( صفحه 97 )
يكون ساتراً للعورة، فيؤيّد عدم القيديّة، خصوصاً بعدما عرفت من إلغاء العرف خصوصيّة الثوبيّة، ولكن مع ذلك لا دلالة للرواية على عدم الترتيب، بل تكون أيضاً من هذه الجهة مجملة.
فقد ظهر أنّ الأدلّة اللفظيّة قاصرة الدلالة على الترتيب نفياً وإثباتاً، فتصل النوبة إلى الاُصول العمليّة.
فنقول: يمكن أن يقال بأنّ المقام من موارد دوران الأمر بين التعيين والتخيير; نظراً إلى أنّ الأمر دائر بين تعيّن الثوب ونحوه، والتخيير بينه، وبين غيره من القطن والصوف غير المنسوجين والحشيش والورق، والأصل الجاري فيه على ما هو المشهور(1) هي أصالة الاحتياط(2).
ولكنّ الظاهر عدم تماميّة ذلك في مثل الموارد المذكورة; لأنّ الشكّ فيها ليس في أصل جواز التستّر بمادّتها; ضرورة أنّه لا يشكّ في جواز التستّر بالقطن والصوف بعد كون المنسوج منهما منطبقاً عليه عنوان الثوب، فالشكّ
فيها إنّما هو في اعتبار المنسوجيّة وعدمه بعد الفراغ عن كفاية المادّة في الساتريّة.
ومن الواضح: أنّه شكّ في أمر زائد، والمرجع فيه أصالة البراءة الجارية في موارد الشكّ في الجزئيّة والشرطيّة، وهكذا الحشيش والورق; فإنّه لا يشكّ في كفاية المنسوج منهما، والشكّ إنّما هو في اعتبار المنسوجيّة، والأصل البراءة.
وأمّا في مثل الطين، فالظاهر تماميّة القول المذكور; لأنّ الشكّ إنّما هو في
- (1) فرائد الاُصول (تراث الشيخ الأعظم) 2: 357 ـ 358، فوائد الاُصول 3: 424 ـ 434.
- (2) مستمسك العروة الوثقى 5: 276.
( صفحه 98 )
أصل الاكتفاء بالمادّة، فالشكّ فيه إنّما هو من قبيل الشكّ بين المعيّن والمخيّر فيه، والأصل فيه هي أصالة الاحتياط.
هذا بالإضافة إلى حال الاختيار.
وأمّا في حال الاضطرار والانحصار بالطين ونحوه، فمع قطع النظر عن النصوص(1) الواردة في صلاة العاري، يكون مقتضى أصالة البراءة عدم وجوب التستّر به لأجل الصلاة; للشكّ في اعتبار التستّر به في هذا الحال مع عدم كونه كافياً في حال الاختيار. وعليه: فتجب عليه صلاة العاري.
نعم، حيث إنّه وقع التفصيل في نصوص صلاة العاري بين صورة الأمن من المطّلع وغيرها، بالحكم بوجوب الصلاة قائماً في الاُولى، دون الثانية، ولا يبعد دعوى توسعة دائرة الأمن، وعدم اختصاصها بما إذا لم يكن هناك ناظر محترم، كما إذا صلّى في بيت وحده وكان بابه مسدوداً، بل شمولها لمثل الطلي بالطين الموجب لتحقّق الأمن وإن كان هناك ناظر.
فإن كان حكم العاري في هذه الصورة وجوب إتمام الركوع والسجود، فاللاّزم حينئذ الطلي بالطين; للعلم التفصيلي بوجوبه; إمّا لأنّه ستر صلاتيّ; وإمّا لأنّه مقدّمة لرعاية القيام بلحاظ تحقّق الأمن معه.
وإن قلنا بأنّ حكمه في هذه الصورة الإيماء بالركوع والسجود، كما هو مفاد مثل صحيحة علي بن جعفر (عليه السلام) المتقدّمة(2)، فاللاّزم عليه حينئذ الجمع بين الصلاة مع إتمام الركوع والسجود، وبينها مع الإيماء لهما; للعلم الإجمالي
- (1) وسائل الشيعة 4: 448 ـ 450، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب50.
- (2) في ص61 و 96.
( صفحه 99 )
بوجوب إحدى الكيفيّتين عليه; لأنّه على تقدير كونه ساتراً صلاتيّاً في حال الاضطرار يجب عليه بالكيفيّة المتعارفة، وعلى تقدير عدم كونه ساتراً ولو في هذا الحال، وكون المكلّف عارياً، يجب عليه صلاة العاري، فاللاّزم الجمع بين الكيفيّتين.
ولكن ربما يقال بانحلال العلم الإجمالي; نظراً إلى أنّ موضوع صلاة العاري إمّا عدم وجود الساتر الشرعي، وإمّا عدم ساتريّة الموجود شرعاً، وكلّ منهما يمكن إثباته بالأصل، وإذا تحقّق موضوع صلاة العاري ولو بالأصل ينحلّ العلم الإجمالي; لما تقرّر في محلّه(1) من أنّ جريان الأصل المثبت للتكليف في أحد أطراف العلم الإجمالي يوجب انحلاله إلى العلم التفصيلي بثبوت التكليف في ذلك الطرف ولو ظاهراً، فيرجع في الطرف الآخر إلى أصالة البراءة عن التكليف.
وذلك كما إذا كان أحد الماءين اللذين وقع فيهما النجاسة إجمالا
مستصحب النجاسة; للعلم التفصيلي بنجاسته سابقاً، وحينئذ جريان الاستصحاب المثبت للتكليف فيه يوجب الانحلال، فيجري في الطرف الآخر أصالة الطهارة(2).
ويدفع هذا القول ـ بعد وضوح أنّ موضوع صلاة العاري هو عدم وجود الساتر; لأنّ المراد من العاري من لا يكون له ساتر، كما هو معناه عند العرف ـ : أنّ استصحاب عدم وجود الساتر ممّا لا مجال لجريانه; لأنّ
- (1) حقائق الاُصول 2: 243 ـ 251.
- (2) مستمسك العروة الوثقى 5: 277.
( صفحه 100 )
المشكوك إنّما هو وجود الساتر الشرعي في الخارج، مع أنّه من الواضح: أنّه ليس لنا شكّ بحسب الخارج; لأنّ المفروض وجود الطين فعلا، والتمكّن من الطلي به كذلك، وعدم وجوده في السابق، فليس في الخارج أمر وقع متعلّقاً للشكّ حتّى يجري الاستصحاب، والشكّ إنّما هو في أمر آخر; وهو كونه ساتراً شرعاً، ولا مجال لجريان الأصل فيه.
وهذا كما في استصحاب بقاء النهار مع الشكّ في مفهومه بعد الاستتار وقبل ذهاب الحمرة المشرقيّة; فإنّه لا مجال لجريانه بعد كون الخارج بكلا طرفيه معلوماً غير مشكوك. نعم، لا إشكال في جريانه في الشبهة الموضوعيّة، والتحقيق في محلّه.
فانقدح أنّ مقتضى العلم الإجمالي بعد عدم انحلاله هو لزوم الجمع بين الكيفيّتين.
اللهمّ إلاّ أن يقال: إنّ المستفاد من صحيحة عليّ بن جعفر المتقدّمة(1) عدم اعتبار الطلي بالطين أصلا; وذلك لأنّ الحكم بالانتقال إلى صلاة العاري بالإيماء مع القيام، مع عدم إصابة شيء يستر به العورة، يدلّ على عدم الاعتناء بالطين; لأنّه ليس ساتراً للعورة كما تقدّم(2)، ولذا لا يستفاد من الرواية الاكتفاء به في حال الاختيار، خصوصاً مع ملاحظة غلبة وجود الطين وإمكان تحصيله نوعاً، سيّما في مفروض الرواية من جهة غرق المتاع. وعليه: فالاحتياط بالجمع يكون استحبابيّاً، كما في المتن.
- (1) في ص61 و 96.
- (2) في ص95 ـ 96.
( صفحه 101 )
اعتبار الطهارة والإباحة في الساتر ولباس المصلّي
مسألة 8 : يعتبر في الساتر، بل مطلق لباس المصلّي اُمور:
الأوّل: الطهارة إلاّ فيما لا تتمّ الصلاة فيه منفرداً، كما تقدّم(1).
الثاني: الإباحة، فلا يجوز في المغصوب مع العلم بالغصبيّة، فلو لم يعلم بها صحّت صلاته، وكذا مع النسيان إلاّ في الغاصب نفسه، فلا يترك الاحتياط بالإعادة 1 .
1 ـ اتّفق الأصحاب(2) ـ رضوان الله عليهم ـ على اعتبار طهارة لباس المصلّي من كلّ نجاسة وقذارة في صحّة الصلاة، وتدلّ عليه الأخبار
الكثيرة المتواترة، إلاّ أنّ أكثرها وردت في موارد خاصّة; من البول،
والمنيّ، والدم.
وأمّا ما يمكن أن يستفاد منه حكم الصلاة في الثوب النجس ونحوه ـ من العناوين العامّة الشاملة لجميع أنواع النجاسات، ويدلّ على إثبات الحكم بنحو العموم ـ فقليلة، ولا بأس بإيراد بعضها تيمّناً: مثل:
مضمرة زرارة قال: قلت له: أصاب ثوبي دم رعاف أو غيره، أو شيء من منيّ ـ إلى أن قال: ـ فإن ظننت أنّه قد أصابه ولم أتيقّن ذلك فنظرت فلم أرَ شيئاً ثمّ صلّيت فرأيت فيه؟ قال: تغسله ولا تعيد الصلاة. قلت: لِمَ ذلك؟ قال: لأنّك كنت على يقين من طهارتك ثمّ شككت، فليس ينبغي لك أن تنقض
- (1) تحرير الوسيلة: 120 ـ 121، القول فيما يعفى عنه في الصلاة، الأمر الثالث.
- (2) الخلاف 1: 472 مسألة 217، السرائر 1: 179، المعتبر 1: 431، مستند الشيعة 4: 250، جواهر الكلام 6: 142، مستمسك العروة الوثقى 1: 488 ـ 489، التنقيح في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 3: 235.