( صفحه 162 )
الدالّة على أنّ النهي عن السؤال عنه; فإنّ المراد من النهي هو عدم الوجوب; لأنّه في مقام توهّمه، فالمراد عدم وجوب السؤال، ومن الواضح: أنّ المراد من السؤال هو السؤال الذي يتعقّبه الجواب بوقوع التذكية، فمرجع ذلك إلى عدم اعتبار الإخبار بوقوعها في جواز الأكل من اللحوم.
وكذا يدلّ على عدم اعتبار السؤال صحيحتا البزنطي، ورواية إسماعيل بن عيسى المتقدّمة، فلابدّ من حمل هذه الرواية على الاستحباب.
الخامسة: الظاهر أنّ يد المسلم التي تكون أمارة على التذكية تكون أخصّ من اليد التي تكون أمارة على الملكيّة، لا من جهة اعتبار إسلام ذي اليد هنا دونه، بل من جهة أنّه لا يعتبر في الأماريّة هناك سوى أصل ثبوت اليد، وكون المال تحت استيلاء ذي اليد وسلطته، ولا يلزم أن يتصرّف فيه تصرّفاً متوقّفاً على الملكيّة.
وأمّا في المقام، فيعتبر في اليد التي تكون أمارة على التذكية التصرّف المتوقّف عليها; وذلك لأنّ مورد أخبار الاشتراء من السوق وجود هذا التصرّف; لأنّ نفس المعرضيّة للبيع كاشفة عن التذكية; لعدم صدورها من المسلم بالإضافة إلى الميتة.
وكذلك رواية إسماعيل ظاهرة في تعليق الجواز على رؤية الصلاة فيه، فمجرّد كونه تحت يد المسلم، أو استعماله في شيء ما ـ ولو لم يكن مقتضى الدواعي النوعيّة طهارته، مثل أن يتّخذ ظرفاً للنجاسة ـ لا دليل على أماريّته على وقوع التذكية عليه.
السادسة: أنّ يد المسلم هل هي أمارة على التذكية مطلقاً حتّى فيما لو علم
( صفحه 163 )
بمسبوقيّتها بيد الكافر، بل وبعدم فحص المسلم لكونه ممّن لا يبالي بكونه من ميتة أو مذكّى، أو يكون أمارة فيما لم يكن كذلك; سواء علم بالمسبوقيّة بيد مسلم آخر، أم لم تعلم الحالة السابقة؟ وجهان بل قولان، اختار المحقّق النائيني (قدس سره) وجماعة الثاني(1); نظراً إلى منع الإطلاق في دليل الاعتبار، لا من جهة اللفظ، ولا من ناحية ترك الاستفصال.
أمّا الأوّل: فلكونها قضايا خارجيّة وردت في محلّ الحاجة، وهي الجواب عمّا وقع عنه السؤال من الأيدي والأسواق الخارجيّة في تلك الأزمنة، وليست من قبيل القضايا الحقيقيّة التي حكم فيها بالأفراد مطلقاً ولو كانت مقدّرة الوجود غير محقّقة. ومن المعلوم أنّ مثل ذلك لا إطلاق لها، ولذا لا تكون متعارفة في العلوم، ولا يكون شأن العلوم هو البحث عنها; لكونها في قوّة الجزئيّة وإن كانت مسوّرة بكلمة «كلّ»، مثل كلّ من في البلد مات.
وأمّا الثاني: فلأنّ منشأ الشكّ في كون المأخوذ مذكّى هو غلبة العامّة على أسواق المسلمين، لا كون أيديهم مسبوقة بأيدي الكفّار; إذ لم يكن جلب الجلود من بلاد الشرك معمولا في ذلك الزمان، وإنّما هو أمر حدث في هذه الأعصار، فهذه الجهة مغفول عنها بالكلّية عند أذهان السائلين، وفي مثله
لا مجال لترك الاستفصال وجعله دليلا على الإطلاق; لظهور الحال.
ويمكن الإيراد عليه ـ مضافاً إلى منع كون أدلّة اعتبار السوق بأجمعها قضايا خارجيّة; فإنّ مثل حكم الإمام (عليه السلام) في رواية الفضلاء
- (1) كتاب الصلاة، تقريرات بحث المحقّق النائيني للآملي 1: 128، العروة الوثقى 1: 399 مسألة 1278، المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 12: 16.
( صفحه 164 )
المتقدّمة(1) بجواز الأكل إذا كان ذلك في سوق المسلمين، قضيّة حقيقيّة يكون موضوعها سوق المسلم أعمّ من الأفراد المحقّقة والمقدّرة، ولذا لا نحتاج في التمسّك به إلى دليل الاشتراك من ضرورة أو إجماع ـ بأنّه لو سلّم كون ذلك على نحو القضايا الخارجيّة نقول:
منشأ الشكّ في كون المأخوذ مذكّى لا ينحصر بغلبة العامّة على
أسواق المسلمين، بل كما اعترف به قبل ذلك ربما كان المنشأ اختلاط
أهل الذمّة بالمسلمين; من اليهود والنصارى وغيرهما، المقيمين
في البلاد الإسلاميّة.
ومن الواضح: أنّ هذه الجهة لا تكون بمثابة موجبة للغفلة عنها، خصوصاً مع التصريح في رواية إسماعيل المتقدّمة(2) بأنّه «إذا رأيتم المشركين يبيعون...»، حيث فرض كون البائع مشركاً، بل لو بني على كفر الخوارج والنواصب والغلاة يتحقّق منشأ آخر; لتداول ذبحهم للحيوانات وأكلهم لها
وبيع جلودها، فاحتمال سبق يد الكافر على يد المسلم من الاحتمالات العقلائيّة غير المغفول عنها في مورد الروايات. وعليه: فلا مانع من استكشاف الإطلاق من جهة ترك الاستفصال، فتدبّر.
السابعة: أنّه كما تكون يد المسلم أمارة على التذكية، فهل تكون يد الكافر أمارة تعبّديّة شرعيّة على عدم التذكية، أو أنّ عدم اعتبارها لأجل عدم وجود الأمارة على التذكية، لا ثبوت الأمارة على عدمها؟ وجهان بل قولان
( صفحه 165 )
أيضاً، استظهر في الجواهر الأوّل(1)، وجعل الحكم بطهارة ما في يد المسلم المسبوقة بيد الكافر من باب تقديم إحدى الأمارتين على الاُخرى; لأقوائيّتها، أو أقوائيّة دليلها.
ولكنّ الظاهر هو الثاني; لأنّ العمدة في هذه الجهة هو قوله (عليه السلام) في رواية إسماعيل المتقدّمة: «عليكم أنتم أن تسألوا عنه إذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك»، ولا دلالة له على ذلك; لأنّ إيجاب السؤال والفحص لا يلازم مع كونه أمارة على العدم، بل يجتمع مع عدم الأماريّة، بل ربما يقال: ظاهر الأمر بالسؤال هو عدم كونها أمارة على شيء; لأنّ السؤال يناسب الجهل وعدم الأمارة، ولكنّه مردود بأنّ أماريّة العدم على تقديرها تكون مجعولة بنفس إيجاب السؤال، لا قبله حتّى لا يناسب السؤال مع وجود الأمارة، فتدبّر.
وبالجملة: فمثل هذه الرواية لا يستفاد منها أماريّة العدم.
ثمّ إنّه على تقدير الاستفادة وثبوت الأماريّة لكلتا اليدين، فالظاهر عدم كون دليلها بنحو يشمل صورة التعارض، بل اللاّزم تخصيص دليل أماريّة يد المسلم بما إذا لم تكن مسبوقة بيد الكافر، وكذا دليل أماريّة يد الكافر بما إذا لم تكن مسبوقة بيد المسلم، كما لا يخفى.
الثامنة: هل المصنوعيّة في أرض الإسلام أمارة على وقوع التذكية مطلقاً ولو مع العلم بكون الصانع غير مسلم، أو أنّه أمارة عليه مع عدم العلم بكفر الصانع، أو أنّه ليس أمارة في عرض يد المسلم، بل هو أمارة على الأمارة،
- (1) جواهر الكلام 8 : 90 ـ 91.
( صفحه 166 )
كسوق المسلمين على ما عرفت(1) من أنّه أمارة على كون البائع مسلماً، وهو أمارة على التذكية؟ وجوه واحتمالات ناشئة من الاحتمالات الجارية في الرواية الواردة في هذا الباب، وهي:
رواية إسحاق بن عمّار المعتبرة، عن العبد الصالح (عليه السلام) أنّه قال: لا بأس بالصلاة في الفرا اليماني، وفيما صنع في أرض الإسلام. قلت: فإن كان فيها غير أهل الإسلام؟ قال: إذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس(2).
والمراد من الجواب يحتمل أن يكون ما حكي عن الشهيد الثاني (قدس سره) (3) من غلبة أفراد المسلمين وأكثريّتهم بالإضافة إلى غير أهل الإسلام، ويحتمل أن يكون غلبة المسلمين على الأرض وحكومتهم وسلطنتهم عليها، كما رجّحه سيّدنا الاُستاذ البروجردي (قدس سره) (4) مستظهراً ذلك من تعدية الغلبة بـ «على».
فعلى الأوّل ـ الذي مرجعه إلى أنّ الأمارة أرض الإسلام; أي ما كان تحت غلبة المسلمين ورئاستهم، بضميمة كون الغلبة العدديّة مع أفراد المسلمين ـ : تكون الأمارة هي يد المسلم، وما ذكر أمارة على الأمارة; لأنّ الأكثريّة طريق إلى استكشاف مجهول الحال، وإلاّ لا يترتّب عليها ثمرة، فعلى ما قاله الشهيد لا تكون أرض الإسلام أمارة في رديف يد المسلم أصلا.
- (1) في ص159.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 368 ح1532، وعنه وسائل الشيعة 3: 491، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات ب50 ح5، وج4: 456، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب55 ح3.
- (3) مسالك الأفهام 1: 285.
- (4) نهاية التقرير 1: 334 ـ 335.