( صفحه 358 )
مفتاح الكرامة حكاية الإجماع عليه ظاهراً عن نهاية الإحكام، والناصريّة، والمنتهى، والتذكرة، والمدارك، والدروس، والبيان، وجامع المقاصد والغريّة(1). وفي محكيّ جامع المقاصد: تحرم الصلاة في المكان المغصوب بإجماع العلماء إلاّ من شذّ، وتبطل عندنا وعند بعض العامّة(2)،(3).
وقد نقل الخلاف عن الفضل بن شاذان(4)، بل استظهر من كلامه، أنّ القول بالصحّة كان مشهوراً بين الشيعة، كما اعترف به في محكيّ البحار(5).
أقول: لابدّ من ملاحظة أنّ الدليل في المسألة هل هو الإجماع، بحيث يكون له أصالة، ويستكشف منه موافقة المعصوم (عليه السلام) ، أو أنّه يكون مستنداً إلى الدليل العقلي القائم في المسألة; وهو مسألة اجتماع الأمر والنهي؟ وربما يستظهر الثاني من المدارك، حيث استدلّ بقوله: لأنّ الحركات والسكنات الواقعة في المكان المغصوب منهيّ عنها، كما هو المفروض، فلا تكون مأموراً بها; ضرورة استحالة كون الشيء الواحد مأموراً به ومنهيّاً عنه(6).
ومقتضى التحقيق هو الأوّل; لأمرين:
- (1) نهاية الإحكام في معرفة الأحكام 1: 340، مسائل الناصريات: 205، منتهى المطلب 4: 297، تذكرة الفقهاء 2: 397 مسألة 83 ، مدارك الأحكام 3: 217، الدروس الشرعيّة 1: 152، البيان: 128، جامع المقاصد 2: 116، مفتاح الكرامة 6: 130.
- (2) المغني لابن قدامة 1: 63 و 626، الشرح الكبير 1: 479 ـ 480، المجموع 3: 165 ـ 166، جامع المقاصد 2: 116.
- (3) إلى هنا مأخوذ من مستمسك العروة الوثقى 1: 416.
- (4) حكى عنه في الكافي 6: 94 ـ 95، ومفاتيح الشرائع 1: 99 مفتاح 111.
- (5) بحار الأنوار 83 : 279.
- (6) مدارك الأحكام 3: 217.
( صفحه 359 )
الأوّل: وجود المناقشة في كون المقام من صغريات مسألة الاجتماع بلحاظ الصلاة أو أجزائها; لعدم اتّحادها مع الغصب في الخارج حتّى تكون محرّمة، لا لأنّ الغصب عبارة عن الاستيلاء على مال الغير عدواناً، والاستيلاء لا يكون متّحداً مع الصلاة، بل لأنّه لو اُبدل الغصب بالتصرّف كما نبّهنا عليه مراراً(1) لا يتحقّق الاتّحاد أيضاً; وذلك لأنّ الصلاة مركّبة من الأقوال المخصوصة والأفعال المعيّنة.
والأقوال منها ـ مثل تكبيرة الافتتاح، والقراءة، والتسبيح، والتشهّد، والتسليم ـ تكون من قبيل الكيفيّات القائمة بالصوت، وتحدث بسبب حركات اللسان، والكيفيّة لا تكون من التصرّف، وعلى تقدير كونها منه لا تكون محرّمة; لعدم شمول أدلّة الحرمة لها.
وأمّا القيام والجلوس والركوع; فلأنّها هيئات قائمة بالبدن، نظير الاستقامة والانحناء، وليست عبارة عن النهوض والهويّ لتكون من التصرّف في المغصوب المحرّم.
وأمّا السجود، فهو الانحناء الخاصّ مع مماسّة الجبهة للأرض، والانحناء من قبيل الهيئة، وقد عرفت(2) أنّها ليست متّحدة مع التصرّف المحرّم. وأمّا المماسّة، فإنّما هي تصرّف في المتماسّين، فإذا كانا مباحين تكون مباحة، ولا مدخليّة لمقدار من الهويّ في حقيقة السجود التي هي الوضع، ولذا يصدق على البقاء بعين صدقه على الحدوث.
- (1) في ص114.
- (2) في ص119 ـ 122.
( صفحه 360 )
ومنه يظهر أنّ من سجد على أرض مغصوبة بطل سجوده وإن كان الفضاء مباحاً له، ومن سجد على أرض مباحة صحّ سجوده وإن كان الفضاء مغصوباً، فمن صلّى في الدار المغصوبة لا تفسد صلاته، إلاّ إذا كان وضع جبهته ومساجده على مواضعها تصرّفاً في المغصوب.
ودعوى أنّه يعتبر في الصلاة القرار على شيء ولو كان مثل الطيّارة في هذه الأعصار، فمن صلّى في الهواء بين السماء والأرض لا تصحّ صلاته; لفقد القرار، وحينئذ فالصلاة في الدار المغصوبة باطلة; لاتّحاد القرار على الأرض في القيام، والجلوس والركوع مع التصرّف في المغصوب.
مدفوعة بأنّه على تقدير الاعتبار لا دليل على كونه بنحو الجزئيّة، بل يمكن أن يكون بنحو الشرطيّة، وشروط العبادة من حيث هي شروط عبادة لا يعتبر فيها التقرّب.
وعلى ما ذكرنا ينحصر الحكم ببطلان العبادة في المغصوب بما لو كان وضع المساجد على محالّها تصرّفاً فيه، فلو اتّفق عدم كونه كذلك لم يكن وجه للفساد، مع أنّ ظاهرهم الحكم بالبطلان مطلقاً.
الثاني: وجود الاختلاف في مسألة اجتماع الأمر والنهي، وثبوت الاتّفاق على البطلان في المقام.
ودعوى(1) أنّ القائل بالاجتماع أيضاً يقول ببطلان العبادة; نظراً إلى أنّ المقرّب لا يمكن أن يكون مبعّداً وبالعكس، فثبوت النهي مانع عن التقرّب بالمجمع.
مدفوعة بأنّ الظاهر وفاقاً لأكثر القائلين به صحّة العبادة في هذه الصورة،
- (1) راجع نهاية التقرير 1: 491.
( صفحه 361 )
والمقرّب إنّما هو الوجود الخارجي بلحاظ كونه مصداقاً لعنوانه، ولا ينافي أن يكون مبعّداً بلحاظ كونه مصداقاً لعنوان آخر.
وبعبارة اُخرى: كما أنّه لا مانع من اجتماع الأمر والنهي، كذلك لا مانع من اجتماع القرب والبعد بلحاظ العنوانين; لعدم كون الوجود الخارجي مع قطع النظر عن العنوانين مبعّداً ولا مقرّباً.
بل يمكن القول بالصحّة على فرض الامتناع، وتقديم جانب النهي; نظراً إلى ثبوت الملاك وكفايته في الصحّة، كما في مورد الترتّب بناءً على عدم صحّته، فتدبّر.
وقد ظهر ممّا ذكرنا أنّ الدليل في المقام هو الإجماع(1) وله أصالة، ولا يكون مستنداً إلى الدليل العقلي.
ثمّ إنّه لا فرق في البطلان لأجل فقدان هذا الشرط ـ وهو اعتبار إباحة المكان ـ بين أن يصلّي في المغصوب الذي تعلّق الغصب بعينه، وبين أن يصلّي في المغصوب الذي تعلّق الغصب بمنافعه، كما إذا صلّى في الأرض المستأجرة للغير بدون إذن المستأجر، وإن كان مأذوناً من قبل المالك.
كما أنّه لا فرق بين المغصوب، وبين ما لو تعلّق به حقّ، كحقّ الرهن; لقيام الدليل من النصّ(2) والإجماع(3) على حرمة تصرّف الراهن في العين المرهونة
- (1) تقدّم تخريجه في ص357.
- (2) مختلف الشيعة 5: 439 مسألة 70، مستدرك الوسائل 13: 426، كتاب الرهن ب17 ح15803، عن دُرر اللآلي 1: 368.
- (3) الخلاف 3: 253 مسألة 59، مفاتيح الشرائع 3: 139، المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 4: 153.
( صفحه 362 )
بدون إذن المرتهن، كما هو المحقّق في كتاب الرهن(1).
وكحقّ الميّت إذا أوصى بالثلث بنحو الكسر المشاع ـ الظاهر في الإشاعة ـ ولم يفرز بعد; فإنّه حينئذ لا يجوز التصرّف في شيء من أجزاء التركة; لتعلّق حقّ الميّت به الثابت بالوصيّة، بل ربما يقال ببقاء المال الموصى به على ملك الميّت، وكونه شريكاً حقيقة، كالمال المشترك بين الشريكين أو الشركاء، والتحقيق في محلّه(2).
وأمّا إذا أوصى بمقدار الثلث لا بنحو الكسر المشاع، بل بنحو الكلّي في المعيّن; فإنّه لا مانع من التصرّف، كما في نظائره، مثل بيع الصاع من الصبرة إذا كان بهذا النحو.
وأمّا حقّ السبق في المشتركات، كالمسجد ونحوه، فقد ذكر صاحب الجواهر (قدس سره) ثبوت القولين فيه من جهة بطلان الصلاة وعدمه، حيث قال: أمّا حقّ السبق في المشتركات ـ كالمسجد ونحوه ـ ففي بطلان الصلاة بغصبه وعدمه وجهان، بل قولان، أقواهما الثاني، وفاقاً للعلاّمة الطباطبائي في
منظومته(3); لأصالة عدم تعلّق الحقّ للسابق على وجه يمنع الغير بعد فرض دفعه عنه; سواء كان هو الدافع أم غيره وإن أثم بالدفع المزبور لأولويته; إذ هي أعمّ من ذلك قطعاً، وربما يؤيّده عدم جواز نقله بعقد من عقود المعاوضة، مضافاً إلى ما دلّ على الاشتراك الذي لم يثبت ارتفاعه بالسبق
- (1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الرهن: 256.
- (2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الوصيّة: 171.
- (3) الدُرّة النجفيّة: 95.