( صفحه 322 )
أحد طرح الرواية باعتبار السند، فهي تامّة من جهة السند والدلالة.
ولابدّ أوّلا من ملاحظة أنّه هل يمكن الجمع بينها، وبين رواية المنع، وعلى تقدير عدم الإمكان ولزوم الرجوع إلى المرجّحات أنّ المرجح مع أيّهما.
فنقول: الذي يستفاد من الكلمات في مقام الجمع وجوه ثلاثة، وقبل التعرّض لها نقول:
لا إشكال في الجمع إذا حمل مستند المنع على كون السؤال فيه إنّما هو عن الحكم الوضعيّ المتعلّق بالحرير مطلقاً; من دون فرق بين القلنسوة وغيرها ممّا تتمّ فيه الصلاة وحده; فإنّه على هذا التقدير يكون السؤال والجواب فيه كلاهما مطلقين شاملين لما تتمّ فيه الصلاة أيضاً; فإنّه حينئذ تكون رواية الحلبي مقيّدة لإطلاق دليل المنع، ويكون الجمع حينئذ من الجمع بين المطلق والمقيّد، فالإشكال إنّما هو على غير هذا الفرض، وهو الظاهر كما عرفت.
الأوّل: ما أفاده سيّدنا العلاّمة الاُستاذ البروجردي ـ قدّس سرّه الشريف ـ من أنّه لمّـا كان بطلان الصلاة في الحرير غير معروف عند العامّة، وإنّما ذهب إليه بعضهم(1) استناداً إلى أنّ حرمة لبسه تقتضي بطلان الصلاة فيه، وإنّما المعروف بينهم حرمة لبس الحرير مطلقاً(2). ومن المعلوم عدم الفرق عندهم بين ما لا تتمّ وغيره أصلا، كما أنّهم لا يفرّقون في بعض الموانع الذي يقولون به بينهما، كالنجاسة وغيرها.
وحينئذ فيمكن أن يقال: إنّ الجواب عن السؤال بالجواز فيما لا تتمّ
- (1) تقدّم تخريجه في ص310.
- (2) تقدّم تخريجه في ص320.
( صفحه 323 )
ـ حيث يشعر ببطلان الصلاة في غيره ـ لم يذكر فيهما; لأنّه مناف للتقيّة، فعدل الإمام (عليه السلام) عنه إلى بيان حرمة الصلاة في الحرير المحض المسلّمة عندهم; وإن كانت لا تقتضي الفساد بنظرهم.
هذا، مضافاً إلى أنّ السؤال باعتبار كونه سؤالا عن حكم خصوص ما لا تتمّ فيه الصلاة، كما هو المفروض ـ وهو يشعر باعتقاده بطلان الصلاة في غيره ـ لعلّه كان سبباً لالتجائه (عليه السلام) إلى ذلك(1).
ويرد عليه ما عرفت من أنّ حمل الجواب على العدول مناف للظاهر جدّاً، ولا يسوّغه الجمع بوجه، مضافاً إلى أنّ إسناد عدم الحلّية إلى الصلاة ظاهر في الحكم الوضعيّ الذي لا يقولون به، فكيف يتحقّق معه رعاية التقيّة؟! وما هو المسلّم بينهم إنّما هو حرمة لبس الحرير لا الصلاة فيه، فهذا النحو من الجمع غير تامّ.
الثاني: ما في المستمسك من أنّ تقييد إطلاق المكاتبتين بسبب رواية الحلبي هو مقتضى الجمع العرفي، قال: ودعوى أنّه من قبيل تخصيص المورد، وهو مستهجن، ممتنعة; فإنّ الاستهجان إنّما يسلّم لو كان بحيث لو ضمّ هذا المقيّد إلى المطلق لكان الكلام متدافعاً، ولو قيل: لا تحلّ الصلاة في حرير محض إلاّ في القلنسوة ونحوها لم يكن كذلك، فالتقييد هو مقتضى الجمع العرفي(2).
ويرد عليه: وضوح التدافع; فإنّ مرجع الجمع بهذا النحو بعد فرض كون
- (1) نهاية التقرير 1: 420 ـ 421.
- (2) مستمسك العروة الوثقى 5: 364 ـ 365.
( صفحه 324 )
الإطلاق نصّاً في المورد، إلى قوله: «لا تحلّ الصلاة في حرير محض حتّى في القلنسوة ونحوها، إلاّ في القلنسوة ونحوها» كما لا يخفى، فهذا الوجه أيضاً غير تامّ.
الثالث: ما عن جامع المقاصد من أنّ حمل المكاتبة على الكراهة وجه جمع بين الأخبار(1).
ويرد عليه: أنّ ما يجري فيه احتمال الحمل على الكراهة هو النهي المولوي الظاهر في التحريم، لا النهي الإرشادي الظاهر في الإرشاد إلى الحكم الوضعي، مع أنّ مقتضاه ثبوت الكراهة في غير ما لا تتمّ أيضاً، إلاّ أن يقال بحمل النهي على الأعمّ، والقدر المشترك بين الحرمة والكراهة.
وكيف كان، فالظاهر أنّه لا وجه للجمع أصلا، بل لابدّ من ملاحظة المرجّحات، فنقول:
الظاهر أنّه لو كانت الشهرة على الجواز محقّقة لكان اللاّزم الرجوع
إليها; لأنّ الشهرة في الفتوى أوّل المرجّحات الخبريّة، وإلاّ تصل النوبة إلى مخالفة العامّة، والذي يظهر من كلماتهم ثبوت هذا المرجّح في المقام وإن اختلفوا في تعيين الرواية المخالفة، فعن بعضهم كصاحب الحدائق وجماعة(2) أنّها هي المكاتبتان، وعن بعض آخر كصاحبي الجواهر والمصباح(3) أنّها هي رواية الحلبيّ.
- (1) جامع المقاصد 2: 86 .
- (2) الحدائق الناضرة 7: 97، مجمع الفائدة والبرهان 2: 83 ـ 84 ، مدارك الأحكام 3: 179.
- (3) جواهر الكلام 8 : 208، مستند الشيعة 4: 347، مصباح الفقيه 10: 330 ـ 332.
( صفحه 325 )
وقد اختاره سيّدنا العلاّمة الاُستاذ البروجردي (قدس سره) ; نظراً إلى أنّ التفصيل بين ما تتمّ، وما لا تتمّ مخالف لفتاوي جميعهم; لأنّ المسلّم بينهم إنّما هي الحرمة التكليفيّة المطلقة(1). وأمّا بطلان الصلاة، فالمعروف بينهم العدم.
نعم، ذهب إليه بعضهم(2) استناداً إلى اقتضاء النهي التكليفي له عقلا، من غير فرق بين ما تتمّ وغيره، فالتفصيل الذي يدلّ عليه الرواية مناف لكلا القولين، وهذا بخلاف المكاتبتين; فإنّ عدم حلّية الصلاة في الحرير المحض لا ينافي فتاواهم; لأنّهم أيضاً يقولون بذلك، غاية الأمر أنّ النهي لا يقتضي الفساد عند كثير منهم، فهما موافقتان لمذهبهم(3).
أقول: بناءً على ما ذكرنا في مفاد المكاتبتين يكون مدلولهما أيضاً مخالفاً لمذهبهم، غاية الأمر أنّ رواية الحلبي مخالفة لجميع الفتاوي، والمكاتبتان مخالفتان لفتوى الأكثر القائل بعدم البطلان، فإن اُريد من مخالفة العامّة ـ التي هي من المرجّحات المذكورة في مثل مقبولة ابن حنظلة المعروفة(4) ـ مخالفة الجميع، فالترجيح مع رواية الحلبي، وإن اُريد منها المخالفة للفتوى الشائعة الرائجة، فالمكاتبتان أيضاً متّصفتان بذلك، وعلى ما ذكر فالمسألة غير خالية عن الإشكال، ومقتضى الاحتياط الاجتناب عمّا لا تتمّ أيضاً إذا كان حريراً.
- (1) تقدّم تخريجه في ص320.
- (2) تقدّم تخريجه في ص310.
- (3) نهاية التقرير 1: 422.
- (4) الكافي 1: 67 ح10، الاحتجاج 2: 260 ح232، وعنهما وسائل الشيعة 27: 136، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي ب11 ح1.
( صفحه 326 )
[عدم البأس بمثل افتراش الحرير والركوب عليه]
مسألة 15: الذي يحرم على الرجال خصوص لبس الحرير، فلا بأس بالافتراش والركوب عليه والتدثّر به ـ أي التغطّي به عند النوم ـ ولا بزرّ الثياب وأعلامها، والسفائف والقياطين الموضوعة عليها، كما لا بأس بعصابة الجروح والقروح وحفيظة المسلوس، بل ولا بأس بأن يرقع الثوب به، ولا الكفّ به لو لم يكونا بمقدار يصدق معه لبس الحرير; وإن كان الأحوط في الكفّ
أن لا يزيد على مقدار أربع أصابع مضمومة، بل الأحوط ملاحظة التقدير المزبور في الرقاع أيضاً 1 .
1 ـ أمّا جواز الافتراش وكذا الركوب; فلاختصاص أدلّة المنع باللبس، وهو مغاير لهما، فلا دليل على المنع بالإضافة إليه، مضافاً إلى صحيح علي بن جعفر قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الفراش الحرير ومثله من الديباج والمصلّى الحرير، هل يصلح للرجل النوم عليه والتكأة والصلاة؟ قال: يفترشه ويقوم عليه ولا يسجد عليه(1).
ورواية مسمع بن عبد الملك البصري، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه قال: لا بأس أن يأخذ من ديباج الكعبة فيجعله غلاف مصحف، أو يجعله مصلّى يصلّي عليه(2).
وأمّا التدثّر به، فإن كان المراد به ما في المتن من التغطّي به عند النوم;
- (1) الكافي 6: 477 ح8 ، تهذيب الأحكام 2: 374 قطعة من ح1553، مسائل عليّ بن جعفر: 180 ح342، قرب الإسناد: 185 ح687، وعنها وسائل الشيعة 4: 378، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب15 ح1.
- (2) الفقيه 1: 172 ح809 ، وعنه وسائل الشيعة 4: 378، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب15 ح2.