( صفحه 142 )
اعتبار كون لباس المصلّي مذكّى
الثالث: أن يكون مذكّى من مأكول اللحم، فلا تجوز الصلاة في جلد غير المذكّى، ولا في سائر أجزائه التي تحلّه الحياة ولو كان طاهراً من جهة عدم كونه ذا نفس سائلة، كالسمك على الأحوط، وتجوز فيما لا تحلّه الحياة من أجزائه، كالصوف والشعر والوبر ونحوها 1 .
1 ـ ظاهر المتن: أنّ اعتبار التذكية في لباس المصلّي، وكونه من غير ما يحرم أكل لحمه، يرجع إلى اعتبار أمر واحد، ومدخليّة شيء فارد، مع أنّ الظاهر من كلمات الأصحاب (قدس سرهم) أنّ هنا أمرين:
أحدهما: اعتبار التذكية في مثل الجلد الذي يتّخذ لباساً ويصلّى فيه.
والآخر: عدم كونه من غير المأكول ولو لم يعرض له الموت، كما إذا صلّى في وبره أو شعره مثلا، ولأجله نتكلّم نحن في أمرين:
الأوّل: اعتبار عدم كونه من أجزاء الميتة، ولا إشكال في أصل الحكم ولا خلاف ظاهراً، بل عن كثير من الكتب الفقهيّة دعوى الإجماع عليه(1)، ولم ينقل الخلاف فيه من أحد ولو بنحو الإجمال، ولأجله اعترض(2) على الشهيد في الذكرى ـ حيث استثنى «من شذّ»(3) ـ بأنّه لم يعلم المراد منه;
- (1) الخلاف 1: 60 ـ 62 مسألة 9، غنية النزوع: 66، المعتبر 2: 77، منتهى المطلب 4: 202، تذكرة الفقهاء 2: 463 مسألة 117، جامع المقاصد 2: 80 ، مجمع الفائدة والبرهان 2: 93، مدارك الأحكام 3: 157، مفاتيح الشرائع 1: 108، مفتاح الكرامة 5: 456، جواهر الكلام 8 : 81 ، مستمسك العروة الوثقى 5: 296، المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 12: 148.
- (2) المعترض هو صاحب مفتاح الكرامة 5: 456 ـ 457، وجواهر الكلام 8 : 82 .
- (3) ذكرى الشيعة 3: 28.
( صفحه 143 )
للاتّفاق على عدم جواز الصلاة في أجزاء الميتة حتّى ممّن قال بطهارة الجلد بالدباغ ] من الأصحاب [ (1)،(2) خلافاً للعامّة(3) القائلين بجواز استعمالها والانتفاع بها في غير حال الصلاة، وبصحّة الصلاة فيها إذا كانت مدبوغة.
والأخبار(4) الواردة في هذه المسألة بالغة حدّ الاستفاضة، بل ربما ادّعي تواترها(5); ولأجله لا حاجة إلى ذكرها للاستدلال بها، فأصل الحكم يكون كالمسلّم بينهم، فاللاّزم التكلّم في الجهات الاُخر:
منها: أنّ اعتبار هذا الأمر في الصلاة هل هو بعنوان شرطيّة التذكية، أو على نحو مانعيّة الميتة؟ ظاهر المتن الأوّل، ولابدّ لتحقيق هذه الجهة من ملاحظة معنى المذكّى والميتة أوّلا، فنقول:
لا إشكال في أنّ التذكية عبارة عن الأمر الوجودي العارض لبعض الحيوانات حينما يزهق روحه، ولا فرق في ذلك بين أن يقال بأنّها عبارة عن مجرّد فري الأوداج الأربعة مع سائر الشرائط; من الاستقبال والتسمية وغيرهما، وبين أن يقال بأنّها عبارة عن الأمر المتحصّل من ذلك، بضميمة وجود القابليّة المتحقّقة في خصوص ما يتّصف بكونه مذكّى من الحيوانات;
- (1) من مجمع الفائدة والبرهان 2: 93.
- (2) حكى القول بالطهارة بالدبغ عن الشلمغاني وابن الجنيد في ذكرى الشيعة 1: 134.
- (3) المجموع 1: 268 ـ 280، بداية المجتهد 1: 80 ـ 81 ، المغنى لابن قدامة: 55 ـ 59، الشرح الكبير 1: 64 ـ 71، الخلاف 1: 60 ـ 61 مسألة 9، تذكرة الفقهاء 2: 232 ـ 235 مسألة 328.
- (4) وسائل الشيعة 3: 501 ـ 503، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات ب61، وج4: 343 ـ 344، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب1.
- (5) جامع المقاصد 2: 80 ، مصباح الفقيه 10: 196، مستمسك العروة الوثقى 5: 297.
( صفحه 144 )
فإنّه على كلا التقديرين تكون التذكية من الاُمور الوجوديّة بلا إشكال.
وأمّا الميتة، فلا ينبغي الإشكال في أنّ معناها بحسب اللغة هو الحيوان الذي فقد وصف الحياة بعدما كان واجداً له، وهو بهذا المعنى يشمل المذكّى أيضاً.
والظاهر أنّ قوله ـ تعالى ـ : ( حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَآ أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ ى وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَآ أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ... )(1) ناظر إلى هذا المعنى اللغوي، بناءً على رجوع الاستثناء إلى جميع المذكورات التي منها الميتة ما عدا الدم ولحم الخنزير، كما لعلّه الظاهر من الآية، وقد حكي عن عليّ (عليه السلام) وابن عبّاس(2).
وكيف كان، فلا ينبغي الإشكال في أنّ الميتة بحسب المعنى اللغوي مقابل الحيّ، لا المذكّى، وهذا يدلّنا على أنّ استعمالها في مقابل المذكّى في لسان الروايات إنّما هو لأجل ثبوت الحقيقة الشرعيّة لها، فانظر إلى موثّقة سماعة قال: سألته عن جلود السباع ينتفع بها؟ قال: إذا رميت وسمّيت فانتفع بجلده، وأمّا الميتة فلا(3). حيث جعلت الميتة مقابلة للمذكّى; أي ما رمى وسمّى به.
وبعد ذلك يقع الكلام في أنّ الميتة هل هي عنوان وجوديّ أو عدميّ; وهو غير المذكّى؟ وتظهر الثمرة فيما لو شكّ في شيء أنّه ميتة، أم لا، فعلى تقدير كونها أمراً وجوديّاً لا يثبت باستصحاب عدم التذكية، بناءً على جريانه،
- (1) سورة المائدة 5: 3.
- (2) مجمع البيان 3: 261، التفسير الكبير للفخر الرّازي 4: 284.
- (3) تهذيب الأحكام 9: 79 ح339، وعنه وسائل الشيعة 3: 489، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات ب49 ح2.
( صفحه 145 )
ولا يترتّب عليه أحكام الميتة، بخلاف ما لو كانت أمراً عدميّاً.
والظاهر أنّ المتبادر من الميتة عند المتشرّعة عنوان وجوديّ، وهو ما مات بسبب غير شرعيّ.
ثمّ إنّه على تقدير كون الميتة أمراً عدميّاً لا مجال لاحتمال كونها مانعة; لأنّ المانعيّة من شؤون وجود المانع وأوصافه.
وأمّا على تقدير كونها أمراً وجوديّاً كما استظهرناه، يقع الكلام في أنّها هل هي مانعة، أو أنّ التذكية شرط، كما اختاره صاحب الجواهر(1)، ولا مجال لاحتمال كلا الأمرين; للزوم اللغويّة ضرورة، والظاهر اختلاف الروايات، فمن بعضها يستفاد المانعيّة، ومن البعض الشرطيّة.
أمّا الأوّل: فكصحيحة محمد بن مسلم قال: سألته عن الجلد الميّت أيلبس في الصلاة إذا دبغ؟ قال: لا، ولو دبغ سبعين مرّة(2).
ومرسلة ابن أبي عمير، عن غير واحد، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في الميتة قال: لا تصلِّ في شيء منه ولا شسع(3).
والشِسع ـ بالكسر ـ ما يشدّ به النعل(4)، وجه الاستفادة: ظهور النهي الوارد فيهما في الإرشاد إلى المانعيّة، كما هو شأن النواهي الغيريّة
- (1) جواهر الكلام 8 : 83 ـ 84 .
- (2) تهذيب الأحكام 2: 203 ح794 و 795، الفقيه 1: 160 ح750، وعنهما وسائل الشيعة 3: 501، كتاب الطهارة أبواب النجاسات ب61 ح1، وج4: 343، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب1 ح1.
- (3) تهذيب الأحكام 2: 203 ح793، وعنه وسائل الشيعة 4: 343، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب1 ح2، وص377 ب14 ح6.
- (4) لسان العرب 3: 432، مجمع البحرين 2: 950.
( صفحه 146 )
المتعلّقة بالموانع.
وأمّا الثاني: فكموثّقة ابن بكير المعروفة، الواردة في عدم جواز الصلاة في أجزاء ما يحرم أكل لحمه من الحيوانات، المشتمل ذيلها على قوله (عليه السلام) : فإن كان ممّا يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وألبانه وكلّ شيء منه جائز إذا علمت انّه ذكّي قد ذكّاه الذبح، إلخ(1).
ورواية عليّ بن أبي حمزة قال: سألت أبا عبدالله وأبا الحسن (عليهما السلام) عن لباس الفراء والصلاة فيها؟ فقال: لا تصلِّ فيها إلاّ فيما كان منه ذكيّاً. قال قلت: أو ليس الذكي ممّا ذكّي بالحديد؟ قال: بلى إذا كان ممّا يؤكل لحمه، الحديث(2).
فإنّهما ظاهران في شرطيّة التذكية واعتبارها، ولكن ظهور أدلّة المانعيّة فيها أقوى من ظهور أدلّة الشرطيّة فيها; وذلك لاستناد الاُولى إلى النهي الذي له ظهور قويّ في الإرشاد إلى المانعيّة فيما إذا كان غيريّاً. وأمّا الثانية، فليس لها مثل هذا الظهور، خصوصاً مع اشتمال رواية ابن أبي حمزة على النهي أيضاً.
وعليه: فالتعبير بما هو ظاهر في الشرطيّة يحمل على العرضيّة، بلحاظ ما عرفت من أنّ المذكّى والميتة من قبيل ما لا ثالث لهما، كما لا يخفى.
ومنها: أنّ مانعيّة جلد الميتة مثلا هل هي لنجاستها، فتختصّ بما إذا كانت الميتة نجسة، فيجوز الصلاة في ميتة السمك ونحوه ممّا ليس له نفس سائلة، أو لأجل كونها مانعة بعنوانها، فتعمّ ما إذا لم تكن نجسة، كما في المثال
- (1) تأتي بتمامها في ص175 ـ 176.
- (2) وسائل الشيعة 4: 348، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب3 ح3، وتأتي بتمامها في ص206.