 248.
- (3) تقدّم في ج1: 406، وهنا في ص128.