( صفحه 439 )
فحماً، وعدم ارتفاع النجاسة بذلك; إذ يكفي في ارتفاع الأوّل ارتفاع موضوعه ولو بارتفاع صفة المقوّمة له، ولا يكفي في الثاني ذلك، بل لابدّ من صدق الاستحالة الموجبة لتعدّد الموضوع ذاتاً وصفة عرفاً، مثلا لو ثبت حكم للعجين ارتفع بمجرّد صيرورته خبزاً وإن كانت نجاسته لا ترتفع بذلك(1).
ويرد عليه: أنّه وإن كان يكفي في الأوّل ارتفاع موضوعه، إلاّ أنّه لم يرتفع الموضوع في المقام; لصدق عنوان النبات عليه كصدقه على الحطب على ما عرفت. فانقدح ممّا ذكرنا أنّ الظاهر هو التفصيل بين الرماد والفحم، كما في المتن.
الثالث: لا يجوز السجود على المأكول والملبوس، وليس المراد منهما خصوص ما يكون صالحاً للأكل واللبس فعلا، كالخبز والقميص، بل يعمّ ذلك وما يكون صالحاً للأكل واللبس ولو بعلاج، كالحنطة والشعير والقطن والكتّان; لأنّها بنظر العرف تعدّ من المأكولات والملبوسات، مضافاً إلى ورود التعبير بالحنطة والشعير فيما لا يجوز السجود عليه في بعض الروايات، كحديث الأربعمائة(2).
ثمّ إنّ الشيء قد يكون مأكولا في جميع الأمكنة، وفي جميع حالاته، وفي جميع الأحوال; أي أحوال الناس، ولا إشكال حينئذ في عدم جواز السجود عليه، وقد يكون مأكولا في بعض البلاد دون بعض، أو في بعض حالاته دون
- (1) مستمسك العروة الوثقى 5: 491.
- (2) الخصال: 628، وعنه وسائل الشيعة 5: 344، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه ب1 ح4.
( صفحه 440 )
بعض، أو في بعض الأحوال دون بعض، وبعض الأحوال قد يكون هي الحالة الشائعة الطبيعيّة العارضة، كحال المرض، وقد يكون هي الحالة الخارجة عن الطبيعة التي قلّما تتّفق، كحال الاضطرار والمخمصة، ولابدّ من بيان الضابط المستفاد من الروايات، فنقول:
ذكر في المستمسك ما ملخّصه: أنّ نسبة الأكل واللبس في قوله (عليه السلام) : «إلاّ ما اُكل أو لبس»(1)، إمّا أن يراد بها نسبة الأكل واللبس فعلا، أو نسبتهما استعداداً.
وعلى الأوّل: لا يمكن أن يكون المراد من الموصول الشخص المتلبّس بفعليّة المبدأ; لامتناع ذلك عقلا بالنسبة إلى ما اُكل، فيمتنع أيضاً عرفاً بالنسبة إلى ما لبس; لبعد التفكيك بينهما، بل المراد به إمّا الشخص بلحاظ قيام المبدأ بأمثاله، فالمعنى: «إلاّ ما اُكل أو لبس أمثاله»، أو الجنس بلحاظ قيام المبدأ ببعض أفراده، فالمعنى: «إلاّ الجنس الذي اُكل بعض أفراده أو لبس كذلك».
وعلى الثاني: فالاستعداد إمّا أن يكون بلحاظ نفسه; بأن يكون فيه من خصوصيّات الطعم والرائحة ما يحسن لأجله أن يؤكل في قبال ما لا يكون كذلك; ضرورة اختلاف الأشياء في ذلك اختلافاً بيّناً، وكذلك الحال فيما لبس، أو يكون بلحاظ إعداد الناس إيّاه للأكل أو اللبس; سواء كان مستعدّاً في نفسه لذلك، أم لا.
والظهور الأوّلي للجملة المذكورة إرادة الشخص المتلبّس بالمبدأ، لكن
- (1) تقدّم تخريجه في ص432.
( صفحه 441 )
ـ حيث عرفت امتناعه ـ يدور الأمر بين إرادة الفعليّة بالمعنيين الأخيرين، وبين إرادة الاستعداد، والثاني منهما أيضاً أظهر، كما أنّ الأظهر الحمل على الاستعداد الذاتي لا العرضي; لاحتياج الثاني إلى عناية زائدة لا قرينة عليها. نعم، يساعده التعليل في صحيح هشام: «لأنّ أهل الدنيا إنّما يعبدون ما أعدوه لأكلهم ولبسهم»(1)، ولا يكفي في كون الشيء معبوداً لهم كونه مستعدّاً للأكل أو اللبس في نفسه(2).
وما أفاده وإن كان حسناً، إلاّ أنّ الأحسن منه أن يراد بالمأكول ما أعدّه الله سبحانه لأكل الإنسان حتّى يشمل مثل العقاقير والأدوية المأكولة في حال المرض; وإن كانت خالية عمّا يحسن لأجله أن يؤكل من خصوصيّات الطعم والرائحة. وعليه: فالضابط هو إعداد الله ـ تعالى ـ إيّاه لأن يأكله الإنسان ولو في حال المرض الذي يطرأ الإنسان نوعاً، ولابدّ لرفعه من التداوي.
نعم، لا يشمل مثل العلف الذي تأكله الدوابّ إذا اتّفق أكله للإنسان لأجل الضرورة الباعثة على أكله حفظاً للنفس، كالمخمصة ونحوها، كما أنّه لا يشمل مثله إذا صار مأكولا لبعض الأفراد النادرة على خلاف الطبيعة; لأنّ ذلك لا يوجب صدق إعداد الله ـ تعالى ـ إيّاه لأكل الإنسان، كما لا يخفى.
نعم، لو كان مأكولا لبعض الأصناف ـ كما إذا كان الشيء مأكولا في بعض البلاد دون بعض ـ فالظاهر صدق ذلك وكونه مأكولا.
- (1) تقدّم في ص432، وهذه العبارة ليست نصّ الحديث، بل نقل بالمعنى.
- (2) مستمسك العروة الوثقى 5: 493 ـ 494.
( صفحه 442 )
وممّا ذكرنا يظهر عدم جواز السجود على الثمرة المأكولة، ولو قبل وصولها إلى زمان الأكل; لأنّها ممّا أعدّه الله ـ تعالى ـ لأكل الناس، وإن كان أكله متوقّفاً على مرور زمان، فهي تكون مثل الحنطة والشعير الذي يتوقّف أكله على العلاج; لعدم الفرق بين العلاج، وبين مرور الزمان بوجه.
وأمّا قشور الثمار، فقد فصّل فيها في المتن بين ما إذا كانت منفصلة عنها، وبين ما إذا كانت متّصلة بها، بالحكم بجواز السجود في الأوّل دون الثاني، والوجه في العدم مع الاتّصال أنّها في هذه الصورة تعدّ جزءاً للثمرة المأكولة، ويصدق على السجود عليها أنّه سجود على المأكول، وهذا بخلاف صورة الانفصال الذي يكون القشر معه شيئاً مستقلاًّ غير معدود جزءاً من الثمرة، والمفروض عدم كونه مأكولا، فلا مانع من السجود عليه، وقد استثنى منه مثل قشر التفّاح والخيار ممّا هو مأكول ولو تبعاً، أو يؤكل أحياناً، أو يأكله بعض الناس; فإنّ المأكوليّة ـ تبعاً أو أحياناً أو عند بعض ـ تدخله في المأكول بالمعنى المذكور، ولا ينافيه كون الحكمة من خلقه إنّما هي صيانة الثمرة وحفظها من الآفات; فإنّ ذلك لا ينافي كونه مأكولا أيضاً.
وأمّا قشور الحبوب التي تؤكل معها تبعاً، فقد احتاط فيها في المتن وجوباً; والوجه فيه ما ذكرنا في مثل قشر التفّاح، والفرق أنّ قشر التفّاح ربما يؤكل أحياناً مستقلاًّ أو يأكله بعض الناس، بخلاف قشر الحبّ الذي لا يؤكل إلاّ تبعاً، فتدبّر.
وأمّا قشر نوى الأثمار، فإن كان متّصلا به، فالظاهر عدم جواز السجود عليه إذا كان اللبّ مأكولا; لصدق السجود على المأكول عليه وكونه معدوداً
( صفحه 443 )
جزءاً له. وأمّا إذا لم يكن اللبّ مأكولا ولو بعلاج، أو في حال المرض للتداوي، فلا مانع من السجود عليه أصلا، كما أنّه إذا كان منفصلا عنه ولو في الصورة الاُولى يجوز السجود عليه; لعدم كونه مأكولا، وعدم كونه جزءاً من المأكول بوجه.
وأمّا مثل الحنظل والخرنوب من الثمار غير المأكولة، فيجوز السجود عليه; لعدم كونه مأكولا. نعم، في بعض الروايات استثناء مطلق الثمرة من دون تقييد بكونها مأكولة، كما في صحيحة محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لا بأس بالصلاة على البوريا والخصفة وكلّ نبات إلاّ الثمرة(1).
بناءً على ما في الفقيه المطبوع. وأمّا في التهذيب فالتمرة(2) بدل الثمرة.
نعم، في صحيحة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: أسجد على الزفت يعني القير؟ فقال: لا، ولا على الثوب الكرسف، ولا على الصوف، ولا على شيء من الحيوان، ولا على طعام، ولا على شيء من ثمار الأرض، ولا على شيء من الرياش(3).
ولكنّ الظاهر لزوم التقييد بالمأكول، كما هو مقتضى النصّ(4) والإجماع(5)،
- (1) تهذيب الأحكام 2: 311 ح1262، الفقيه 1: 169 ح800 ، وعنهما وسائل الشيعة 5: 245، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه ب1 ح9.
- (2) كذا في الوسائل 3: 593 طبعة مكتبة الإسلاميّة بطهران سنة 1376 بتحقيق الشيخ عبد الرحيم الربّاني، ولكن في التهذيب طبع الجديد والقديم 1: 256، وترتيب التهذيب 1: 248، والوسائل طبع آل البيت (عليهم السلام) «الثمرة».
- (3) الكافي 3: 330 ح2، تهذيب الأحكام 2: 303 ح1226، الاستبصار 1: 331 ح1242، وعنها وسائل الشيعة 5: 346، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه ب2 ح1.
- (4) وسائل الشيعة 5: 343 ـ 346، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه ب1.
- (5) تقدّم تخريجه في ص431.