( صفحه 136 )
ضرورة وجود الصبغ في الثوب حقيقة وحكماً، إلاّ أنّه لا يمكن استرداده إلى مالكه، وذلك لا يوجب صدق التلف عليه(1).
هذا، مضافاً إلى أنّ الارتكاز العقلائي هو: أنّ تولّد شيء من شيء يوجب إلحاقه به في الإضافة إلى مالكه، فثمرة الشجرة لمالكها وولد الحيوان لمالكه، ولا فرق في ذلك بين العين والأثر، فلا فرق بين مثل اللون كالبياض والسواد، وبين مثل طحن الحنطة وغزل الصوف وأشباههما، فاللون في المقام أثر الجوهر الذي كان ملكاً لمالكه وصار مغصوباً، فلا تجوز الصلاة في الثوب الملوّن به.
ثمّ إنّهم ذكروا أنّ الغاصب إذا أحدث في العين صفة محضة كانت كالصياغة، أو عينيّة كاللون، فليس له مطالبة المالك بشيء، وكذا المفلس إذا اشترى عيناً فأحدث فيها صفة محضة أو عينيّة ثمّ فلس، جاز للبائع أخذها، وليس للغرماء فيها شيء.
والظاهر أنّه لا فرق عندهم فيما ذكر بين أن لا تكون الصفة المذكورة موجبة لزيادة القيمة، وبين أن تكون، بل ربما قيل بأنّ عدم الاستحقاق في الصورة الاُولى ينبغي أن يعدّ من الضروريّات، واستظهر من الجواهر(2)الاتّفاق على عدم الاستحقاق في الصورة الثانية أيضاً، وأنّ الاستحقاق يختصّ بصورة كون الزيادة عيناً محضة، كالزرع والشجر(3).
- (1) كتاب الصلاة، تقريرات بحث المحقّق النائيني للآملي 1: 297.
- (2) جواهر الكلام 37: 142، وج25: 313 و 316 ـ 317 (ط.ق).
- (3) مستمسك العروة الوثقى 5: 287 ـ 288.
( صفحه 137 )
ومقتضى ما ذكر معاملة التلف في مثل اللون; لأنّ نفي جواز مطالبة المالك بشيء وإن كان ظاهره عدم استحقاق شيء من الماليّة، إلاّ أنّ الظاهر كون مرادهم عدم ثبوت إضافة ملكيّة للغاصب في العين التي أحدثت فيها الصفة، فيجوز للمالك التصرّف فيه بأيّ نحو شاء، وهذا لا ينطبق إلاّ على فرض تحقّق التلف وصيرورة مال الغاصب تالفاً بالصبغ.
كما أنّ نفي ثبوت حقّ للغرماء في العبارة المذكورة في مورد المفلّس، مرجعه إلى عدم ثبوت حقّ وإضافة فيه أصلا ولو بالنسبة إلى المفلّس، فتدبّر.
هذا، ولكن استظهر في تقريرات صلاة المحقّق النائيني (قدس سره) من الأصحاب(1)أنّهم ذكروا فيما إذا أحدث الغاصب زيادة عينيّة موجبة لزيادة القيمة كالصبغ، يستحقّ بقدر تفاوت قيمة الثوب الناشىء من تفاوت زيادة العين لا الصفة، فلو كان قيمة الثوب عشرة دراهم، وكان قيمة الصبغ درهماً، وصار قيمة الثوب بعد الصبغ أربعة عشر درهماً، فيلقى ثلاثة دراهم التي هي بإزاء الصّفة، ولا يستحقّها الغاصب، ويصير الغاصب شريكاً مع المالك في الثوب بنسبة درهم إلى مجموع قيمته(2).
ومقتضى هذا الاستظهار ثبوت حقّ للغاصب مع المالك للصبغ، بل ثبوت الشركة في ملكيّة العين، وهذا يغاير ما استظهر من الجواهر ممّا مرّ من
- (1) المبسوط 3: 77 ـ 78، تذكرة الفقهاء 2: 394 س2 (ط.ق)، مسالك الأفهام 12: 212، جواهر الكلام 37: 158 (ط.ق).
- (2) كتاب الصلاة، تقريرات بحث المحقّق النائيني للآملي 1: 297.
( صفحه 138 )
الاتّفاق على عدم الاستحقاق في مثل هذه الصورة.
وكيف كان، فالظاهر هنا كما في المتن من حكم العرف بتحقّق التلف وعدم بقاء شيء ممّا يتعلّق بمالك الصبغ بعد تحقّق الصبغ في هذا الفرض.
الفرع الثاني: هذه الصورة مع بقاء الجوهر الذي صبغ به في الثوب، وحكمه حكم الفرع الثالث الآتي.
الفرع الثالث: ما إذا خيط الثوب بخيوط مغصوبة، قال العلاّمة في محكيّ القواعد في هذه المسألة: فإن خيف تلفها لضعفها فالقيمة(1)، وعطف على ذلك في محكيّ جامع المقاصد قوله: ولو طلب المالك نزعها وإن أفضى إلى التلف وجب، ثمّ يضمن الغاصب النقص، ولو لم يبق لها قيمة غرّم جميع القيمة، ولا يوجب ذلك خروجها عن ملك المالك، كما سبق من أنّ جناية الغاصب توجب أكثر الأمرين، ولو استوعب القيمة أخذها ولم تدفع العين(2).
وعن المسالك في هذه المسألة: أنّه إن لم يبق له قيمة ضمن جميع القيمة، ولا يخرج بذلك عن ملك المالك كما سبق، فيجمع بين العين والقيمة(3).
لكن عن مجمع البرهان في هذه المسألة: اختيار عدم وجوب النزع، بل قال: يمكن أن لا يجوز، ويتعيّن القيمة; لكونه بمنزلة التلف، وحينئذ يمكن جواز الصلاة في هذا الثوب المخاط; إذ لا غصب فيه يجب ردّه، كما قيل بجواز المسح بالرطوبة الباقية من الماء المغصوب الذي حصل العلم به بعد إكمال
- (1) قواعد الأحكام 2: 235.
- (2) جامع المقاصد 6: 304 ـ 305.
- (3) مسالك الأفهام 12: 178.
( صفحه 139 )
الغسل وقبل المسح(1).
واستجوده صاحب الجواهر (قدس سره) في هذه المسألة من كتاب الغصب; معلّلا له باقتضاء ملك المالك القيمة خروج المغصوب عن ملكه; لكونها عوضاً شرعيّاً عنه(2).
ومن العجيب تصريح صاحبي جامع المقاصد والمسالك بعدم خروج الخيوط عن ملك المالك، وتصريح صاحب الجواهر بخلافه، وأنّ ملك القيمة يقتضي خروج المغصوب عن ملكه، مع حكمهم بخلاف ذلك في مسألة بدل الحيلولة، حيث إنّه يظهر من الأوّلين خروجه عن ملك مالك المبدل، ومن الأخير الخلاف.
قال المحقّق الثاني في محكيّ جامعه: إنّ هنا إشكالا; فإنّه كيف تجب القيمة ويملكها بالأخذ ويبقى العبد على ملكه، وجعلها في مقابلة الحيلولة لا يكاد يتّضح معناه(3).
وقال الشهيد الثاني (قدس سره) : إنّ هذا لا يخلو عن إشكال من حيث اجتماع العوض والمعوّض على ملك المالك من دون دليل واضح، ولو قيل بحصول الملك لكلّ منهما متزلزلا، أو توقّف ملك المالك للبدل على اليأس من العين ـ وإن جاز له التصرّف ـ كان وجهاً في المسألة(4).
- (1) مجمع الفائدة والبرهان 10: 521.
- (2) جواهر الكلام 37: 80 (ط.ق).
- (3) جامع المقاصد 6: 261.
- (4) مسالك الأفهام 12: 201.
( صفحه 140 )
وقال صاحب الجواهر بعد حكاية الكلامين: لكنّه مخالف لما عرفته من الاتّفاق المؤيّد بمعلوميّة عدم اعتبار توقّف ملكيّة المالك القيمة على الغاصب على خروج المغصوب عن قابليّة التملّك ـ إلى أن قال: ـ فالقيمة المدفوعة حينئذ مملوكة، والعين باقية على الملك; للأصل، ولأنّها مغصوبة، وكلّ مغصوب مردود، وأخذ القيمة غرامة للدليل الشرعي لا ينافي ذلك ـ إلى أن قال في الاستدلال على ذلك: ـ مضافاً إلى أصالة بقائه على ملكه، وإلى ما عرفته من الاتّفاق عليه، ولذا لم يذكروا خلافاً، بل ولا إشكالا في ملك نمائه المنفصل له.
ودعوى أنّه من الجمع بين العوض والمعوّض عنه الممنوع عنه شرعاً، واضحة الفساد(1).
وكيف كان، فمسألة صحّة الصلاة في الثوب المخيط بخيط مغصوب، وبطلانها يبتني على بقاء الخيط على ملك مالكه وعدمه، وصيرورته تالفاً عرفاً، والعمدة في هذه الجهة ملاحظة أنّ أدلّة(2) لزوم الغرامة هل تقتضي ثبوت معاوضة شرعيّة قهريّة، أم لا؟ والظاهر هو الثاني; لظهور دليل الغرامة في لزوم تدارك ما فات عن المالك بسبب التصرّف في العين المغصوبة، أو كونها بيده.
ومن الواضح: أنّ ما فات عن المالك في مسألة الخيوط ليس إلاّ الأوصاف
- (1) جواهر الكلام 37: 130 ـ 132 (ط.ق).
- (2) عوائد الأيّام: 83 ، العناوين 2: 440 ـ 443، القواعد الفقهيّة للمحقّق البجنوردي 1: 269 ـ 277، القواعد الفقهيّة للمؤلّف (قدس سره) : 219 ـ 228.