( صفحه 70 )
وهل المراد بالوجه المستثنى في هذا الباب هو الوجه الذي يجب غسله في باب الوضوء; وهو ما دارت عليه الإبهام والوسطى من قصاص شعر الرأس إلى الذقن، كما ورد في الرواية الصحيحة؟(1) ربما يقال(2): نعم; لأنّ تفسير الإمام (عليه السلام) الوجه بذلك في باب الوضوء يدلّ على أنّ معناه بحسب العرف واللغة يكون كذلك; لعدم كون الوجه له حقيقة شرعيّة، ولا مجال لاحتمال ذلك فيه، فالوجه العرفي هو ما فسّر في الرواية.
ولكنّ التحقيق أنّه ليس في الروايات الواردة في المقام ما يدلّ على
استثناء الوجه بعنوانه حتّى يبحث في المراد منه، بل قد عرفت أنّ مفادها مجرّد بيان ما يكفي للمرأة من الثياب أن تصلّي فيها; وهي عبارة
عن الدرع والخمار.
ومن الواضح: أنّ المقدار الخارج من الوجه من الخمار والمقنعة أوسع من الوجه الذي يجب غسله في باب الوضوء، خصوصاً بملاحظة الرواية(3)الحاكية لفعل فاطمة المرضيّة عليها آلاف الثناء والتحيّة، الدالّة على أنّه ليس عليها أكثر ممّا وارت به شعرها واُذنيها; فإنّ ظاهرها خروج الصدغين أيضاً كما لا يخفى.
فانقدح أنّ الوجه المستثنى هنا أوسع من الوجه في باب الوضوء.
- (1) الفقيه 1: 28 ح88 ، الكافي 3: 27 ح1، تهذيب الأحكام 1: 54 ح154، وعنها وسائل الشيعة 1: 403، كتاب الطهارة، أبواب الوضوء ب17 ح1.
- (2) راجع نهاية التقرير 1: 297 ـ 298.
- (3) تقدّمت في ص66.
( صفحه 71 )
ثانيها: الكفّان، وفي وجوب سترهما وعدمه خلاف، والمشهور(1) بين الفريقين الاستثناء، بل ادّعى كثير من العلماء عليه الإجماع(2)، وحكي عن صاحب الحدائق (قدس سره) (3) أنّه ذهب إلى ما ذهب إليه أحمد بن حنبل وداود(4) من العامّة; من أنّ ستر الكفّين شرط لصحّة صلاة المرأة; نظراً إلى أنّ نصوص الاكتفاء بالدرع والخمار يكون إثبات العدم بها موقوفاً على عدم ستر الدرع للكفّين، وهو غير ثابت.
ومن الجائز كون دروعهنّ في تلك الأزمنة واسعة الأكمام طويلة الذيل، كما هو المشاهد الآن في نساء أهل الحجاز، بل أكثر بلدان العرب; فإنّهم يجعلون القمص واسعة الأكمام مع طول زائد بحيث يجرّ على الأرض، ففي مثله يحصل ستر الكفّين والقدمين، ومع الشكّ في أنّه هل كانت الدروع في زمان النبيّ (صلى الله عليه وآله) والأئـمّة (عليهم السلام) ساترة لهما، أم لا؟ يرجع إلى أصالة عدم التغيير.
وفيه: مع فرض أنّ الدروع كانت ساترة للكفّين أيضاً في زمانهم (عليهم السلام) نقول:
لا دليل على اعتبار سترهما; لأنّ مفاد الروايات إنّما هو عدم وجوب ستر ما هو خارج عن الثوبين للمرأة، لا وجوب ستر جميع ما هو داخل فيهما، كما أنّ الأمر يكون كذلك في الرجل; فإنّ مفاد الروايات الدالّة على أنّه يصلّي
- (1 ـ 4) المغني لابن قدامة 1: 637 ـ 638، الشرح الكبير 1: 458 ـ 459، بداية المجتهد 1: 117، المسألة الثالثة، الاُمّ 1: 89 ، المجموع 3: 171 ـ 172، مقدّمات ابن رُشد 1: 133، الخلاف 1: 393 ـ 394 مسألة 144، المعتبر 1: 101، مختلف الشيعة 2: 114 مسألة 55، تذكرة الفقهاء 2: 446 مسألة 108، ذكرى الشيعة 3: 8، روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان 2: 582، الحدائق الناضرة 7: 7 ـ 8 .
( صفحه 72 )
في ثوب واحد عدم وجوب ستر ما هو خارج عنه، لا وجوب ستر جميع ما يكون داخلا فيه; لما عرفت(1) من أنّ الواجب عليه إنّما هو ستر العورتين فقط.
هذا، مضافاً إلى أنّ الأصحاب من عصر الإمام (عليه السلام) إلى زمن العلاّمة والشهيدين وغيرهم قد أفتوا بعدم شرطيّة سترهما، واستدلّوا عليه بروايات الثوبين، فيعلم منه أنّ الدروع في زمانهم لم تكن تستر الكفّين، وإلاّ
فلا يكون وجه للاستدلال بها، ولا أقلّ من كون الدروع في زمانهم على قسمين، فاستدلّوا بإطلاق الحكم على عدم الوجوب; لأنّ مدلول الرواية كفاية الدرع مطلقاً.
ويؤيّد عدم كون الدروع ساترة للكفّين في الأزمنة السابقة، ما تقدّم(2) من ابن عبّاس في تفسير الزينة الظاهرة بالوجه والكفّين، حيث إنّ هذا التفسير ولو نوقش فيه بلحاظ كونه مقصوداً من كلام الله تعالى، إلاّ أنّ دلالته على عدم كون الكفّين مستورين في زمانه ممّا لا ينبغي المناقشة فيها، ولم يعترض عليه أحد من تلامذته.
هذا كلّه، مضافاً إلى أنّه لو شكّ في خروجهما عن الدرع، فالواجب هو الرجوع إلى أصالة البراءة على ما هو الحقّ من جريانها في مثل المقام. وأمّا رواية زرارة المتقدّمة(3)، الدالّة على أنّ أدنى ما تصلّي فيه المرأة درع وملحفة
- (1) في ص60.
- (2) تقدّم ذلك في ص25 بعنوان حكي، لا عن ابن عباس.
- (3) في ص67.
( صفحه 73 )
تنشرها على رأسها وتجلّل بها، فلا دلالة لها على اعتبار أزيد ممّا يستره الدرع من الجسد، كما أنّه لا دلالة لها على اعتبار أزيد ممّا يستره الخمار والمقنعة من الرأس، كما لا يخفى.
ثالثها: القدمان، والمشهور ـ كما في غير واحد من الكتب(1) ـ
عدم وجوب سترهما في الصلاة، خلافاً لصاحب الحدائق(2); ودليله
ما عرفت مع جوابه، وقد عرفت أنّ رواية «التجلّل» لا تفيد أزيد ممّا تفيده روايات الدرع والخمار، والظاهر عدم كون الدرع ساترة للقدمين; لما مرّ في الكفّين.
نعم، في صحيحة علي بن جعفر (عليه السلام) المتقدّمة(3)، عن المرأة ليس لها إلاّ ملحفة واحدة، كيف تصلّي؟ قال: تلتفّ فيها وتغطّي رأسها وتصلّي، فإن خرجت رجلها وليس تقدر على غير ذلك فلا بأس.
فإنّ مقتضى مفهوم الذيل وجوب ستر الرِجل، ولكنّ الظاهر أنّها محمولة على غير القدم; لأنّها لا تكون في مقام بيان وجوب ستر الرِجل حتّى يكون لها إطلاق، مضافاً إلى ما ربما يقال: من أنّ الإعراض يوجب سقوطها عن الحجّية، فتدبّر.
ثمّ إنّه قد نصّ في «الدروس»(4) على أنّ المستثنى هو ظاهر القدمين
- (1) تقدّم تخريجاتها في ص64.
- (2) الحدائق الناضرة 7: 8 ـ 9.
- (3) في ص66.
- (4) الدروس الشرعيّة 1: 147، وكذا في جامع المقاصد 2: 97، ومسالك الأفهام 1: 166، وروض الجنان في رشح إرشاد الأذهان 2: 582.
( صفحه 74 )
وباطنهما، وقد عبّر بعضهم بل كثيرهم بظاهر القدمين(1)، وفي غير واحد من الكتب(2) استثناء القدمين من دون تعرّض للظاهر والباطن أصلا، ويؤيّد عدم الاختصاص بالظاهر أنّه على تقديره يلزم عدم الفائدة فيه; لأنّ ما هو الساتر للباطن من الألبسة المتعارفة يكون ساتراً للظاهر أيضاً.
ودعوى(3) أنّه يكفي في ستر الباطن الأرض، مدفوعة بأنّ كفايته إنّما هو في غير حال السجود. وأمّا في حاله فيحتاج إلى الساتر، مع أنّ كفاية ساتريّة الأرض ولوبالإضافة إلى باطن القدمين محلّ نظر، فالظاهرحينئذعدم اختصاص الحكم بالظاهر، والتعبير به لعلّه لأجل كونه محلاًّ للابتلاء بالستر، فتدبّر.
ثمّ إنّه ذهب صاحب المدارك (قدس سره) إلى أنّه لا يجب على المرأة ستر شعر رأسها بما لا يكون حاكياً له، مستنداً إلى رواية محمد بن مسلم في حديث قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : ماترى للرجل يصلّي في قميص واحد؟ فقال: إذا كان كثيفاً فلا بأس به، والمرأة تصلّي في الدرع والمقنعة إذا كان الدرع كثيفاً; يعني إذا كان ستيراً(4).
فإنّ تخصيص اعتبار الكثافة بالدرع يدلّ على عدم اعتبارها في المقنعة(5).
- (1) المبسوط 1: 87 ، المعتبر 2: 101، مختلف الشيعة 2: 98، تحرير الأحكام 1: 202، منتهى المطلب 4: 273، قواعد الأحكام 1: 257، البيان: 124، الألفية: 50، مدارك الأحكام 3: 188، كشف اللثام 3: 234.
- (2) السرائر 1: 260، إرشاد الأذهان 1: 247، ذكرى الشيعة 3: 8 ، التنقيح الرائع 1: 182 ـ 183، مجمع الفائدة والبرهان 2: 104، بحار الأنوار 83 : 179.
- (3) نهاية التقرير 1: 273.
- (4) تقدّمت في ص62.
- (5) مدارك الأحكام 3: 188 ـ 189، لكن ليس فيه استناد إلى خبر، بل قال: الأخبار لا يعطي ذلك.