( صفحه 64 )
«أوصفّ»(1)، ومعناه: الصفاء والصافي. وعليه: يكون عبارة اُخرى عن «الشفّ» وتفنّناً في العبارة.
وقال في الحدائق: إنّ في نسخ التهذيب يكون بواو واحد، كما أنّ الكتب التي يروي عن التهذيب يكون هكذا(2).
وأمّا قوله (عليه السلام) : «يعني الثوب المصقّل»، فالظاهر أنّه من الراوي; لأنّ الكليني(3) أيضاً يرويها بهذه العبارة، مع أنّه ليس من دأبه في الكافي تفسير الروايات أصلا. وعليه: فلا مجال لاحتمال كونه من الشيخ، بل هو من الراوي، والظاهر أنّه تفسير للجملتين لا خصوص الجملة الأخيرة، وهو أيضاً يؤيّد كون الجملتين بمعنى واحد، فلابدّ من أن تكون الجملة الأخيرة مع واو واحدة.
كلّ ذلك مع أنّ الرواية ضعيفة سنداً; لأنّ فيه السيّاري الذي هو جعّال كذّاب، كما في الكتب الرجاليّة(4)، مضافاً إلى كونها مرفوعة، فلا مجال للاستدلال بها أصلا.
المقام الثاني: فيما يتعلّق بالنساء، والأقوال فيه كثيرة، فالمشهور أنّ الواجب عليهنّ ستر جميع البدن إلاّ الوجه والكفّين والقدمين(5)، وعن
- (1) الناقل هو الشهيد في الذكرى.
- (2) الحدائق الناضرة 7: 27.
- (3) الكافي 3: 402 ح24، تهذيب الأحكام 2: 214 ح838 ، بإسناده عن محمّد بن يعقوب، وعنهما وسائل الشيعة 4: 388، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب21 ح3.
- (4) رجال النجاشي: 80 ، الرقم 192، الفهرست للشيخ الطوسي: 66، الرقم 70، جامع الرواة 1: 67.
- (5) ذكرى الشيعة 3: 8 ، جامع المقاصد 2: 96، روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان 2: 582، مسالك الأفهام 1: 166، بحار الأنوار 83 : 179، الحدائق الناضرة 7: 7، مصابيح الظلام 6: 151، مفتاح الكرامة 6: 21 ـ 22.
( صفحه 65 )
الشيخ (قدس سره) استثناء الوجه فقط(1)، وعن جماعة عدم استثناء شيء من المذكورات، وهم بين قائل بوجوب ستر البدن جميعاً(2)، وبين قائل بوجوب ستر الجميع إلاّ موضع السجود كابن حمزة(3)، وبين قائل باستثناء بعض الوجه(4)، وفي قبال هذه الأقوال قول ابن الجنيد(5) بعدم الفرق بين الرجال والنساء في الستر الشرطي; بمعنى أنّه لا يجب عليهنّ شرطاً إلاّ ستر العورتين فقط.
وأمّا الأدلّة، فقد ادّعى بعض(6) أنّ جسد المرأة عورة، ومن المعلوم وجوب ستر العورة في الصلاة.
وفيه: منع الصغرى والكبرى. أمّا الصغرى; فلعدم الدليل عليها، وقد عرفت(7) أنّ ادّعاء الاتّفاق عليها من الفاضل المقداد يكون فاقداً للاعتبار. وأمّا الروايات(8) الظاهرة في أنّ النساء عيّ، عورة، فليست بمعتبرة من حيث السند، وعلى تقديره فليس تطبيق العورة عليهنّ تطبيقاً حقيقيّاً، بل الظاهر منها أنّ النساء بمنزلة العورة، والمتفاهم منه عرفاً أنّها بمنزلة العورة في وجوب التحفّظ عن النظر إليها، ولو سلّم أنّ التطبيق حقيقيّ
- (1) الاقتصاد: 396.
- (2) الكافي في الفقه: 139، غنية النزوع: 65.
- (3) الوسيلة: 89 .
- (4) إشارة السبق: 83 ، وفيه: وكذا أطراف يديها وقدميها.
- (5) حكى عنه في مختلف الشيعة 2: 114 مسألة 55، وذكرى الشيعة 3: 9.
- (6) كما تقدّم آنفاً عن الاقتصاد والغنية والوسيلة وإشارة السبق.
- (7) في ص50.
- (8) تقدّمت في ص40 ـ 41.
( صفحه 66 )
فالكبرى ممنوعة; لعدم الدليل على وجوب ستر العورة كلّها في الصلاة، فهذا الدليل مردود.
وأمّا الروايات، فلابدّ من ملاحظتها، فنقول:
منها: رواية الفضيل، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: صلّت فاطمة (عليها السلام) في درع وخمارها على رأسها، ليس عليها أكثر ممّا وارت به شعرها واُذنيها(1).
ولم يعلم أنّ الدرع الذي عبّر عنه في بعض الروايات(2) الاُخر بالقميص، هل كان ساتراً للكفّين والقدمين، أم لا، فلا يصحّ الاستدلال بها لحكمهما نفياً أو إثباتاً.
نعم، يمكن الاستدلال بها لحكم الوجه، وأنّه لا يجب ستره; لعدم كون الخمار ساتراً له، كما أنّه من الواضح عدم كون الدرع ساتراً له بوجه.
ومنها: رواية عليّ بن جعفر أنّه سأل أخاه موسى بن جعفر (عليهما السلام) عن المرأة ليس لها إلاّ ملحفة واحدة كيف تصلّي؟ قال: تلتّف فيها وتغطّي رأسها وتصلّي، فإن خرجت رجلها وليس تقدر على غير ذلك فلا بأس(3).
ومنها: رواية محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: المرأة تصلّي في الدرع والمقنعة إذا كان كثيفاً، يعني ستيراً(4).
ومنها: رواية معلّى بن خنيس، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن المرأة
- (1) الفقيه 1: 167 ح785، وعنه وسائل الشيعة 4: 405، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب28 ح1.
- (2) قرب الإسناد: 224 ح876 ، وعنه وسائل الشيعة 4: 412، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب29 ح10.
- (3) الفقيه 1: 244 ح1083، مسائل عليّ بن جعفر: 172 ح299، وعنهما وسائل الشيعة 4: 405، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب28 ح2.
- (4) الفقيه 1: 243 ح1081، وعنه وسائل الشيعة 4: 405، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب28 ح3.
( صفحه 67 )
تصلّي في درع وملحفة ليس عليها إزار ولا مقنعة؟ قال: لا بأس إذا التفّت بها، وإن لم تكن تكفيها عرضاً جعلتها طولا(1).
ومنها: رواية ابن أبي يعفور قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام) : تصلّي المرأة في ثلاثة أثواب، إزار، ودرع، وخمار، ولا يضرّها بأن تقنّع بالخمار، فإن لم تجد فثوبين تتّزر بأحدهما وتقنّع بالآخر. قلت: فإن كان درع وملحفة ليس عليها مقنعة؟ فقال: لا بأس إذا تقنّعت بملحفة، فإن لم تكفها فتلبسها طولا(2).
ومنها: رواية زرارة قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن أدنى ما تصلّي فيه المرأة؟ قال: درع وملحفة، فتنشرها على رأسها وتجلّل بها(3).
والمستفاد من هذه الروايات أنّه لا خصوصيّة ولا موضوعيّة للاُمور المذكورة فيها بعنوان الساتر واللباس، بل الملاك المستوريّة ولو بغير الألبسة المتعارفة.
ولكن ظاهر صحيحة جميل بن دراج خلاف ذلك، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن المرأة تصلّي في درع وخمار؟ فقال: يكون عليها ملحفة تضمّها عليها(4).
- (1) الفقيه 1: 244 ح1084، وعنه وسائل الشيعة 4: 405، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب28 ح5.
- (2) الكافي 3: 395 ح11، تهذيب الأحكام 2: 217 ح856 ، الاستبصار 1: 389 ح1480، وعنها وسائل الشيعة 4: 406، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب28 ح8 .
- (3) تهذيب الأحكام 2: 217 ح853 ، الاستبصار 1: 388 ح1478، وعنهما وسائل الشيعة 4: 407، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب28 ح9.
- (4) تهذيب الأحكام 2: 218 ح860 ، الاستبصار 1: 390 ح1484، وعنهما وسائل الشيعة 4: 407، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب28 ح11.
( صفحه 68 )
فإنّ مقتضاها عدم الاكتفاء بالدرع والخمار مع كونهما ساترين، مضافاً إلى دلالة الروايات المتقدّمة على جواز الاكتفاء بهما. وقد حمل الشيخ (قدس سره) هذه الرواية على زيادة الفضل والثواب، أو على كون الدرع والخمار لا يواريان شيئاً(1).
ومثلها رواية علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليهم السلام) قال: سألته عن المرأة الحرّة هل يصلح لها أن تصلّي في درع ومقنعة؟ قال: لا يصلح لها إلاّ في ملحفة، إلاّ أن لا تجد بدّاً(2).
فإنّ الجمع بينها، وبين الروايات المتقدّمة، سيّما الرواية الحاكية لصلاة فاطمة (عليها السلام) إنّما يكون بالحمل على الاستحباب، خصوصاً بملاحظة أنّ الملحفة لا تستر أزيد ممّا يستره الدرع والخمار، ولعلّ وجه الاستحباب أن ضمّ الملحفة يوجب الطمأنينة للنفس بحصول الستر الكامل، كما لا يخفى.
ودعوى(3) أنّه يمكن أن يكون عملها (عليها السلام) في حال الضرورة; لأنّ الرواية متضمّنة لحكاية الفعل، ومن المعلوم أنّ الفعل لا إطلاق له.
مدفوعة بأنّه لو كان الحاكي هو الإمام (عليه السلام) ، وكان الغرض من الحكاية بيان الحكم لا مانع من التمسّك بإطلاقه حينئذ; لأنّه لو كان الحكم مقيّداً بحال الضرورة كان عليه البيان، ولكن سند الرواية الحاكية لا يخلو عن إشكال.
- (1) أي في تهذيب الأحكام في ذيل الرواية المتقدّمة.
- (2) قرب الإسناد: 224 ح875 ، وعنه وسائل الشيعة 4: 408، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب28 ح14.
- (3) راجع نهاية التقرير 1: 300.