( صفحه 311 )
النصوص، حيث إنّ المسألة مبتنية عندهم على أنّ النهي عن لبس الحرير هل يستلزم بطلان الصلاة الواقعة فيه، أم لا؟
وأمّا الأخبار الواردة من طرقنا، الدالّة على البطلان فكثيرة:
كرواية إسماعيل بن سعد الأحوص في حديث قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) هل يصلّي الرجل في ثوب إبريسم؟ فقال: لا(1).
ورواية أبي الحارث قال: سألت الرضا (عليه السلام) هل يصلّي الرجل في ثوب إبريسم؟ قال: لا(2).
ويحتمل اتّحاد الروايتين وأن يكون أبو الحارث كنية إسماعيل بن سعد الأحوص، ودلالتهما على البطلان واضحة; لظهور كون محطّ السؤال إنّما هو الحكم الوضعي، والجواب منطبق عليه، فاحتمال كون المراد هي الحرمة التكليفيّة منتف.
ومكاتبة محمد بن عبد الجبّار قال: كتبت إلى أبي محمّد (عليه السلام) أسأله هل يصلّى في قلنسوة حرير محض، أو قلنسوة ديباج؟ فكتب (عليه السلام) : لا تحلّ الصلاة في حرير محض(3).
والظاهر أنّ المراد من الحلّية المنفيّة هي الحلّية الغيريّة، الراجعة إلى الصحّة التي هي حكم وضعيّ، والاقتصار في الجواب على بيان حكم الحرير المحض
- (1) الكافي 3: 400 ح12، تهذيب الأحكام 2: 205 ح801 ، وص207 ح813 ، الاستبصار 1: 385 ح1463، وعنها وسائل الشيعة 4: 368، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب11 ح1.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 208 ح814 ، الاستبصار 1: 386 ح1464، وعنهما وسائل الشيعة 4: 369، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب11 ح7.
- (3) تقدّمت في ص186.
( صفحه 312 )
ـ مع كون السؤال إنّما هو عنه وعن الديباج ـ هل يظهر منه أنّ الديباج لا يكون مقابلا للحرير بل قسم منه، أو يظهر منه انتفاء وصف المحوضة في الديباج، كما يدلّ عليه تفسيره بثوب يكون خصوص سداه أو لحمته من إبريسم، أو لا يظهر منه شيء؟ وجوه واحتمالات. وغير ذلك من الروايات(1)الظاهرة في البطلان.
لكن في مقابلها صحيحة محمد بن إسماعيل بن بزيع قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الصلاة في ثوب ديباج؟ فقال: ما لم يكن فيه التماثيل فلا بأس(2).
وقد حمل على حال الضرورة أو الحرب(3)، ولكنّه بعيد; لعدم الفرق حينئذ بين ما إذا كان فيه التماثيل، وما إذا لم يكن، والمحتمل حمله على التقيّة، وعلى تقدير خلافه فاللاّزم الطرح، إمّا لأجل الإعراض، وإمّا لأجل ثبوت الترجيح مع الروايات المتقدّمة بعد المعارضة; لموافقتها للشهرة الفتوائيّة.
ثمّ إنّ الأكثر(4) ذهبوا إلى اختصاص الحكم في هذا المقام أيضاً بالرجال، وأنّه يجوز للنساء الصلاة في الحرير، لكنّ الصدوق في محكيّ الفقيه ذهب
- (1) وسائل الشيعة 4: 367 ـ 371، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب11.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 208 ح815 ، الاستبصار 1: 386 ح1465، وعنهما وسائل الشيعة 4: 370، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب11 ح10.
- (3) راجع التهذيب والاستبصار في التعليقة السابقة.
- (4) ذكرى الشيعة 3: 43، التنقيح الرائع 1: 180، المهذّب البارع 1: 323، المقتصر: 71، جامع المقاصد 2: 84 ، روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان 2: 556، مدارك الأحكام 3: 176، ذخيرة المعاد: 228 س18، كشف اللثام 3: 218 ـ 219، الحاشية على مدارك الأحكام 2: 362، مفتاح الكرامة 5: 513 ـ 515.
( صفحه 313 )
إلى المنع، حيث قال: قد وردت الأخبار بجواز لبس النساء الحرير، ولم ترد بجواز صلاتهنّ فيه(1). وعن مجمع البرهان أنّه أولى(2). وعن البهائي أنّه أوجه(3)، وعن جماعة التوقّف(4).
واللاّزم للقائل بالمنع إقامة الدليل عليه، ولا يكفي مجرّد عدم ورود الرواية الدالّة على الجواز، كما يستفاد من عبارة الصدوق، وما يمكن الاستدلال به عليه من الروايات عمدته إطلاق مكاتبة ابن عبد الجبّار المتقدّمة، المشتملة على قوله (عليه السلام) : «لا تحلّ الصلاة في حرير محض»، ومكاتبته الاُخرى(5) بهذه العبارة، ويحتمل قويّاً أن تكونا رواية واحدة، ومجرّد ذكر القلنسوة
في السؤال مع كونها من ألبسة الرجال لا يوجب تقييد دائرة إطلاق الجواب مع كونه بصدد إفادة قاعدة كلّية، ولذا لا تختصّ بالقلنسوة، بل تشمل سائر ألبسة الرجال.
وأمّا صحيحة إسماعيل بن سعد الأحوص، فلا دلالة فيها على اختصاص الحكم بالرجال; لأنّ تخصيص السؤال به يحتمل أن يكون لأجل كونه محلّ نظره ومورد ابتلائه، كما أنّه يحتمل أن يكون من باب المثال، بحيث كان السؤال عامّاً، وكما أنّه يحتمل أن يكون لأجل كون حكم المرأة مفروغاً عنه عند السائل، ولا محالة يكون ذلك الحكم هو الجواز لا العدم، ولا مرجّح
- (1) الفقيه 1: 171 ذ ح807 .
- (2) مجمع الفائدة والبرهان 2: 84 .
- (3) حبل المتين 2: 210، وفيه: «فالأولى اجتناب النساء للحرير حال الصلاة».
- (4) كما في مستمسك العروة الوثقى 5: 370، ومنهم العلاّمة في منتهى المطلب 4: 224.
- (5) تقدّمت في ص181.
( صفحه 314 )
للاحتمال الثالث على أحد الأوّلين، فالرواية لا يستفاد منها حكم المرأة بوجه.
كما أنّ خبر زرارة المتقدّم في المقام الأوّل، الظاهر في التسوية
بين الرجال والنساء، لا تعرّض فيه لهذا المقام، بل هو ظاهر في حكم المقام الأوّل، وقد عرفت(1) أنّ مقتضى الجمع حملها على ما ينافي التسوية في ذلك المقام أيضاً.
وكذلك رواية جابر الجعفي قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: ليس على النساء أذان ـ إلى أن قال ـ : ويجوز للمرأة لبس الديباج والحرير في غير صلاة وإحرام، وحرّم ذلك على الرجال إلاّ في الجهاد، ويجوز أن تتختّم بالذهب وتصلّي فيه، وحرّم ذلك على الرجال إلاّ في الجهاد(2). لا تصلح للاستناد إليها; فإنّها وإن كانت ظاهرة في المنع، إلاّ أنّها ضعيفة السند.
فالعمدة هو إطلاق المكاتبة، ويؤيّده ما في التوقيع المروي عن صاحب الزمان (عليه السلام) من قوله: لا تجوز الصلاة إلاّ في ثوب سداه أو لحمته قطن أو كتّان(3).
وقد ذكر المحقّق النائيني (قدس سره) أنّ هذا الإطلاق معارض بإطلاق ما يدلّ على جواز لبسهنّ للحرير الشامل لحال الصلاة; فإنّ مقتضى هذا الإطلاق جواز صلاتهنّ فيه، وإلاّ كان على المتكلّم استثناء حال الصلاة، وبعد التعارض يكون الترجيح مع إطلاقات الجواز; لإعراض القدماء عن العمل بالمطلق
- (1) في ص310.
- (2) الخصال: 588 ح12، وعنه وسائل الشيعة 4: 380، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب16 ح6.
- (3) الاحتجاج 2: 589، وعنه وسائل الشيعة 4: 375، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب13 ح8 .
( صفحه 315 )
الدالّ على المنع(1).
وربما يقال ـ بعد فرض المعارضة ـ : إنّ الترجيح مع إطلاقات الجواز; لفهم الأصحاب، ومع فرض التساوي فالحكم التساقط والرجوع إلى أصالة عدم المانعيّة(2).
والظاهر أنّه لا معارضة بين الإطلاقين أصلا; ضرورة أنّ الإطلاق المتعرّض للحكم الوضعيّ الغيري لا ينافي الإطلاق المتعرّض للحكم النفسي بوجه; فإنّ بطلان الصلاة وعدمه لا يرتبط بالجواز التكليفي، فلا معارضة بين الإطلاقين.
وبعبارة اُخرى: شمول إطلاق الجواز لحال الصلاة مرجعه إلى ثبوت الجواز الذي هو الحكم التكليفي، ومتعلّقه اللبس. ومن الواضح: أنّه لا منافاة بين هذا الجواز، وبين المنع الراجع إلى بطلان الصلاة فيه.
نعم، في مقابل إطلاق المنع روايتان:
إحداهما: مرسلة ابن بكير، عن أبي عبدالله (عليه السلام) المتقدّمة(3) قال: النساء يلبسن الحرير والديباج إلاّ في الإحرام; فإنّ استثناء الإحرام يدلّ على عدم اختصاص الحكم في المستثنى منه بخصوص الحكم التكليفي، بل أعمّ منه ومن الحكم الوضعي، فمقتضى الرواية حينئذ بطلان صلاتهنّ في الحرير.
- (1) كتاب الصلاة، تقريرات بحث المحقّق النائيني للآملي 1: 281.
- (2) كما في مستمسك العروة الوثقى 5: 371، والمستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئى 12: 352.
- (3) في ص309.