( صفحه 78 )
لذكره(1)، بل في الأوّل ربما ظهر منها ـ يعني من عبارات أكثر الأصحاب ـ أنّه غير واجب.
والدليل على خلافه ـ مضافاً إلى روايات(2) المقنعة والخمار، الظاهرة في وجوب ستر الشعر أيضاً، خصوصاً مع التصريح بالكثافة في رواية محمد بن مسلم ـ رواية زرارة المتقدّمة(3)، الدالّة على لزوم نشر الملحفة على الرأس والتجلّل بها، بل يمكن أن يقال: إنّ ستر الرأس نوعاً إنّما هو بلحاظ ستر شعره، وإلاّ فبشرته مستورة بالشعر كذلك، وقد عرفت أنّ رواية ابن بكير مهجورة أو محمولة، ويؤيّد ما ذكرنا الرواية الحاكية لصلاة المرضيّة(4) سلام الله عليها، الدالّة على أنّها كانت تواري شعرها واُذنيها، فتدبّر.
ثمّ إنّه لا يشترط في صحّة صلاة الأمة ستر الرأس والشعر والعنق إجماعاً محصّلا ومنقولا، مستفيضاً عنّا وعن غيرنا من علماء الإسلام عدا الحسن البصري(5)، فأوجبه على الأمة إذا تزوّجت أو اتّخذها لنفسه، وفي الجواهر: قد سبقه الإجماع ولحقه(6).
- (1) مدارك الأحكام 3: 189، بحار الأنوار 83 : 180.
- (2) وسائل الشيعة 4: 405 ـ 408، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب28.
- (3) في ص67.
- (4) تقدّمت في ص66.
- (5) المغني لابن قدامة 1: 639 ـ 640، الشرح الكبير 1: 457، المجموع 3: 170 ـ 172، الخلاف 1: 396 مسألة 145، المعتبر 2: 103، منتهى المطلب 4: 274، تذكرة الفقهاء 2: 448، ذكرى الشيعة 3: 9، جامع المقاصد 2: 98، روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان 2: 582، مفتاح الكرامة 6: 32 ـ 33، جواهر الكلام 8 : 367 ـ 368.
- (6) جواهر الكلام 8 : 368.
( صفحه 79 )
ويدلّ عليه الروايات الكثيرة التي منها صحيحة محمد بن مسلم في حديث قال: قلت: الأمَة تغطيّ رأسها إذا صلّت؟ فقال: ليس على الأمة قناع(1).
وعن الروض احتمال عدم دخول الرقبة في الرأس، ووجوب سترها(2). ويدفعه ما يدلّ على أنّه لا بأس أن تصلّي في قميص واحد:
كصحيحة علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال: سألته عن الأمة هل يصلح لها أن تصلّي في قميص واحد؟ قال: لا بأس(3).
والصبّية مثل الأمَة فيما ذكر; للشهرة المحقّقة بل الإجماع(4)، حتّى بناءً على كون عباداتها شرعيّة(5)، وتشير إليه الروايات الدالّة على اعتبار الحيض في اعتبار الخمار.
مثل ما رواه الصدوق، عن يونس بن يعقوب أنّه سأل أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يصلّي في ثوب واحد؟ قال: نعم. قال: قلت: فالمرأة؟ قال: لا، ولا يصلح للحرّة إذا حاضت إلاّ الخمار، إلاّ أن لا تجده(6). بناءً على كون المراد من الحيض هو البلوغ.
كما يدلّ عليه تعليق وجوب الصيام عليه أيضاً في رواية أبي بصير، عن
- (1) الكافي 3: 394 ح2، تهذيب الأحكام 2: 217 ح855 ، وعنهما وسائل الشيعة 4: 409، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب29 ح1.
- (2) روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان 2: 583.
- (3) قرب الإسناد: 224 ح876 ، وعنه وسائل الشيعة 4: 412، كتاب الصلاة، أبواب المصلّي ب29 ح10.
- (4) المعتبر 2: 103، منتهى المطلب 4: 274، ذكرى الشيعة 3: 9، روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان 2: 582، كشف اللثام 3: 238 ـ 239.
- (5) كما قال به المؤلّف (قدس سره) في القواعد الفقهيّة 1: 355 ـ 370.
( صفحه 80 )
أبي عبدالله (عليه السلام) قال: وعلى الجارية إذا حاضت الصيام والخمار، الحديث(1).
ودعوى قصور أدلّة الشرطيّة عن الشمول للصغيرة; لأنّ موضوعها المرأة، وهي غير شاملة لها(2).
مدفوعة بعدم استفادة العرف منها الخصوصيّة للبالغة، ولذا لو لم تكن مثل هذه الروايات لكنّا نحكم بأنّه يشترط في صحّة صلاتها الثوبان أيضاً، كما لا يخفى.
هذا تمام الكلام فيما يتعلّق بأصل اعتبار الستر في الصلاة.
ثمّ إنّه ذكر في المتن اعتبار الستر في توابع الصلاة أيضاً كالركعة الاحتياطيّة، وقضاء الأجزاء المنسيّة، بل وسجدتي السهو على الأحوط، والوجه في الأوّل واضح; لأنّ الركعة الاحتياطيّة ـ مضافاً إلى كونها صلاة مستقلّة واجبة ـ تكون متمّمة للصلاة على تقدير وقوع النقص فيها، فلابدّ من أن تكون واجدة لجميع الخصوصيّات المعتبرة فيها.
وهكذا الوجه في الثاني; فإنّ القضاء لابدّ وأن يكون عين المقضي إلاّ في خصوصيّة المحلّ، فإذا كان الستر شرطاً في سجود الصلاة مثلا، كان شرطاً في قضائه أيضاً.
وأمّا سجود السهو، فيأتي الكلام فيه في مبحثه إن شاء الله تعالى.
ولا فرق في وجوب الستر وشرطيّته بين أنواع الصلوات الواجبة
- (1) تهذيب الأحكام 4: 281 ح851 ، وعنه وسائل الشيعة 4: 409، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب29 ح3.
- (2) كما في كشف اللثام 3: 239.
( صفحه 81 )
والمستحبّة بلا خلاف ظاهر، بل حكي عليه الإجماع(1)، ويقتضيه إطلاق الأدلّة; لعدم اشتمالها على قرينة التقييد بالواجبة. نعم، الظاهر عدم الاعتبار في صلاة الجنازة(2); لعدم كونها صلاة حقيقة، ولم يثبت شمول الأدلّة لها وإن كان هو الأحوط فيها أيضاً.
وأمّا الطواف، ففي المتن: أنّه لا يترك الاحتياط فيه، وعن جماعة منهم السيّد (قدس سره) في العروة الفتوى باعتبار الستر فيه أيضاً كالصلاة(3)، واستندوا إلى النبويّ: لا يطوف بالبيت عريان(4)، وعن كشف اللثام: أنّ الخبر يقرب من التواتر من طريقنا وطريق العامّة(5).
وفي الجواهر: قد يمنع دلالة ذلك على اعتبار الستر فيه للرجل والمرأة على حسب اعتباره في الصلاة; ضرورة أعمّية النهي عن العراء منه... اللهمّ إلاّ أن يكون المراد من العراء ستر العورة; للإجماع في الظاهر على صحّة طواف
- (1) مستند الشيعة 4: 238، مستمسك العروة الوثقى 5: 268، المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 12: 117.
- (2) نهاية الإحكام في معرفة الأحكام 1: 372، تذكرة الفقهاء 2: 462، مجمع الفائدة والبرهان 2: 444، مدارك الأحكام 3: 197، ذخيرة المعاد: 236 س25، كشف اللثام 3: 251.
- (3) الخلاف 2: 322، غنية النزوع: 172، تذكرة الفقهاء 8 : 85 ، منتهى المطلب 10: 316، العروة الوثقى 1: 394 مسألة 1262.
- (4) تفسير فرات: 162 قطعة من ح207، وسائل الشيعة 13: 400 ـ 402، كتاب الحجّ، أبواب الطواف ب53، المسند لابن حنبل 1: 18 ح4، صحيح البخاري 1: 112 ح369 وج5: 134 ح4363، صحيح مسلم 2: 801 ح1347، سنن أبي داود: 301 ح1946، سنن الترمذي 5: 276 ذ ح3100، سنن النسائي 5: 234، السنن الكبرى للبيهقي 7: 192 ح9389.
- (5) كشف اللثام 5: 408.
( صفحه 82 )
الرجل عارياً مع ستر العورة(1).
أقول: ويمكن الاستدلال على ذلك بما ورد من أنّ الطواف بالبيت صلاة(2)، كما استدلّ به أيضاً(3) على اعتبار إزالة النجاسة عن الثوب والبدن في الطواف.
وعن المختلف: للمانع أن يمنع ذلك، وهذه الرواية غير مسندة من طرقنا، فلا حجّة فيها(4).
وقد أجبنا عن ذلك(5) هناك بأنّ الظاهر أنّ هذه الرواية النبويّة لا دلالة لها على كون التنزيل بلحاظ الأحكام المترتّبة على الصلاة بأجمعها، أو الظاهرة منها، بل الظاهر أنّ المراد منه هو التشبيه في الفضيلة والثواب; نظراً إلى أنّه حيث يكون المغروس في أذهان المتشرّعة أنّ تحيّة المسجد عبارة عن الصلاة فيه، فالنبويّ مسوق لبيان أنّ مسجد الحرام له خصوصيّة; وهي: أنّ الطواف بالبيت مثل الصلاة فيه في الفضيلة ورعاية التحيّة، فتدبّر.
- (1) جواهر الكلام 19: 278 (ط.ق).
- (2) سنن الدارمي 2: 32 ح1848، سنن النسائي 5: 222، سنن الترمذي 3: 293 ح961، المعجم الكبير للطبراني 11: 29 ح10955، السنن الكبرى للبيهقي 7: 190 ـ 193 ح9384 ـ 9385، 9387 و 9388، المستدرك على الصحيحين 1: 630 ح1686، وج2: 293 و 294 ح3056 و 3058، عوالي اللئالي 1: 214 ح70، وج2: 167 ح3، وعنه مستدرك الوسائل 9: 410، كتاب الحجّ، أبواب الطواف ب38 ح11203.
- (3) منتهى المطلب 10: 315، تذكرة الفقهاء 8 : 85 ، مسألة 451، مدارك الأحكام 8 : 116، كشف اللثام 5: 407 ـ 408.
- (4) مختلف الشيعة 4: 215.
- (5) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الطهارة، النجاسات وأحكامها: 280، أوّل «القول في أحكام النجاسات» قوله (قدس سره) : وأمّا الطواف.