( صفحه 196 )
[في
اللباس المشكوك
]
نعم، لو شكّ في اللباس أو فيما عليه في أنّه من المأكول أو غيره، أو من الحيوان أو غيره، صحّت الصلاة فيه، بخلاف ما لو شكّ فيما تحلّه الحياة من الحيوان أنّه مذكّى أو ميتة; فإنّه لا يصلّى فيه حتّى يُحرز التذكية. نعم، ما يؤخذ من يد المسلم، أو سوق المسلمين مع عدم العلم بسبق يد الكافر عليه، أو مع سبق يده مع احتمال أنّ المسلم الذي بيده تفحّص عن حاله بشرط معاملته معه معاملة المذكّى، على الأحوط محكوم بالتذكية، فتجوز الصلاة فيه 1 .
1 ـ أقول: تقدّم(1) البحث في مشكوك التذكية في ذيل البحث عن اعتبارها، وكذا تقدّم(2) الكلام في اعتبار يد المسلم وسوق المسلمين هناك، فالمهمّ الآن هو البحث عن المشكوك في أنّه من غير المأكول، الذي اشتهر التعبير عنه باللباس المشكوك، وقد صار معركة للبحث والنظر، واُلّف فيه الرسائل والكتب; لشدّة الابتلاء به من جهة تداول الألبسة المصنوعة في
البلاد غير الإسلاميّة، المحمولة منها إلى البلاد الإسلاميّة، فاللاّزم هو البحث فيه تفصيلاً، اقتداءً بهم واقتفاءً لأثرهم، ولاشتماله على المباحث العلميّة المتكثّرة، فنقول وعلى الله الاتكال:
ينبغي قبل بيان الأدلّة والنظر فيها تقديم اُمور:
الأوّل: أنّه لم يرد في هذه المسألة نصّ بالخصوص عن الأئـمّة (عليهم السلام) ، وفتاوى الأصحاب ليس على نحو يكشف عن وجوده; لأنّ أكثر المتقدّمين
- (1) في ص150 ـ 156.
- (2) في ص156 ـ 174.
( صفحه 197 )
لم يتعرّضوا لها في كتبهم على الظاهر، وعلى تقدير التعرّض فقد ذكرت في الكتب الموضوعة لإيراد المسائل التفريعيّة، لا الكتب المعدّة لنقل فتاويهم (عليهم السلام) بعين الألفاظ الصادرة عنهم، حتّى يكون ذكرها فيها كاشفاً عن وجود النصّ، كما هو الشأن في المسائل المذكورة فيها.
ويؤيّد ما ذكر أنّه لم يتخيّل أحد من أصحاب الأقوال وجود النصّ فيها حتّى يجعله دليلاً لمذهبه، أو يردّ به دليل خصمه، فالمستند في المسألة إنّما هو الاُصول والقواعد الشرعيّة.
الثاني: أنّه لا اختصاص لمورد النزاع بما يشكّ كونه من أجزاء الحيوان المأكول، أو من أجزاء غيره، بل يعمّ ما إذا احتمل كونه من غير أجزاء الحيوان، بل من القطن والكتان; لأنّ ما هو محطّ البحث إنّما هو احتمال كونه من أجزاء غير المأكول، وسيأتي في نقل الأقوال قول بالتفصيل بين الفرضين.
الثالث: الظاهر أنّه لا اختصاص لمورد البحث أيضاً بما إذا شكّ في ثبوت هذا المانع، بل يعمّ ما إذا شكّ في ثبوت سائر الموانع، ككونه حريراً محضاً للرجال، أو ذهباً خالصاً لهم، أو غيرهما من الموانع. نعم، في خصوص الميتة والشكّ فيها حكم تقدّم تفصيله(1).
الرابع: أنّ المراد من جواز الصلاة في اللباس المشكوك وعدمه هو الجواز الذي يكون حكماً ظاهريّاً ثابتاً في مورد الشبهة، والشكّ في الحكم الواقعي، كما في سائر الشبهات الموضوعيّة التي تكون أحكامها الواقعيّة الثابتة لموضوعاتها متيقّنة غير مشكوكة، فالبحث في المقام إنّما هو بعد الفراغ عن
( صفحه 198 )
ثبوت المانعيّة لأجزاء غير المأكول واقعاً وإن لم يعلم بكونها أجزاءً له.
فالاستدلال للجواز بعدم دلالة أدلّة المانعيّة على ثبوتها في صورة الشكّ ـ لظهورها أو انصرافها إلى خصوص صورة العلم، بحيث كان العلم بالموضوع دخيلاً في ثبوت الحكم الواقعي ـ خارج عمّا هو محطّ البحث، فالمراد من الحكم في المقام هو الحكم الظاهريّ الثابت في موارد الشبهة، بحيث لو قلنا بالجواز ثمّ انكشف الخلاف لكان الإجزاء وعدمه مبتنياً على مسألة اقتضاء الأمر الظاهري للإجزاء، كما لا يخفى.
وأيضاً المراد بالجواز في المقام هو الجواز بالمعنى الوضعيّ المساوق للصحّة والاكتفاء به في مقام الامتثال، لا الجواز بمعنى الحلّية في مقابل الحرمة، كما أنّ المراد بعدم الجواز هو عدمه بالمعنى المساوق للبطلان، وعدم الاكتفاء به في مقام الامتثال.
الخامس: المشهور بين الأصحاب(1) إلى زمان المقدّس الورع الأردبيلي (قدس سره) هو البطلان، وأوّل من تأمّل فيه المقدّس المذكور في شرح الإرشاد(2)، وتبعه
على ذلك تلميذه السيّد صاحب المدارك(3)، وقد اختار الصحّة المحقّق القمّي، والفاضل النراقي، وشيخنا البهائي، والمحدِّث المجلسي، والمحقّق الخوانساري،
- (1) الرسالة الفشاركيّة: 386، رسالة الصلاة في المشكوك للمحقّق النائيني: 7، مستمسك العروة الوثقى 5: 326 ـ 327، المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 12: 202 ـ 203، وفي مدارك الأحكام 4: 214، أنّه مقطوع به عند الأصحاب، ويلاحظ مفتاح الكرامة 5: 489 ـ 490، وجواهر الكلام 8 : 130 ـ 131.
- (2) مجمع الفائدة والبرهان 2: 95 ـ 96.
- (3) مدارك الأحكام 3: 167، وج4: 214.
( صفحه 199 )
والفاضل السبزواري، إلى أن انتهى الأمر إلى السيّد المجدّد الشيرازي (قدس سره) (1)، فاختار الصحّة في أواخر عمره، وشيّد أركانها وانقلبت الشهرة(2) إليها.
وفصّل في الجواهر بين اللباس، وبين ماعليه من الفضلات والشعرات الملقاة والمحمول، فحكم بالمنع في الأوّل دون الثاني، بعد كون مختاره بالنظر إلى الحكم الواقعي هو عموم المنع، وعدم الاختصاص باللباس، واختاره في نجاة العباد أيضاً(3).
وهنا تفصيل آخر محكيّ عن جماعة من المتأخّرين عنه(4); وهو المنع فيما إذا كان من أجزاء الحيوان وتردّد بين المأكول وغيره، والجواز فيما إذا احتمل كونه من غير أجزاء الحيوان أيضاً، كما إذا احتمل كونه من القطن والكتّان، وقد أشرنا إلى هذا التفصيل في الأمر الثاني، فالأقوال في المسألة أربعة على ما عرفت.
إذا عرفت ما ذكرنا فاعلم أنّه يظهر من صاحب الجواهر (قدس سره) ابتناء القول بالجواز في المسألة على مانعيّة غير المأكول، والقول بالعدم على شرطيّة المأكول، والأصل في هذا الأمر ما ذكره العلاّمة في محكّي المنتهى من أنّه
- (1) جامع الشتات 2: 776 س22 (ط.ق)، معتمد الشيعة: 123، مستند الشيعة 4: 315 ـ 317، الحبل المتين 2: 195، بحار الأنوار 83 : 221 ـ 222، الحواشي على شرح اللمعة الدمشقيّة: 187 س21، ذخيرة المعاد: 234 س20، الحاشية على نجاة العباد في يوم المعاد: 80 س17 طبع 1313، وراجع تقريرات المجدّد الشيرازي 4: 101 ـ 102، وحكى عن المجدّد الشيرازي في رسالة الصلاة في المشكوك للمحقّق النائيني: 7.
- (2) كما في رسالة الصلاة في المشكوك، للمحقّق النائيني: 7، ومستمسك العروة الوثقى 5: 326 ـ 327.
- (3) جواهر الكلام 8 : 130 ـ 136، نجاة العباد: 91.
- (4) حكى عنهم في رسالة الصلاة في المشكوك، للمحقّق النائيني: 8 .
( صفحه 200 )
لو شكّ في كون الصوف أو الشعر أو الوبر من مأكول اللحم لم تجز الصلاة فيه; لأنّها مشروطة بستر العورة بما يؤكل لحمه، والشكّ في الشرط يقتضي الشكّ في المشروط(1).
وقد أورد عليه صاحب المدارك بما حاصله: أنّ المستفاد من الأدلّة هو مانعيّة غير المأكول، لا شرطيّة المأكول(2).
وأجاب عن هذا الإيراد الوحيد البهبهاني (قدس سره) في حاشية المدارك بما يرجع إلى أنّه لا فرق بين الشرطيّة والمانعيّة في المقام من جهة اقتضاء البطلان; لأنّه كما أنّ وجود الأوّل يحتاج إلى الإحراز، فكذا عدم الثاني; لأنّه مع الشكّ فيه لا يتحقّق القطع بالفراغ بعد القطع بالاشتغال(3).
وأورد على هذا الجواب صاحب الجواهر (قدس سره) بأنّ عدم المانع يمكن إحرازه بالأصل ولو لم يكن له حالة سابقة، والظاهر أنّ مراده أنّ أصالة العدم أصل عقلائيّ مستقلّ في مقابل الاستصحاب، ولا يحتاج إلى حالة سابقة متيقّنة.
ثمّ اختار نفسه أنّ المستفاد من الأدلّة ثبوت كلا الأمرين في المقام: المانعيّة والشرطيّة معاً، غاية الأمر اختصاص الشرطيّة بخصوص اللباس، وعموميّة دائرة المانعيّة لما على اللباس والمحمول أيضاً، فاللباس محلّ اجتماع الشرطيّة والمانعيّة معاً، ولذا اختار فيه عدم الجواز في صورة الشكّ. وأمّا غيره، فحكم فيه بالجواز لثبوت المانعيّة فقط، وعدم المانع محرز بالأصل(4).
- (1) منتهى المطلب 4: 236.
- (2) مدارك الأحكام 3: 167، وج4: 214.
- (3) الحاشية على مدارك الأحكام 2: 353، وج3: 277، وكذا في مصابيح الظلام 6: 289 ـ 291.
- (4) جواهر الكلام 8 : 132 ـ 136.