( صفحه 385 )
[المراد بالمكان الذي تبطل الصلاة بغصبه]
مسألة 7: المراد بالمكان الذي تبطل الصلاة بغصبه ما استقرّ عليه المصلّي ولو بوسائط على إشكال فيه، وما شغله من الفضاء في قيامه وركوعه وسجوده ونحوها، فقد يجتمعان، كالصلاة في الأرض المغصوبة، وقد يفترقان، كالجناح المباح الخارج إلى فضاء غير مباح، وكالفرش المغصوب المطروح على أرض غير مغصوبة 1 .
1 ـ المكان تارة: يستعمل في مقام اعتبار الطهارة، واُخرى: في مقام اعتبار الإباحة، كما أنّه ربما يستعمل في مسألة اشتراط عدم تقدّم المرأة على الرجل في الصلاة وعدم محاذاتها له، وفي مسألة اشتراط عدم التقدّم على قبر المعصوم (عليه السلام) ، أو مساواته له.
أمّا ما يستعمل في مقام اعتبار الطهارة، فالمراد به إمّا خصوص موضع الجبهة، أو مطلق محلّ قرار المصلّي، وهو سطحه الظاهر، كما أنّه سيأتي(1)المراد بالأخيرين.
وأمّا ما يستعمل في مقام اعتبار الإباحة، الذي هو محلّ البحث في المقام، فالمراد به كما عن جامع المقاصد الفراغ الذي يشغله بدن المصلّي، أو يستقرّ عليه ولو بوسائط(2).
وعن الإيضاح أنّه في نظر الفقهاء ما يستقرّ عليه المصلّي ولو بوسائط، وما يلاقي بدنه وثوبه، وما يتخلّل بين مواضع الملاقاة من موضع الصلاة،
- (1) في ص389 ـ 429.
- (2) جامع المقاصد 2: 114.
( صفحه 386 )
كما يلاقي مساجده ويحاذي بطنه وصدره(1).
وقد اُورد على كلّ من التعريفين ببعض الإيرادات(2)، ولكنّ التحقيق أنّ لفظ «المكان» لم يقع في لسان دليل معتبر، بل هو مذكور في معقد الإجماع على اشتراط الإباحة الذي قد عرفت(3) أنّه هو الدليل على الاشتراط، لا الدليل العقلي من ناحية اجتماع الأمر والنهي.
وعليه: فاللاّزم ملاحظة أنّ مراد المجمعين منه ماذا؟ والظاهر بلحاظ وقوع الاستناد إلى الدليل العقلي المذكور في كلمات جماعة منهم، أنّ مرادهم ما يكون التصرّف فيه متّحداً مع الصلاة ولو بلحاظ بعض أجزائها.
وعليه: فلا إشكال في البطلان فيما إذا كان ما استقرّ عليه المصلّي غصباً. نعم، إذا كان هناك وسائط، فالظاهر أنّ الموارد مختلفة، فتارة: يتحقّق التصرّف مع وجودها، كما إذا صلّى على فرش مغصوب مع الاستقرار عليه بواسطة فرش أو فرشين أو أكثر; فإنّه هناك يتحقّق صدق التصرّف في المغصوب والاستقرار عليه.
واُخرى: لا يصدق، كما إذا صلّى على سقف مباح معتمد على جدار مغصوبة; فإنّه في مثله لا يتحقّق عنوان التصرّف في المغضوب; فإنّ التصرّف في السقف غير التصرّف في الجدار وإن كان لا يثبت بدونه، وكما إذا كان في ذيل الجدار بعض الأجزاء المغصوب; فإنّ الصلاة فوق الجدار لا يكون
- (1) ايضاح الفوائد 1: 86 .
- (2) جامع المقاصد 3: 115، مدارك الأحكام 3: 215.
- (3) ص358 ـ 361.
( صفحه 387 )
تصرّفاً في ذلك البعض عرفاً، هذا بالنسبة إلى الاستقرار.
وأمّا بالإضافة إلى الفراغ والفضاء الذي يشغله المصلّي في قيامه وركوعه وسجوده ونحوها، فالبحث فيها يتوقّف على تحقّق عنوان الغصب فيه، وهو يتوقّف على ثبوت الملكيّة بالنسبة إليه، وقد ذكر فيه أقوال ثلاثة:
الأوّل: أنّ كلّ من يملك أرضاً فهو مالك لفضائها إلى عنان السماء، ولقرارها إلى تخوم الأرضين، كما هو الحال في الكعبة المشرّفة التي يعتبر استقبالها في الصلاة، التي قد ورد في شأنها أنّها قبلة من تخوم الأرض إلى عنان السماء(1).
الثاني: أنّه مالك لمقدار من الفراغ الذي يتوقّف عليه تصرّفاته في أرضه بعين ملكيّته للأرض، ولمقدار آخر منه بتبعيّة الأرض بمنزلة الحريم لها.
الثالث: القول الثاني مع الافتراق في القول بأولويّة مالك الأرض بالإضافة إلى المقدار التابع، لا الملكيّة.
والظاهر أنّه لا دليل على القول الأوّل، ولا يساعده العقلاء بوجه. وأمّا الأخيران، فالتحقيق في تعيين ما هو الحقّ منهما موكول إلى محلّه(2)، ولكنّه لا يترتّب عليه ثمرة مهمّة في المقام; لأنّه كما لا يجوز التصرّف في ملك الغير، كذلك لا يجوز التصرّف في متعلّق حقّ الغير إلاّ مع إذنه.
ثمّ إنّ الصلاة تحت السقف المغصوب لا تكون تصرّفاً في المغصوب بوجه، بل إنّما هو انتفاع به في بعض الموارد، ولا دليل على حرمة مجرّد الانتفاع من
- (1) هذا اصطياد من الروايات، مثل ما وردت في وسائل الشيعة 4: 339، كتاب الصلاة، أبواب القبلة ب18.
- (2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب إحياء الموات: 206.
( صفحه 388 )
دون تصرّف، كما تقدّم(1) في مثل الاصطلاء بنار الغير، والاستضاءة بنوره، والنظر إلى بستانه أو عمارته، ولا وجه لما هو المحكيّ عن ظاهر الجواهر من حرمة الانتفاع بمال الغير، كحرمة التصرّف فيه، وإن حكم بصحّة الصلاة في الفرض المزبور; نظراً إلى عدم اتّحاد الانتفاع بمال الغير مع الأجزاء الصلاتيّة، بخلاف التصرّف فيه، قال: للفرق الواضح بين الانتفاع حال الصلاة، وبين كون الصلاة نفسها تصرّفاً منهيّاً عنه، والمتحقّق في الفرض الأوّل; إذ الأكوان من الحركات والسكنات في الفضاء المحلّل، ويقارنها الانتفاع حالها بالمحرّم، وهو أمر خارج عن تلك الأكوان، لا أنّها أفراده; ضرورة عدم حلول الانتفاع فيها حلول الكلّي في أفراده، كما هو واضح بأدنى تأمّل(2).
والظاهر أنّ عدم حرمة الانتفاع من دون التصرّف كاد أن يكون من ضروريّات الفقه والعقلاء(3)، فلا يبقى مجال لما أفاده (قدس سره) ، كما أنّك عرفت(4) أنّ الدليل على البطلان في أصل المسألة ليس هو اتّحاد التصرّف مع الأجزاء الصلاتيّة، بل الدليل هو الإجماع، وإلاّ فالقاعدة لا تقتضي البطلان.
- (1) في ص370.
- (2) جواهر الكلام 8 : 483.
- (3) مستمسك العروة الوثقى 5: 425.
- (4) في ص358 ـ 361.
( صفحه 389 )
صلاة كلّ من الرجل والمرأة مع المحاذاة، أو تقدّم المرأة
مسألة 8 : الأقوى صحّة صلاة كلّ من الرجل والمرأة مع المحاذاة، أو تقدّم المرأة، لكن على كراهية بالنسبة إليهما مع تقارنهما في الشروع، وبالنسبة إلى المتأخّر مع اختلافهما، لكنّ الأحوط ترك ذلك. ولا فرق فيه بين المحارم وغيرهم، ولا بين كونهما بالغين أو غير بالغين أو مختلفين، بل يعمّ الحكم الزوج والزوجة أيضاً، وترتفع الكراهة بوجود الحائل، وبالبعد بينهما عشرة أذرع بذراع اليد، والأحوط في الحائل كونه بحيث يمنع المشاهدة، كما أنّ الأحوط في التأخّر كون مسجدها وراء موقفه، وإن لا تبعد كفاية مطلقهما 1 .
1 ـ المشهور(1) بين المتقدّمين من الأصحاب بطلان صلاة كلّ من الرجل والمرأة مع المحاذاة أو تقدّم المرأة; وإن كانوا بين من يكون البطلان ظاهر تعبيره; لتعبيره بعدم الجواز الظاهر فيه(2)، وبين من يكون البطلان صريح كلامه; لتصريحه(3) به، ولكنّ الشهرة(4) انقلبت بين المتأخّرين إلى الكراهة، ومنشأ الخلاف اختلاف الأخبار الكثيرة الواردة في الباب، واللاّزم ملاحظتها، فنقول:
- (1) حكاه عن تخليص التلخيص والشيخ نجيب الدين في مفتاح الكرامة 6: 148 ـ 149، الحدائق الناضرة 7: 177، جواهر الكلام 8 : 503، مستمسك العروة الوثقى 5: 468، المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 13: 105.
- (2) الكافي في الفقه: 120، غنية النزوع: 82 ، المهذّب 1: 98.
- (3) المقنعة: 152، النهاية: 100 ـ 101، الوسيلة: 89 ، تلخيص المرام: 22.
- (4) الحدائق الناضرة 7: 177، مستمسك العروة الوثقى 5: 473، مستند العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 13: 108.