( صفحه 456 )
مسألة 12: إن كانت الأرض والوحل بحيث لو جلس للسجود والتشهّد يتلطّخ بدنه وثيابه، ولم يكن له مكان آخر، يصلّي قائماً مومئاً للسجود والتشهّد على الأحوط الأقوى 1 .
1 ـ في هذه المسألة أقوال ثلاثة:
أحدها: ما في المتن وفاقاً لجماعة كثيرة من تبدّل الجلوس في هذه الصورة إلى القيام، والسجود إلى الإيماء(1).
ثانيها: ما حكي عن جامع المقاصد والمسالك والمدارك وكشف اللثام من وجوب الانحناء إلى أن تصل الجبهة إلى الوحل(2).
ثالثها: ما حكي من تبدّل السجود إلى الإيماء، وبقاء الجلوس بحاله(3)، فيجلس للإيماء وللتشهّد.
ومستند الأوّل موثقة عمّار بن موسى، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يصيبه المطر وهو في موضع لا يقدر أن يسجد فيه من الطين، ولا يجد موضعاً جافّاً؟ قال: يفتتح الصلاة، فإذا ركع فليركع كما يركع إذا صلّى، فإذا رفع رأسه من الركوع فليومئ بالسجود إيماءً وهو قائم، يفعل ذلك حتّى يفرغ من الصلاة، ويتشهّد وهو قائم، ويسلِّم(4).
- (1) شرائع الإسلام 1: 73، قواعد الأحكام 1: 263، الدروس الشرعيّة 1: 158، الموجز الحاوي (الرسائل العشر): 70، جواهر الكلام 8 : 708 ـ 709.
- (2) جامع المقاصد 2: 162، مسالك الأفهام 1: 178، مدارك الأحكام 3: 248 ـ 249، كشف اللثام 3: 344 ـ 345.
- (3) جامع المقاصد 2: 162، حاشية شرائع الإسلام، المطبوع ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره 10: 140 ـ 141، مدارك الأحكام 3: 249.
- (4) تهذيب الأحكام 3:175ح390، وعنهوسائل الشيعة 5: 142، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّيب15ح4.
( صفحه 457 )
وصحيحة هشام بن الحكم، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، المرويّة في آخر السرائر، وهي مثلها، وزيد فيها: قال: وسألته عن الرجل يصلّي على الثلج؟ قال: لا، فإن لم يقدر على الأرض بسط ثوبه، وصلّى عليه(1).
والظاهر أنّ المراد من عدم القدرة في الروايتين هو عدم القدرة من جهة تلطّخ بدنه وثيابه بالطين; لأنّ العناوين المأخوذة في الروايات ـ سؤالا وجواباً ـ تحمل على العرفيّ منها، مضافاً إلى أنّ قوله: «من الطين»، وقوله: «لا يجد موضعاً جافّاً» يؤيّد كون المراد من عدم القدرة ما ذكرنا، لا عدم القدرة عقلا، كما لا يخفى.
فالموضوع للحكم بالبدليّة، وانتقال السجود إلى الإيماء، والجلوس إلى القيام هو التلطّخ المذكور; من دون فرق بين ثبوت الحرج عليه وعدمه، وحيث إنّ الخبرين واجدين لوصف الاعتبار، فلا وجه للرجوع معهما إلى قاعدة الميسور، التي هي مستند القول الثاني، خصوصاً مع أنّه لا دليل عليها ظاهر غير الإجماع الذي هو مفقود في المقام.
كما أنّه لا وجه للقول الثالث; فإنّه طرح للخبرين من وجه، وحملهما على صورة تعذّر الجلوس خلاف الظاهر، كما عرفت.
- (1) مستطرفات السرائر: 96 ح13، تهذيب الأحكام 2: 312 ح1266، وعنهما وسائل الشيعة 5: 142، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب15 ح5، وص164 ب28 ح2، وفي بحار الأنوار 84 : 101 ح1، عن مستطرفات السرائر.
( صفحه 458 )
مسألة 13: إن لم يكن عنده ما يصحّ السجود عليه، أو كان ولم يتمكّن من السجود عليه لعذر ـ من تقيّة ونحوها ـ سجد على ثوب القطن أو الكتّان، ومع فقده سجد على ثوبه من غير جنسهما، ومع فقده سجد على ظهر كفّه، وإن لم يتمكّن فعلى المعادن 1 .
1 ـ الكلام في هذه المسألة يقع في مقامين:
المقام الأوّل: في أنّه هل جعل الشارع بدلا لما يصحّ السجود عليه في حال الضرورة أو التقيّة، أو حكم بسقوطه لا إلى بدل؟ فعلى الثاني: يتخيّر المكلّف بالتخيير العقلي بين السجود على الثوب، أو ظهر الكفّ، أو المعدن، أو غيرها; من غير فرق بينها أصلا، وعلى الأوّل: لابدّ من ملاحظة ذلك البدل المجعول وأنّه ما هو، فنقول:
ربما يقال بأنّ الذي ذكره غير واحد مرسلين له إرسال المسلّمات ـ من دون تعرّض لخلاف فيه ـ هو ثبوت البدل الشرعيّ الاضطراري(1)، ولكنّه ربما يناقش فيه بعدم ثبوت الإجماع في المقام بعد عدم كون المسألة معنونة في كتب الفقهاء(2). والظاهر أنّه لا أصالة له وإن فرض تحقّقه بعد وجود الروايات الكثيرة في الباب، التي هي المستند لهم لا محالة، فالعمدة ملاحظتها، فنقول:
ما يستفاد منه البدليّة كذلك كثير:
- (1) النهاية: 102، شرائع الإسلام 1: 73، نهاية الإحكام في معرفة الأحكام 1: 361 و 364، البيان: 134، جواهر الكلام 8 : 725 ـ 726، مستمسك العروة الوثقى 5: 505.
- (2) كتاب الصلاة، تقريرات بحث المحقّق النائيني للآملي 1: 369 ذيل الصفحة.
( صفحه 459 )
منها: رواية أبي بصير، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: أكون في السفر فتحضر الصلاة وأخاف الرمضاء على وجهي، كيف أصنع؟ قال: تسجد على بعض ثوبك، فقلت: ليس عليّ ثوب يمكنني أن أسجد على طرفه ولا ذيله، قال: اُسجد على ظهر كفّك فإنّها أحد المساجد(1).
فإنّ الحكم بالسجود على بعض الثوب ظاهر في ثبوت الخصوصيّة له، وأنّه البدل الشرعي عمّا يصحّ السجود عليه.
ودعوى(2) أنّ ذكره إنّما هو من جهة كون الثوب مانعاً عن حرارة الرمضاء، وفي الحقيقة يكون ذكره من باب المثال، مدفوعة جدّاً بما ذكر من ظهور الجواب في ثبوت الخصوصيّة للثوب، ويدلّ عليه السؤال الثاني الظاهر في فرض عدم الثوب; فإنّه لو لم يكن السائل قد فهم من الجواب الأوّل ثبوت الخصوصيّة لما كان لسؤاله الثاني وجه، فنفس السؤال الثاني قرينة على الخصوصيّة، خصوصاً مع كون الجواب فيه مشتملا على السجود على شيء آخر، كما لا يخفى.
وأمّا تعليل الحكم بالسجود على ظهر الكفّ بأنّها إحدى المساجد، فقد وقع في هذه الرواية، وفي رواية اُخرى لأبي بصير ـ التي يحتمل قويّاً اتّحادها مع هذه الرواية ـ قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : جعلت فداك الرجل يكون في السفر فيقطع عليه الطريق، فيبقى عرياناً في سراويل ولا يجد
- (1) تهذيب الأحكام 2: 306 ح1240، الاستبصار 1: 333 ح1249، وعنهما وسائل الشيعة 5: 351، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه ب4 ح5.
- (2) كتاب الصلاة، تقريرات بحث المحقّق النائيني للآملي 1: 367.
( صفحه 460 )
ما يسجد عليه يخاف إن سجد على الرمضاء أحرقت وجهه؟ قال: يسجد على ظهر كفّه فإنّها أحد المساجد(1).
والظاهر أنّ المراد به ما عن الوافي(2) من أنّ مرجعه إلى أقربيّة ظهر الكفّ لأن يسجد عليه; لكون الكفّ إحدى المواضع السبعة عند السجود، فإذا سجد عليه فكأنّه سجد على الأرض بتوسّطه.
وأمّا استظهار أنّ التعليل إنّما جيء به لدفع توهّم عدم جواز السجود عليه بالخصوص في حال الاضطرار، لمكان كونه من أجزاء بدن المصلّي، فأراد دفع هذا التوهّم بأنّ الكفّ إحدى المساجد، فلا مانع من السجود عليها في هذا الحال(3).
فيدفعه ظهور الحكم المعلّل في تعيّن السجود على ظهر الكفّ. وبعبارة اُخرى: الظاهر رجوع التعليل إلى لزوم السجود عليه لا جوازه دفعاً للتوهّم المذكور. وكيف كان، فظاهر ذيل الرواية أيضاً ثبوت البدليّة لظهر الكفّ مع عدم الثوب.
وأمّا ما يقال من أنّ الأمر بالسجود على ظهر الكفّ في مفروض السائل غير دالّ على البدليّة رأساً; لعدم وجود ما يسجد عليه أصلا مع فرضه الخوف على وجهه من الرمضاء، فيدور الأمر حينئذ بين ترك السجدة والاكتفاء بالإيماء لها، وبين السجود على الرمضاء واحتراق وجهه، وبين
- (1) علل الشرائع: 340 ح1، وعنه وسائل الشيعة 5: 351، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه ب4 ح6.
- (2) الوافي 8 : 740 ذ ح7006.
- (3) كتاب الصلاة، تقريرات بحث المحقّق النائينى للآملي 1: 369.