( صفحه 121 )
وأمّا ما أفاده في المستمسك، فقد اُجيب(1) عنه بأنّ الظاهر كون الركوع الذي هو جزء من الصلاة هو الذي يكون من مقولة الفعل، والشاهد عليه كون القيام المتصل بالركوع ركناً; لأنّ المراد به هو القيام المتعقّب بالركوع الذي لا يكون بينه وبينه فصل، فمن أوّل انهدام القيام إلى البلوغ إلى حدّ الركوع يكون كلّها ركوعاً ومن أفعال الصلاة; ضرورة أنّ تعقّب القيام بالركوع المحصّل للقيام المتصل بالركوع هو بأن يركع عن قيام.
كما أنّ الظاهر أنّ السجود عبارة عن وضع الجبهة على الأرض بحيث يكون أوّل جزء من الوضع بنيّة سجود الصلاة، فلو وضع جبهته على الأرض بلا نيّة السجود لم يجز الاكتفاء به، بل قيل: إنّه لو وضع ثمّ نوى سجود الصلاة كان ذلك موجباً لزيادة السجدة; لأنّه بمجرّد الوضع تحقّق السجود، وحيث لم يكن بنيّة الصلاة لم يكن معدوداً من أفعالها، فهو سجود خارج عنها، وهذا معنى الزيادة.
وكيف كان، فلابدّ من النيّة قبل وضع الجبهة حتى يكون أوّل جزء منه مع النيّة. ومن المعلوم أنّ المقدار المتّصل بالوضع من الحركة المتّصلة به المحقّقة له يكون من أفعال الصلاة. نعم، رفع الرأس منهما لا يكون معدوداً من أفعال الصلاة.
ثمّ إنّه أفاد في المستمسك أيضاً وقال: إنّه لو تنزّلنا عن ذلك وقلنا: إنّ الواجب الصلاتي نفس الحركة من أوّل الانحناء عن القيام إلى أن ينتهي إلى حدّ الركوع، وهكذا في غير الركوع، فلا وجه للالتزام بأنّ المقام من
- (1) المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 12: 131.
( صفحه 122 )
صغريات مسألة الاجتماع; ضرورة أنّ الحركة الصلاتيّة الواجبة قائمة بالبدن، والحركة الغصبيّة المحرّمة قائمة بالمغصوب، فيكون إحداهما غير الاُخرى في الخارج.
ضرورة أنّ تباين المغصوب وبدن المكلّف يستلزم تباين الحركة القائمة بأحدهما، والحركة القائمة بالآخر، فيمتنع أن تكون الحركة الصلاتيّة عين التصرّف في المغصوب في الخارج، كي يكون المقام من صغريات مسألة الاجتماع. نعم، حركة البدن الصلاتيّة علّة لحركة المغصوب والتصرّف فيه، نظير حركة اليد التي هي علّة لحركة المفتاح، فإذا قلنا بأنّ علّة الحرام حرام، تكون الحركة الصلاتيّة محرّمة بالتحريم الغيري ـ إلى أن قال: ـ فهذا هو العمدة في البناء على بطلان الصلاة في الثوب المغصوب(1).
أقول: الظاهر أنّ تغاير الإضافة في باب الحركة لا توجب تعدّد الحركة; فإنّ قيام إحدى الحركتين بالمغصوب، والاُخرى بالبدن إنّما يوجب التغاير بحسب العنوان. وأمّا بحسب الوجود الخارجي، فهما واحد من الجهة الراجعة إلى فعل المكلّف، وما يوجد منه في الخارج; ضرورة أنّ ما هو الصادر منه في الخارج إنّما هي حركة واحدة لها إضافة إلى البدن، وإضافة إلى الثوب.
وأمّا وصف المتحرّكيّة، فلا خفاء في تعدّده; لأنّه تابع للموصوف، ولكنّه ليس بحرام، بل الحرام فعل المكلّف وما يصدر منه في الخارج، وهو ليس بمتعدّد ولو بتعدّد العليّة والمعلوليّة، فتدبّر. وتبعيّة الثوب للبدن مقتضاها حصول وصف التحرّك له تبعاً للبدن، لا كون عمل المكلّف متعدّداً.
- (1) مستمسك العروة الوثقى 5: 281.
( صفحه 123 )
وقد انقدح من جميع ما ذكرنا عدم تماميّة هذا الوجه أيضاً.
الخامس: الإجماع الذي ادّعاه جمع من الأصحاب(1).
والجواب: أنّ الإجماع في مثل هذه المسألة لا حجّية فيه، كما ذكرناه في صدر المسألة، ويؤيّد عدم ثبوت الإجماع التفصيل الذي استقربه في المعتبر، وقوّاه جمع من المحقّقين المتأخّرين عنه، وسيأتي البحث عنه(2); فإنّه مع ثبوت الإجماع لا يبقى للتفصيل سبيل أصلا.
السادس: بعض الروايات:
مثل ما رواه الصدوق قال: قال الصادق (عليه السلام) : لو أنّ الناس أخذوا ما أمرهم الله ـ عزّ وجلّ ـ به فأنفقوه فيما نهاهم عنه ما قبله منهم، ولو أخذوا ما نهاهم الله عنه فأنفقوه فيما أمرهم الله به ما قبله منهم، حتّى يأخذوه من حقّ، وينفقوه في حقّ(3). ورواه الكليني عن إسماعيل بن جابر، عنه (عليه السلام) مسنداً(4).
وما رواه في تحف العقول عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في وصيّته لكميل قال: يا كميل اُنظر فيما تصلّي؟ وعلى ما تصلّي؟ إن لم يكن من وجهه وحلّه فلا قبول. ورواه الطبرى في محكيّ بشارة المصطفى مسنداً(5).
والجواب عن الرواية الاُولى: أنّها وإن كانت معتبرة من حيث السند، إلاّ
- (1) في ص115.
- (2) في الصفحة الآتية.
- (3 ، 4) الفقيه 2: 31 ح121، الكافي 4: 32 ح4، وعنهما وسائل الشيعة 5: 119، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب2 ح1.
- (5) تحف العقول: 174، بشارة المصطفى: 57 ح43، وعنهما وسائل الشيعة 5: 119، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب2 ح2.
( صفحه 124 )
أنّ كلمة الإنفاق فيها ظاهرة في غير المقام; فإنّ الصلاة في المغصوب لا يعبّر عنها بإنفاق المغصوب فيها; فإنّ الإنفاق مرجعه إلى رفع اليد عن المال وصرفه، فهو يناسب صرف المغصوب في الإحسان إلى الغير مثلا، مع أنّ الكلام في نفي الصحّة، والرواية ظاهرة في نفي القبول. وبهذا يجاب عن الرواية الثانية، مضافاً إلى ضعف السند فيها وعدم الانجبار; لكونه متوقّفاً على الاستناد، ولا يتحقّق بمجرّد موافقة فتوى المشهور مع رواية ضعيفة،
كما لا يخفى.
السابع: بعض الوجوه الضعيفة الاُخرى، التي لا مجال للاستدلال بها أصلا، وصرف النظر عن التعرّض لها أولى.
وقد انقدح من جميع ما ذكرنا أنّه لم ينهض دليل على اعتبار إباحة التصرّف في الثوب في صحّة الصلاة، وأنّ العمدة من الوجوه المتقدّمة ما كان مبتنياً على مسألة اجتماع الأمر والنهي، وقد مرّ(1) أنّ القول بالجواز فيها
لا يستلزم بطلان المجمع إذا كانت عبادة، بل الظاهر صحّته كذلك، وإن أبيت إلاّ عن الاستلزام نقول بعدم كون المقام من صغريات تلك المسألة، لا لما أفاده في المستمسك ممّا تقدّم(2); لعدم تماميّته كما عرفت(3)، بل لما أفاده شيخنا المحقّق الحائري (قدس سره) في كتابه في الصلاة; من أنّ المحرّم إنّما هو التصرّف في اللباس من جهة لبسه.
وأمّا تغيير هيئاته بتبع حركات اللاّبس بمشيه أو قيامه أو قعوده، وأمثال
- (1) في ص117 و 120.
- (2 ، 3) في ص121.
( صفحه 125 )
ذلك ممّا لا يكون انتفاعاً آخر به سوى اللبس، ولا يكون موجباً لتلفه واندراسه، فلا يكون مبغوضاً آخر للمالك حتّى يتبعه النهي الشرعي; ضرورة أنّ المبغوض للمالك في حالات اللاّبس ـ من قيامه وقعوده وانحنائه ـ شيء واحد، وهو كونه لابساً، وليس مبغوضه في حال القيام أمران: أحدهما: كونه لابساً، والثاني: وجود هيئة خاصّة حاصلة للملبوس من جهة قيامه، وكذا في حال الانحناء.
فعلى هذا يكون المحرّم أمراً واحداً في مجموع الحالات; وهو التصرّف اللبسي، وكونه لابساً شيء، والركوع والسجود والقيام شيء آخر مقارن له، فلا يلزم من كونه محرّماً تحريم ما هو من أجزاء الصلاة(1).
بقي الكلام في التفصيل الذي ذكره المحقّق في المعتبر، قال: والأقرب أنّه إن كان ستر به العورة أو سجد عليه، أو قام فوقه، كانت الصلاة باطلة; لأنّ جزء الصلاة يكون منهيّاً عنه وتبطل الصلاة بفواته. أمّا إذا لم يكن كذلك لم تبطل، وكان كلبس خاتم مغصوب(2). وفي المدارك: أنّه المعتمد(3). وعن الذكرى وجامع المقاصد وإرشاد الجعفريّة والمقاصد العليّة والروض وكشف اللثام: أنّه قويّ(4).
أقول: أمّا الفرض الأوّل: وهو ما إذا ستر به العورة، فالظاهر عدم جريان
- (1) كتاب الصلاة: 47.
- (2) المعتبر 2: 92.
- (3) مدارك الأحكام 3: 182.
- (4) ذكرى الشيعة 3: 48 ـ 49، جامع المقاصد 2: 87 ، وحكى عن إرشاد الجعفريّة في مفتاح الكرامة 5: 529، المقاصد العليّة: 172، روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان 2: 547، كشف اللثام 3: 224 ـ 225.