( صفحه 347 )
الوسائل روى هذه الرواية بعينها عن ابن مسكان، عن أبي عبدالله (عليه السلام) (1) في أبواب النجاسات.
والظاهر أنّ ابن مسكان لا يمكن له النقل عن أبي جعفر (عليه السلام) بدون الواسطة. وأمّا النقل عن أبي عبدالله (عليه السلام) فقد ذكر في ترجمته أنّه قليل الرواية عنه، وأنّه من أصحاب الكاظم (عليه السلام) ، بل عن يونس أنّه لم يسمع عن أبي عبدالله (عليه السلام) إلاّ حديث: «من أدرك المشعر فقد أدرك الحجّ»(2).
وعليه: فيقوى في النظر أنّه لا يكون هنا إلاّ رواية واحدة مرسلة رواها ابن مسكان، عن أبي عبدالله (عليه السلام) كذلك، ولكن حيث إنّ الراوي عنه هو ابن أبي عمير، الذي اشتهر اعتبار مراسيله(3)، مضافاً إلى كون مضمون الرواية
مفتى به للمشهور(4)، فالظاهر حينئذ اعتبارها وصيرورتها شاهدة للجمع بين الطائفتين، بحمل الاُولى على صورة وجود الناظر، وعدم الأمن من المطّلع، وحمل الثانية على صورة الأمن منه، ولعلّ انحصار هذه الطائفة الثالثة بخصوص المرسلة صار منشأ للأقوال الاُخر، فتدبّر.
وأمّامن الجهة الثانية: وهي الركوعوالسجود،أوالإيماءبدلاعنهما، فالمشهور (5)
- (1) كذا في وسائل الشيعة 2: 68، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات ب46 ح2، طبع مكتبة الإسلاميّة بطهران سنة 1376، ولكن في الطبعة الأخيرة 3: 486، وكلا طبعتي المحاسن رواها عن أبي جعفر (عليه السلام) .
- (2) رجال النجاشي: 214، الرقم 559، اختيار معرفة الرجال، المعروف بـ «رجال الكشّي»: 383، الرقم 716، خلاصة الأقوال: 194، الرقم 607، معجم رجال الحديث 10: 324، الرقم 7161.
- (3) العُدّة في اُصول الفقه 1: 154.
- (4) تقدّم في ص343.
- (5) تقدّم تخريجه في ص343.
( صفحه 348 )
فيها هو الإيماء مطلقاً; سواء صلّى جالساً أو قائماً، واختاره أكثر(1) من اختار تعيّن القيام، أو الجلوس في الجهة الاُولى، وحكي عن بعض القول بوجوب الركوع والسجود مطلقاً(2).
ولكن ابن زهرة ذكر أنّ العريان إذا كان بحيث لا يراه أحد صلّى قائماً وركع وسجد، وإلاّ صلّى جالساً مومئاً، مدّعياً عليه الإجماع(3)، واحتاط في العروة في الصورة الاُولى بتكرار الصلاة، والجمع بين صلاة المختار تارة، ومومئاً للركوع والسجود اُخرى(4).
وقوّى صاحب الجواهر ما اختاره ابن زهرة; نظراً إلى الأصل، وخبر الحفيرة(5)، وموثّقة إسحاق بن عمار قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : قوم قُطع عليهم الطريق واُخذت ثيابهم، فبقوا عراةً وحضرت الصلاة كيف يصنعون؟ فقال (عليه السلام) : يتقدّمهم إمامهم، فيجلس ويجلسون خلفه، فيومىء إيماءً للركوع والسجود، وهم يركعون ويسجدون خلفه على وجوههم(6).
وللإجماع المنقول، ولأنّ الذي يسوّغ له القيام ـ المقتضي لانكشاف قُبُله ـ الأمن من المطّلع، فليقتض أيضاً وجوب الركوع والسجود وإن استلزم أيضاً
- (1) كالصدوق في الفقيه 1: 296، والمقنع: 122، والمفيد في المقنعة: 216، والسيّد في جمل العلم والعمل (رسائل الشريف المرتضى) 3: 49، وابن إدريس في السرائر 1: 260.
- (2) راجع مفتاح الكرامة 6: 56، ورياض المسائل 3: 249، ونهاية التقرير 1: 310، ولم نعثر على القائل به عاجلاً.
- (3) غنية النزوع: 92.
- (4) العروة الوثقى 1: 406 مسألة 1311.
- (5) يأتي في ص352.
- (6) تقدّمت في ص344.
( صفحه 349 )
انكشاف العورة، ولا سيّما وظاهر نصوص التفصيل بين الأمن من المطّلع وغيره جواز كشف العورة من جهة الصلاة، وبذلك يظهر وهن الصحيح والموثّق، لاسيّما وكان الثاني مرويّاً في الكافي «قاعداً» بدل «قائماً» كما عرفت.
والأوّل موهون بعدم العمل بإطلاقه من حيث الأمن من المطّلع وعدمه، وباحتمال إرادة أوّل مراتب الركوع من الإيماء فيه، وبظهوره في لزوم التشهّد
والتسليم قائماً، ولم يعرف دليل عليه ولا مصرّح به، وفي المنع من الإيماء جالساً بدل السجود ولو مع عدم بدو العورة، مع أنّه أقرب إلى هيئة الساجد، ولذا حكى في الذكرى(1) عن السيّد العميدي وجوب الإيماء جالساً(2).
أقول: يظهر ما في هذا المقال من الإشكال من التعرّض لذكر أدلّة المشهور; وهي عبارة عن:
صحيحة علي بن جعفر (عليه السلام) المتقدّمة(3)، الدالّة على أنّه إن لم يصب شيئاً يستر به عورته أومأ وهو قائم. وصحيحة زرارة المتقدّمة(4) أيضاً.
ورواية أبي البختري، عن جعفر بن محمد، عن أبيه (عليهما السلام) أنّه قال: من غرقت ثيابه فلا ينبغي له أن يصلّي حتّى يخاف ذهاب الوقت يبتغي ثياباً، فإن لم يجد صلّى عرياناً جالساً يومىء إيماء، يجعل سجوده أخفض من ركوعه، فإن كانوا جماعة تباعدوا في المجالس، ثمّ صلّوا كذلك فرادى(5).
- (1) ذكرى الشيعة 3: 23.
- (2) جواهر الكلام 8 : 351 ـ 358، وما هنا مأخوذ من مستمسك العروة الوثقى 5: 399.
- (3) في ص345 ـ 346.
- (4) في ص344.
- (5) قرب الإسناد: 142 ح511، وعنه وسائل الشيعة 4: 451، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب52 ح1.
( صفحه 350 )
وموثقة سماعة المتقدّمة(1) التي اختلف نقلها من جهة القيام والقعود.
وبمثلها يرد على صاحب الجواهر بأنّه لا مجال للأصل مع وجود الرواية المصرّحة بالإيماء مع القيام; لأنّ إطلاقات أدلّة الركوع والسجود بالكيفيّة المتعارفة تقيّد بها، وعدم العمل بإطلاقها من جهة الأمن من المطّلع وغيره لا يوجب الوهن فيها بعد كون مقتضى الجمع على ما عرفت(2) هو الحمل على خصوص الصورة المذكورة.
واحتمال كون المراد من الإيماء هو أوّل مراتب الركوع ـ بعد ظهور الرواية في مقابلة الإيماء في الشرطيّة الثانية لإتمام الصلاة بالركوع والسجود الواقع في الشرطيّة الاُولى ـ بعيد جدّاً، خصوصاً مع كون الإيماء بدلا عن السجود أيضاً، ولا مجال لأن يراد به أوّل مراتب الركوع فقط، كما هو ظاهر عبارة الجواهر، وظهورها في لزوم كون التشهّد والتسليم قائماً ممنوع أيضاً; لظهور كون المراد من لزوم القيام هو عدم تبدّل وظيفته من هذه الجهة بسبب كونه عارياً، لا تبدّل وظيفته في الحالتين إلى القيام، كما لا يخفى.
وعلى تقديره لا مانع من الالتزام به بعد دلالة رواية معتبرة عليه، وكون المسوّغ للقيام هو المقتضي لوجوب الركوع والسجود ممنوع أوّلا: بمنع كون القيام مستلزماً لانكشاف القبل بعد احتمال لزوم ستره في هذا الحال باليدين، كما ربما يقال(3)، ويأتي(4) البحث عنه إن شاء الله تعالى، وبمنع المقايسة بين
- (1) في ص345.
- (2) في ص347.
- (3) الفقيه 1: 296 ذ ح1352.
- (4) في ص353 ـ 354.
( صفحه 351 )
القبل الظاهر في حال القيام على فرضه، والدبر الظاهر في حال الركوع والسجود ثانياً; إذ لا ملازمة بين الأمرين.
والحقّ في المقام أن يقال: إنّه لابدّ من ملاحظة الستر الواجب من جهة الحكم التكليفي، والمعتبر من جهة الحكم الوضعي مستقلاًّ، وكذا لابدّ من ملاحظة ستر الدبر وستر القبل كذلك، فنقول:
مقتضى التفصيل الذي ذكره المشهور في الجهة الاُولى(1) ـ وهي القيام والقعود ـ أنّه مع وجود الناظر المحترم الذي تكون وظيفته الجلوس، تقع
المزاحمة بين القيام المعتبر في الصلاة، والستر الواجب النفسي، ويتقدّم الثاني على الأوّل من جهة ستر القبل; لأنّ الدبر مستور في حال القيام أيضاً بأجزاء البدن، فالمزاحمة بين ستر القبل والقيام، والشارع حكم بتقدّم الأوّل على الثاني، ومع عدم وجود الناظر المحترم يتقدّم القيام على ستر القبل، الذي هو حكم وضعيّ; لعدم ثبوت الحكم التكليفي في هذه الصورة.
وأمّا ستر الدبر، فالمستفاد من صحيحة علي بن جعفر المتقدّمة(2) الدالّة على وجوب الإيماء، وكذا غيرها من أدلّة الإيماء، هو المزاحمة بينه، وبين الركوع والسجود، وتقدّم الأوّل على الثاني، من دون فرق بين صورة ثبوت التكليف النفسي وعدمه; لأنّه مع وجوب الإيماء مطلقاً يكون طرف المزاحمة هو الستر الصلوتي في خصوص الدبر; لأنّه يظهر بسبب الركوع والسجود.
ولا يعارضها في ذلك إلاّ خبر حفيرة; وهي مرسلة أيّوب بن نوح، عن
- (1) تقدّم في ص343.
- (2) في ص345 ـ 346.