( صفحه 408 )
ولو في حال القيام، فيقرب مع ما دلّ على كفاية كون الرجل متقدّماً على المرأة ولو بصدره، ويحتمل أن يكون هي إصابتها ثوبه في حال الجلوس، أو السجود المنفصل بعضه عن البدن الواقع جزؤه على الأرض، ولازمه كون مسجدها وراء موقفه.
والجمع بين الأخبار يقتضي الحمل على مراتب الكراهة; بمعنى أنّ صدق أقلّ مراتب التأخّر يوجب ارتفاع الحرمة الوضعيّة أو الكراهة، ولكن ارتفاع أصل الكراهة موقوف على تأخّر المرأة عن الرجل في جميع حالات الصلاة، فالأولى بل الأحوط التأخّر بهذا المقدار الذي يرجع إلى ما ذكرنا من كون مسجدها وراء موقفه.
الأمر الثاني: أن يكون بينهما عشرة أذرع أو أزيد، والدليل عليه موثّقة عمّار المتقدّمة(1)، الظاهرة في اعتبار هذا المقدار فيما إذا كانت المرأة متقدّمة على الرجل، أو محاذية له، وكذا إحدى روايات عليّ بن جعفر المتقدّمة(2)، أيضاً، والتعبير بأكثر من عشرة أذرع في رواية عمّار ليس لأجل اعتبار الأكثر، بل لأجل أن تحقّق العشرة عرفاً يتوقّف على ضمّ مقدار زائد ليتحقّق العلم بها، كما في موارد المقدّمات العلميّة.
ودعوى(3) تفرّد رواية عمّار بهذا الأمر; لعدم ظهور رواية علي بن جعفر في ذلك، مدفوعة بأنّ استناد الأصحاب إليها يكفي في جبرها; من دون فرق بين القائل بالبطلان، وبين القائل بالكراهة، لأنّ الطائفة الاُولى جعلوا العشرة
- (1 ، 2) في ص399 ـ 400.
- (3) كتاب الصلاة، تقريرات بحث المحقّق النائيني للآملي 1: 332.
( صفحه 409 )
رافعة للبطلان، والثانية للكراهة.
الأمر الثالث: أن يكون بينهما حاجز، ويدلّ عليه إحدى روايات محمد بن مسلم المتقدّمة(1)، وكذا رواية محمد الحلبي المتقدّمة(2)، الدالّة على اعتبار الستر; ومنصرف إطلاقها هو اعتبار أن يكون الساتر مانعاً عن المشاهدة في جميع حالات الصلاة حتّى حالة القيام.
ولكن مقتضى صحيحة علي بن جعفر، عن أخيه (عليهما السلام) المتقدّمة(3) أيضاً ـ قال: سألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلّي في مسجد قصير الحائط وامرأة قائمة تصلّي بحياله وهو يراها وتراه؟ قال: إن كان بينهما حائط طويل أو قصير فلا بأس ـ كفاية وجود الحائط ولو كان قصيراً غير مانع عن
المشاهدة، بناءً على كون المراد مدخليّة الحائط من جهة كونه حائلا، لا من جهة اقتضائه للفصل بين الرجل والمرأة بمقدار عرضه.
كما أنّ مقتضى صحيحته الاُخرى، عن أخيه (عليهما السلام) المتقدّمة أيضاً(4) ـ قال: سألته عن الرجل يصلّي في مسجد حيطانه كوى كلّه قبلته وجانباه، وامرأته تصلّي حياله يراها ولا تراه؟ قال: لا بأس ـ أنّه لا مانع من كون الجدار مشتملا على الروزنة والشبّاك غير المانع من المشاهدة.
ومقتضى رواية أبي بصير ليث المرادي المتقدّمة أيضاً(5) الاكتفاء بكون
- (1) في ص400.
- (2) في ص397.
- (3 ، 4) في ص400.
- (5) في ص397.
( صفحه 410 )
الحائل شبراً أو ذراعاً، بناءً على أن يكون ذيلها قرينة على كون المراد هي الحيلولة بهذا المقدار، ولكنّ الظاهر عدم صلاحيّته للقرينيّة، بحيث يوجب انعقاد ظهور للصدر مخالف لظهوره الثابت له مع قطع النظر عن الذيل، والتناسب لا يقتضي ذلك، خصوصاً مع اختلال التناسب من جهة كون المفروض في السؤال صلاة المرأة عن يمين الرجل بحذاه، ومقتضى الذيل أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يضع رحله بين يديه يستره ممّن يمرّ بين يديه; من دون فرق بين الرجل والمرأة، وفرض المرور ينافي الاشتغال بالصلاة.
فالظاهر بمقتضى ما ذكرنا عدم الاكتفاء من جهة الحائل بمقدار الشبر أو الذراع، بل لابدّ من صدق الحاجز والستر، وصدق الحائط وإن كان قصيراً، أو كان مشبّكاً، ولكنّ الأحوط كونه بحيث يمنع عن المشاهدة في جميع حالات الصلاة.
ثانيها: أنّه هل يشترط في مانعيّة صلاة أحدهما لصلاة الآخر، الصحّة مع قطع النظر عن التقدّم أو المحاذاة، أو يكفي الأعمّ، فيشمل ما لو كانت صلاة أحدهما فاسدة من جهة فقد شرط، أو جزء، أو وجود مانع بشرط صدق الصلاة عليه، وجهان:
حكى في الجواهر عن جامع المقاصد(1) احتمال الثاني; نظراً إلى أنّ الصلاة تطلق على الصور غالباً، وإلى استحالة تحقّق الشرط; يعني الصلاة الصحيحة عند بطلان الصلاتين على ما هو المفروض، ولا ينفع التخصيص بقيد «لو لا المحاذاة أو التقدّم»; لأنّ المراد بالصلاة الواردة في أخبار الباب إمّا
- (1) جامع المقاصد 2: 123، جواهر الكلام 8 : 518.
( صفحه 411 )
الصلاة الصحيحة أو الفاسدة، والأوّل يمتنع تحقّقها لفقد شرطها، والثاني لا فرق فيه بين أن تكون فاسدة من جهة المحاذاة، أو من سائر الجهات الموجبة للفساد.
وقد أيّد ذلك بأنّ المأخوذ في الأخبار هو عنوان «الصلاة» فقط، من دون أخذ قيد «الصحّة» كي يقال: إنّ الصحّة المطلقة ممتنعة، فالواجب تقييدها بقيد «لولا المحاذاة»، وعنوان الصلاة إمّا أن يطلق على الصحيح المطلق الموجب لفراغ الذمّة، وقد عرفت امتناع تحقّقها في المقام، فلم يبق إلاّ أن يكون المراد بها الأعمّ، وهي صورة الصلاة، سواء كانت صحيحة من غير هذه الجهة، أو فاسدة كذلك أيضاً.
ومن هنا ربما يخدش في أصل الحكم بالتحريم في المسألة; لأنّ المانع إمّا صورة الصلاة، أو الصلاة الصحيحة، وكلاهما فاسد. أمّا صورة الصلاة، فلعدم اعتبارها عند الشارع، ومن البعيد جعله الفاسد موجباً لبطلان اُخرى مع عدم اعتباره لها، كما لا يخفى. وأمّا الصلاة الصحيحة; فلأنّه موجب لاجتماع الضدّين لو قيل بكونها فاسدة وصحيحة معاً، ولترجيح أحد طرفي الممكن بلا مرجّح لو اختير أحدهما دون الآخر.
وتنظّر في الجواهر(1) فيما حكاه عن جامع المقاصد بأنّ المراد هي الصلاة الصحيحة، ويكون مدلول الأخبار بطلان صلاة كلّ من الرجل والمرأة بحذاء الآخر، أو تقدّمها عليه بعد انعقادهما صحيحة، فالمانع هي الصلاة الصحيحة الواقعة كذلك من غير جهة المحاذاة; لأنّ الفاسدة من غير تلك الجهة لا تنعقد
- (1) جواهر الكلام 8 : 518.
( صفحه 412 )
من رأس حتّى تبطل بالمحاذاة.
ويرد عليه: أنّ ما أفاده من الانعقاد ثمّ البطلان خلاف ما يستفاد من ظاهر أخبار الباب; لأنّ مدلولها عدم إمكان اجتماع صلاة الرجل والمرأة بحذاء الآخر مثلا، ومرجعه إلى أنّهما لا تنعقدان من رأس، فتدلّ على اعتبار أن لا يكون الرجل محاذياً للمرأة وهي تصلّي، وكذا العكس.
والتحقيق أنّ المقام مثل سائر الأخبار الواردة في بيان الشرائط والموانع، وأنّه لا فرق بينه، وبين مثل قوله: لا تصلِّ في وبر ما لا يؤكل لحمه. وقوله: لا تصلِّ في النجس. ولا معنى لتخصيص الإشكال بالمقام; فإنّه يجري مثله في سائر الموارد; لأنّه يمكن أن يقال إنّ الصلاة المنهيّ عنها في وبر ما لا يؤكل لحمه إن كان المراد بها هي الصلاة الصحيحة، فمن المعلوم أنّه لا تجتمع الصحّة مع وقوعها في وبره، وإن كان المراد بها هي الأعمّ، فاللاّزم أن تكون الصلاة الفاسدة من بعض الجهات الاُخر منهيّاً عنها إذا وقعت في وبر ما لا يؤكل لحمه، كما لا يخفى.
والحلّ بعد وضوح كون تلك الأوامر والنواهي للإرشاد إلى الشرطيّة والمانعيّة، أنّها تكون للإرشاد إلى أنّ العمل الذي يأتي به المكلّف بعنوان الإطاعة والامتثال للتكليف المتوجّه إليه، لا يجدي في تحقّق هذا الغرض والوصول إلى هذا المقصود إذا كان خالياً عن المأمور به في هذه الروايات، أو واجداً لما هو المنهيّ عنه فيها، ومن المعلوم: أنّ العمل الكذائي يتّصف بالصحّة مع قطع النظر عن المكلّف به في هذه الأخبار; ضرورة أنّه بدونه لا يمكن أن يأتي به المكلّف بالعنوان المذكور، فالصحّة اللّولائيّة مستفادة