( صفحه 174 )
مستحلاًّ، مع أنّ مقتضى ذيل الرواية أنّ الموجب لعدم جواز الاشتراط استحلال البائع الأوّل للميتة، فتدبّر.
وأمّا القول الرابع: فقد استدلّ له برواية محمد بن الحسين الأشعري قال: كتب بعض أصحابنا إلى أبي جعفر الثاني (عليه السلام) : ما تقول في الفرو يشترى من السوق؟ فقال: إذا كان مضموناً فلا بأس(1).
والمراد من الضمان هو الإخبار والإعلام بالتذكية، لا التعهّد المتضمّن لقبول الخسارة، والظاهر حينئذ أنّ عدم البأس مشروط بالإعلام.
والجواب: أنّه مع ظهور الروايات المتقدّمة(2)، بل صراحة بعضها في عدم لزوم السؤال والاستعلام من البائع ـ ومن الواضح: أنّ ذلك إنّما هو لأجل عدم اعتبار الجواب والإعلام، وإلاّ فلابدّ من الاستعلام ـ لا يبقى مجال للأخذ بهذه الرواية، فلابدّ من الحمل على الاستحباب، والفرق بين صورتي الإعلام وعدمه من هذه الجهة، كما لا يخفى.
- (1) الكافي 3: 398 ح7، وعنه وسائل الشيعة 4: 463، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب61 ح3.
- (2) في ص156 ـ 158.
( صفحه 175 )
عدم جواز الصلاة في غير المأكول
وأمّا غير المأكول، فلا تجوز الصلاة في شيء منه وإن ذكّي، من غير فرق بينما تحلّه الحياة منه أو غيره، بل تجب إزالة الفضلات الطاهرة منه، كالرطوبة والشعرات الملتصقة بلباس المصلّي وبدنه 1 .
1 ـ من الاُمور المعتبرة في لباس المصلّي أن لا يكون من أجزاء الحيوان الذي لا يحلّ أكل لحمه، واعتباره فيه من متفرّدات الإماميّة(1)، خلافاً لسائر فرق المسلمين، حيث لم يتعرّضوا لهذه المسألة في كتبهم، مع كونها ممّا يعمّ به البلوى.
والأخبار الواردة في هذا المقام وإن كان أكثرها لا يخلو من علل الحديث; من ضعف أو إرسال أو غيرهما، إلاّ أنّ ذلك لا يوجب الإشكال في أصل الحكم بعد ذهاب الأصحاب من السلف إلى الخلف في قبال سائر المسلمين إلى ثبوته، وبعد الإجماعات المنقولة في الكتب الكثيرة عليه(2).
هذا، مع وجود رواية معتبرة; وهي موثّقة ابن بكير قال: سأل زرارة أبا عبدالله (عليه السلام) عن الصلاة في الثعالب والفنك والسنجاب وغيره من الوبر؟ فأخرج كتاباً زعم أنّه إملاء رسول الله (صلى الله عليه وآله) : أنّ الصلاة في وبر كلّ شيء حرام أكله فالصلاة في وبره وشعره وجلده وبوله وروثه وكلّ شيء منه فاسدة،
- (1 ، 2) الانتصار: 135، الخلاف 1: 511 مسألة 256، غنية النزوع: 66، المعتبر 2: 78، منتهى المطلب 4: 207 و 209، تذكرة الفقهاء 2: 465 مسألة 118، نهاية الإحكام في معرفة الأحكام 1: 373، جامع المقاصد 2: 81 ، روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان 2: 572، الحاشية على مدارك الأحكام 2: 344، مفتاح الكرامة 5: 466، جواهر الكلام 8 : 106.
( صفحه 176 )
لا تقبل تلك الصلاة حتّى يصلّي في غيره ممّا أحلّ الله أكله.
ثمّ قال: يا زرارة هذا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) فاحفظ ذلك يا زرارة، فإن كان ممّا يؤكل لحمه فالصلاة في وبره وبوله وشعره وروثه وألبانه وكلّ شيء منه جائز إذا علمت أنّه ذكيّ قد ذكّاه الذبح، وإن كان غير ذلك ممّا قد نهيت عن أكله وحرم عليك أكله فالصلاة في كلّ شيء منه فاسدة، ذكّاه الذبح أو لم يذكّه(1).
والظاهر كون ابن بكير ثقة وإن ضعّفه المحقّق في محكيّ المعتبر(2); لتصريح الشيخ (قدس سره) به في الفهرست(3)، وكذا ابن شهر آشوب(4)، وقال الكشّي: هو ممّن أجمعت العصابة على تصحيح ما يصحّ عنه(5). وقال الشيخ (قدس سره) في محكي العُدّة: عملت الطائفة بأخباره(6).
هذا مع أنّ الراوي عنه في هذه الرواية هو ابن أبي عمير، الذي اشتهر اعتبار مراسيله فضلا عن مسانيده، ومع استناد الكلّ في الفتوى بهذا الحكم المخالف للقاعدة ولسائر فرق المسلمين إليها، فلا يبقى موقع للإشكال في الرواية من حيث السند.
- (1) الكافي 3: 397 ح1، تهذيب الأحكام 2: 209 ح818 ، وعنهما وسائل الشيعة 4: 345، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب2 ح1.
- (2) المعتبر 2: 79.
- (3) الفهرست للشيخ الطوسي: 173، الرقم 463.
- (4) معالم العلماء: 77، الرقم 517.
- (5) اختيار معرفة الرجال، المعروف بـ «رجال الكشّي»: 375، الرقم 705.
- (6) العُدّة في اُصول الفقه 1: 150.
( صفحه 177 )
وأمّا استشكال صاحب المدارك(1) في المسألة; فإنّما هو مبنيّ على مذهبه من اختصاص حجّية الخبر الواحد بالصحيح الأعلائي، وعدم حجّية غيره وإن كان موثّقاً معتبراً عند غيره، كما أنّ التكرار الواقع في قوله (صلى الله عليه وآله) : «إنّ الصلاة...»، والحزازة الواقعة في قوله (صلى الله عليه وآله) : «لا تقبل تلك الصلاة حتّى يصلّي...»، وغير ذلك من الجهات المخالفة للفصاحة، يشعر بأنّ الرواية منقولة بالمعنى، وأنّ الراوي لم يضبط الألفاظ الصادرة من الإمام (عليه السلام) ، ولكنّه لا يوجب إشكالا في الاستدلال بها بعد معلوميّة المضمون الصادر منه (عليه السلام) .
وبالجملة: بعد ملاحظة ما ذكرنا، الاشكال في أصل المسألة ممّا لا ينبغي أن يصدر من الفقيه أصلا.
وإنّما الإشكال في فروع المسألة، وأنّه هل يكون اعتبار هذا الأمر منحصراً بلباس المصلّي; وهو ما يلبسه المصلّي ويكون محيطاً به كالقميص وغيره، أو يشمل مثل التكّة والجورب والقلنسوة ونحوها ممّا يصدق عليه اللباس، ولا يكون محيطاً بالشخص اللاّبس له، أو يعمّ ما ذكر، وما إذا لم يكن لباساً، ولكن كان لباسه ملاصقاً وملابساً معه، كما إذا كان على ثوبه رطوبة غير المأكول، أو بعض شعراته، أو يعمّ ما ذكر، وما إذا كان محمولا للمصلّي ومستصحباً له أيضاً؟ وجوه.
والمحكيّ عن ظاهر المشهور هو الأخير(2)، وعن الشهيدين(3) اختصاص
- (1) مدارك الأحكام 3: 162.
- (2) ذخيرة المعاد: 234 س13، كفاية الفقه، المشتهر بـ «كفاية الأحكام» 1: 82 ، بحار الأنوار 83 : 221، مستمسك العروة 5: 309.
- (3) ذكرى الشيعة 3: 52، البيان: 122، مسالك الأفهام 1: 162، روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان 2: 573.
( صفحه 178 )
المنع بما إذا كان لباس المصلّي من أجزائه، بل نقل عنهما أنّ عدم شمول دليل المنع لما إذا صلّى في الثوب الذي اُلقي عليه شعراته، وجواز الصلاة فيه من المقطوع به.
ويدلّ على المشهور الموثّقة المتقدّمة; نظراً إلى صدق الصلاة في أجزاء غير المأكول في جميع الفروض.
واستشكل عليهم(1) بأنّ ظاهر كلمة «في» في قوله (صلى الله عليه وآله) : «فالصلاة في وبره...» هي الظرفيّة، كما هو الأصل في معنى الكلمة، ولازمه كون أجزاء
غير مأكول اللحم بحيث يكون ظرفاً للمصلّي ومحيطاً به، وهو لا يصدق فيما إذا اُلقي على ثوبه وبره أو شعره، فضلا عمّا إذا كان مستصحباً لهذه الاُمور من دون لبس.
وعن البهبهاني (قدس سره) أنّه أجاب عن هذا الإشكال بما حاصله: أنّ كلمة «في» في الرواية ليست للظرفيّة; لامتناع اعتبار كون البول والروث ظرفاً للمصلّي، فلابدّ من أن يراد منها المصاحبة، ومعه يتمّ الاستدلال، ثمّ أورد على نفسه بأنّ اعتبار الظرفيّة في الروث والبول إنّما هو بملاحظة تلطّخ الثوب أو البدن بواحد منهما، فكأنّه قيل الصلاة في الثوب المتلطّخ بأحدهما فاسدة.
وعليه: فلا يشمل ما إذا كان شيء من أجزاء غير المأكول محمولا للمصلّي، ولا يدلّ على المنع فيه، ثمّ أجاب بأنّ ذلك المعنى مستلزم للاضمار والحذف، بخلاف ما ذكرنا في معناه; فإنّه مستلزم للمجازيّة، وقد قرّر في
- (1) كما في رياض المسائل 3: 156، وجواهر الكلام 8 : 127.