( صفحه 279 )
وقصره مانع عن قطعه، وهذا لا ينافي ما يدلّ عليه بعض الروايات من إمكان أخذ الثوب من وبره أيضاً.
كرواية سعد بن سعد، عن الرضا (عليه السلام) قال: سألته عن جلود الخزّ؟ فقال: هوذا نحن نلبس، فقلت: ذاك الوبر جعلت فداك؟ قال: إذا حلّ وبره حلّ جلده(1).
فالحيوان البريّ الذي يطلق عليه الخزّ إن كان غير مأكول اللحم لا دليل على جواز الصلاة في أجزائه، وإن كان مشكوكاً فالحكم فيه هو حكم الصلاة في اللباس المشكوك على تقدير عدم جريان أصالة الحلّية بالإضافة إلى لحمه.
وكيف كان، فقد عرفت(2) أنّ جواز الصلاة في وبر الخزّ ممّا تطابق عليه النصّ والفتوى. وأمّا جلده، فمحلّ خلاف(3)، والمنسوب إلى المشهور هو الجواز(4)، ولابدّ من ملاحظة الروايات، فنقول:
أمّا رواية ابن أبي يعفور، فهي وإن كانت ظاهرة في جواز الصلاة في جلد الخزّ أيضاً باعتبار الإطلاق وترك الاستفصال، بل السؤال الثاني الظاهر في الاعتراض يوجب انحصار محطّ السؤال في السؤال الأوّل بالجلد; لأنّ الوبر من الأجزاء التي لا تحلّها الحياة بخلاف الجلد، فكون الخزّ ميّتاً إنّما يوجب
- (1) تهذيب الأحكام 2: 372 ح1547، الكافي 6: 452 ح7، وعنهما وسائل الشيعة 4: 366، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب10 ح14.
- (2) في ص272.
- (3 ، 4) تقدّم تخريجهما في ص272 ـ 273.
( صفحه 280 )
المنع عن الصلاة في الثاني دون الأوّل.
وبالجملة: دلالة الرواية على جواز الصلاة في جلد الخزّ وإن كانت ظاهرة، إلاّ أنّ ضعف سندها كما عرفت يقدح في الاعتماد عليها.
وأمّا صحيحة ابن الحجّاج، فظاهرة في السؤال عن جلود الخزّ لا عن الصلاة فيها، ومن المعلوم انصرافه إلى السؤال عن جواز استعمالها في اللبس والانتفاع بها فيه، وهو لا يستلزم جواز الصلاة فيها، ومنشأ الشبهة الموجبة للسؤال إمّا كون الخزّ ميتة بنظر السائل، والمنع عن استعمال جلود الميتة واضح.
وإمّا النهي عن ركوب الخزّ والجلوس عليه، كما عرفت(1) في محكيّ كلام ابن المنظور، وقد رواه عن علي (عليه السلام) .
ويؤيّده استشهاد الإمام (عليه السلام) في بعض الروايات ـ بعد شرائه ثوب الخزّ ـ بقوله ـ تعالى ـ : ( قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِى أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ ى )(2) الآية(3)، فلا دلالة لمثل هذا السؤال على كون مورده حكم الصلاة أيضاً.
ومنه يظهر عدم دلالة رواية سعد المتقدّمة أيضاً على ذلك; لظهور سؤالها أيضاً في اللبس وجواز الانتفاع بها فيه.
ودعوى كون كلمة «هوذا» كلمة واحدة مفادها الاستمرار والدوام،
وظاهرها الشمول لحال الصلاة أيضاً(4).
- (1) أي في لسان العرب عن ابن الأثير.
- (2) سورة الأعراف 7: 32.
- (3) مجمع البيان 4: 230، وعنه وسائل الشيعة 4: 367، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب10 ح16.
- (4) جواهر الكلام 8 : 145.
( صفحه 281 )
مدفوعة بأنّه على تقدير ظهور الكلمة فيما ذكر، يكون موردها الوبر دون الجلد، والملازمة بين الحليّتين ـ كما في ذيل الرواية ـ لا إطلاق لها يشمل الصلاة بعد كون السؤال ظاهراً بنفسه في السؤال عن الحكم التكليفي، وظهور قوله (عليه السلام) في الجواب: «نحن نلبس» في هذا الحكم أيضاً، فالملازمة أيضاً تنطبق على ذلك.
نعم، يدلّ على شمول الحكم بالجواز للجلد أيضاً إطلاق رواية معمّر بن خلاّد قال: سألت أبا الحسن الرضا (عليه السلام) عن الصلاة في الخزّ؟ فقال: صلِّ فيه(1); فإنّ إطلاق السؤال وترك الاستفصال ظاهر في كون مورده الصلاة في جلد الخزّ أيضاً.
والإشكال فيه بأنّ ذلك إنّما يتمّ لو كان المراد من الخزّ فيه الحيوان، وهو غير ظاهر، بل من المحتمل إرادة المنسوج من وبره; فإنّه من معانيه أيضاً، كما يظهر من مكاتبة جعفر بن عيسى إلى الرضا (عليه السلام) ، يسأله عن الدوابّ التي يعمل الخزّ من وبرها...(2)،(3).
مندفع بوضوح أنّ إطلاق الخزّ على المنسوج من وبر الحيوان الخاصّ المسمّى بالخزّ ليس في عرض إطلاقه على نفس الحيوان بحيث كان له معنيان، بل الإطلاق عليه إنّما هو بلحاظه وكون المنسوج منه وبره، مع أنّه
- (1) تهذيب الأحكام 2: 212 ح829 ، وعنه وسائل الشيعة 4: 360، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب8 ح5.
- (2) الكافي 6: 452 ح8 ، وعنه وسائل الشيعة 4: 364، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب10 ح4.
- (3) مستمسك العروة الوثقى 5: 317.
( صفحه 282 )
على تقديره يكفي الإطلاق في رفع هذا الاحتمال أيضاً، فتدبّر.
ثمّ إنّه ربما يقال: إنّ الشبهة في جواز الصلاة في جلد الخزّ إن كانت من جهة كونه من أجزاء غير المأكول، فلا يبعد أن يقال بأنّه بعد قيام الدليل من النصّ(1) والإجماع(2) على استثناء الوبر تكون خصوصيّة الوبريّة ملغاة بنظر العرف; لأنّ الظاهر أنّ أهل العرف لا يفهمون من استثناء الوبر إلاّ استثناء الحيوان المسمّى بالخزّ، وأنّه تصحّ الصلاة في أجزائه، وبراً كان أو جلداً أو غيرهما.
وإن كانت من جهة كونه ميتة، إمّا لأجل أنّه لم يعلم وقوع التذكية وثبوتها فيما عدا السمك من الحيوانات المائيّة. وإمّا لأجل احتمال عدم كون خروجه من الماء علّة لموته، كما يظهر من بعض الروايات، حيث إنّه أجاب الإمام (عليه السلام) فيه عن السؤال عن الخزّ، بأنّه سبع يرعى في البرّ، ويأوي الماء(3).
فالحكم بجواز الصلاة في جلده محلّ إشكال، ولا ينفع في ذلك إطلاق رواية معمّر بن خلاّد المتقدّمة; لأنّ النسبة بينها، وبين ما يدلّ على المنع عن الصلاة في الميتة عموم من وجه، ولا دليل على ترجيحها عليه في مورد الاجتماع; وهي الصلاة في جلد الخزّ(4).
أقول: أمّا إلغاء الخصوصيّة في الفرض الأوّل، فمحلّ نظر بل منع; لأنّ
- (1 ، 2) تقدّم تخريجهما في ص272.
- (3) تهذيب الأحكام 9: 49 ذ ح205، وعنه وسائل الشيعة 24: 191، كتاب الأطعمة والأشربة، أبواب الأطعمة المحرّمة ب39 ح2.
- (4) نهاية التقرير 1: 402 ـ 403.
( صفحه 283 )
استثناء الوبر لا دلالة له بوجه على استثناء الحيوان بجميع أجزائه، حتّى عظمه ولحمه وروثه وأشباهه. نعم، لو كان الوبر متّصلاً بالجلد وملصقاً به نوعاً، يكون استثناؤه دالاًّ بالملازمة العرفيّة على استثناء الجلد أيضاً. وأمّا مع استقلاله وجواز أخذ الثوب من خصوصه ـ كما عرفت أنّه يستفاد ذلك من رواية سعد المتقدّمة ـ فلا ملازمة بين الاستثناءين.
وأمّا احتمال كونه ميتة، فعلى تقدير كونه حيواناً مائيّاً لا يعيش في خارج الماء، فالظاهر أنّه حينئذ لا يكون ممّا له نفس سائلة، وقد مرّ(1) في مبحث مانعيّة الميتة استظهار عدم كون الميتة من غير ذي النفس مانعة وإن احتاط فيها الماتن دام ظلّه.
وعلى تقدير احتمال تعيّشه في خارج الماء نقول: يدفع هذا الاحتمال صريح رواية ابن الحجّاج المتقدّمة(2)، ولا يبقى مجال له معها، والجمع بينها، وبين الرواية المذكورة ـ كما في الجواهر(3) ـ بحملها على إرادة أنّه لا يعيش خارج الماء زماناً طويلاً على تقدير صحّته، والغضّ عن عدم الشاهد عليه، لا ينافي
كون هذا المقدار الذي يعيش في خارج الماء غير قادح في ثبوت التذكية فيه، وموته خارج الماء وإن كان متأخّراً عن الخروج بمقدار قصير، كما لا يخفى.
مع أنّ تعارض الدليلين في مورد الاجتماع وإن كان يمنع عن الأخذ بأحدهما فيه بعد عدم ثبوت المرجّح، إلاّ أنّ تساقطهما فيه يوجب جواز
- (1) في 187 ـ 189.
- (2) في ص277.
- (3) جواهر الكلام 8 : 150.