( صفحه 139 )
الغسل وقبل المسح(1).
واستجوده صاحب الجواهر (قدس سره) في هذه المسألة من كتاب الغصب; معلّلا له باقتضاء ملك المالك القيمة خروج المغصوب عن ملكه; لكونها عوضاً شرعيّاً عنه(2).
ومن العجيب تصريح صاحبي جامع المقاصد والمسالك بعدم خروج الخيوط عن ملك المالك، وتصريح صاحب الجواهر بخلافه، وأنّ ملك القيمة يقتضي خروج المغصوب عن ملكه، مع حكمهم بخلاف ذلك في مسألة بدل الحيلولة، حيث إنّه يظهر من الأوّلين خروجه عن ملك مالك المبدل، ومن الأخير الخلاف.
قال المحقّق الثاني في محكيّ جامعه: إنّ هنا إشكالا; فإنّه كيف تجب القيمة ويملكها بالأخذ ويبقى العبد على ملكه، وجعلها في مقابلة الحيلولة لا يكاد يتّضح معناه(3).
وقال الشهيد الثاني (قدس سره) : إنّ هذا لا يخلو عن إشكال من حيث اجتماع العوض والمعوّض على ملك المالك من دون دليل واضح، ولو قيل بحصول الملك لكلّ منهما متزلزلا، أو توقّف ملك المالك للبدل على اليأس من العين ـ وإن جاز له التصرّف ـ كان وجهاً في المسألة(4).
- (1) مجمع الفائدة والبرهان 10: 521.
- (2) جواهر الكلام 37: 80 (ط.ق).
- (3) جامع المقاصد 6: 261.
- (4) مسالك الأفهام 12: 201.
( صفحه 140 )
وقال صاحب الجواهر بعد حكاية الكلامين: لكنّه مخالف لما عرفته من الاتّفاق المؤيّد بمعلوميّة عدم اعتبار توقّف ملكيّة المالك القيمة على الغاصب على خروج المغصوب عن قابليّة التملّك ـ إلى أن قال: ـ فالقيمة المدفوعة حينئذ مملوكة، والعين باقية على الملك; للأصل، ولأنّها مغصوبة، وكلّ مغصوب مردود، وأخذ القيمة غرامة للدليل الشرعي لا ينافي ذلك ـ إلى أن قال في الاستدلال على ذلك: ـ مضافاً إلى أصالة بقائه على ملكه، وإلى ما عرفته من الاتّفاق عليه، ولذا لم يذكروا خلافاً، بل ولا إشكالا في ملك نمائه المنفصل له.
ودعوى أنّه من الجمع بين العوض والمعوّض عنه الممنوع عنه شرعاً، واضحة الفساد(1).
وكيف كان، فمسألة صحّة الصلاة في الثوب المخيط بخيط مغصوب، وبطلانها يبتني على بقاء الخيط على ملك مالكه وعدمه، وصيرورته تالفاً عرفاً، والعمدة في هذه الجهة ملاحظة أنّ أدلّة(2) لزوم الغرامة هل تقتضي ثبوت معاوضة شرعيّة قهريّة، أم لا؟ والظاهر هو الثاني; لظهور دليل الغرامة في لزوم تدارك ما فات عن المالك بسبب التصرّف في العين المغصوبة، أو كونها بيده.
ومن الواضح: أنّ ما فات عن المالك في مسألة الخيوط ليس إلاّ الأوصاف
- (1) جواهر الكلام 37: 130 ـ 132 (ط.ق).
- (2) عوائد الأيّام: 83 ، العناوين 2: 440 ـ 443، القواعد الفقهيّة للمحقّق البجنوردي 1: 269 ـ 277، القواعد الفقهيّة للمؤلّف (قدس سره) : 219 ـ 228.
( صفحه 141 )
التي لها دخل في الماليّة.
وأمّا الملكيّة، فهي باقية بحالها; ضرورة عدم دورانها مدار الماليّة، فملكيّة المغصوب منه للقيمة بدلا لا تقتضي زوال ملكيّته عن الخيوط المغصوبة، بل هي بعد باقية على ملكها.
ويدلّ على عدم كون الغرامة ملازمة لتحقّق المعاوضة، وضوح ثبوتها مع التلف الحقيقي للعين، مع أنّه لا يعقل هناك معاوضة، فالغرامة لا دلالة لها على المعاوضة، وأدلّة نفي الضرر(1) بناءً على ارتباطها بباب الأحكام الشرعيّة قاصرة عن إفادة الملكيّة، خصوصاً مع كون مقتضى الأصل أيضاً البقاء على ملك المالك، فالإنصاف هو البطلان في مسألة الصلاة.
الفرع الرابع: الفروع التي نفى الإشكال عن الصحّة فيها في المتن، والوجه في الحكم بها واضح; لأنّ منع الأجير كالصبّاغ والخيّاط عن اُجرته لا يوجب حقّاً له في العين أصلا، وهكذا سائر الفروض.
- (1) عوائد الأيّام: 43، العناوين 1: 304، القواعد الفقهيّة للمحقّق البجنوردي 1: 211، الرسائل للإمام الخميني (قدس سره) : 6.
( صفحه 142 )
اعتبار كون لباس المصلّي مذكّى
الثالث: أن يكون مذكّى من مأكول اللحم، فلا تجوز الصلاة في جلد غير المذكّى، ولا في سائر أجزائه التي تحلّه الحياة ولو كان طاهراً من جهة عدم كونه ذا نفس سائلة، كالسمك على الأحوط، وتجوز فيما لا تحلّه الحياة من أجزائه، كالصوف والشعر والوبر ونحوها 1 .
1 ـ ظاهر المتن: أنّ اعتبار التذكية في لباس المصلّي، وكونه من غير ما يحرم أكل لحمه، يرجع إلى اعتبار أمر واحد، ومدخليّة شيء فارد، مع أنّ الظاهر من كلمات الأصحاب (قدس سرهم) أنّ هنا أمرين:
أحدهما: اعتبار التذكية في مثل الجلد الذي يتّخذ لباساً ويصلّى فيه.
والآخر: عدم كونه من غير المأكول ولو لم يعرض له الموت، كما إذا صلّى في وبره أو شعره مثلا، ولأجله نتكلّم نحن في أمرين:
الأوّل: اعتبار عدم كونه من أجزاء الميتة، ولا إشكال في أصل الحكم ولا خلاف ظاهراً، بل عن كثير من الكتب الفقهيّة دعوى الإجماع عليه(1)، ولم ينقل الخلاف فيه من أحد ولو بنحو الإجمال، ولأجله اعترض(2) على الشهيد في الذكرى ـ حيث استثنى «من شذّ»(3) ـ بأنّه لم يعلم المراد منه;
- (1) الخلاف 1: 60 ـ 62 مسألة 9، غنية النزوع: 66، المعتبر 2: 77، منتهى المطلب 4: 202، تذكرة الفقهاء 2: 463 مسألة 117، جامع المقاصد 2: 80 ، مجمع الفائدة والبرهان 2: 93، مدارك الأحكام 3: 157، مفاتيح الشرائع 1: 108، مفتاح الكرامة 5: 456، جواهر الكلام 8 : 81 ، مستمسك العروة الوثقى 5: 296، المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 12: 148.
- (2) المعترض هو صاحب مفتاح الكرامة 5: 456 ـ 457، وجواهر الكلام 8 : 82 .
- (3) ذكرى الشيعة 3: 28.
( صفحه 143 )
للاتّفاق على عدم جواز الصلاة في أجزاء الميتة حتّى ممّن قال بطهارة الجلد بالدباغ ] من الأصحاب [ (1)،(2) خلافاً للعامّة(3) القائلين بجواز استعمالها والانتفاع بها في غير حال الصلاة، وبصحّة الصلاة فيها إذا كانت مدبوغة.
والأخبار(4) الواردة في هذه المسألة بالغة حدّ الاستفاضة، بل ربما ادّعي تواترها(5); ولأجله لا حاجة إلى ذكرها للاستدلال بها، فأصل الحكم يكون كالمسلّم بينهم، فاللاّزم التكلّم في الجهات الاُخر:
منها: أنّ اعتبار هذا الأمر في الصلاة هل هو بعنوان شرطيّة التذكية، أو على نحو مانعيّة الميتة؟ ظاهر المتن الأوّل، ولابدّ لتحقيق هذه الجهة من ملاحظة معنى المذكّى والميتة أوّلا، فنقول:
لا إشكال في أنّ التذكية عبارة عن الأمر الوجودي العارض لبعض الحيوانات حينما يزهق روحه، ولا فرق في ذلك بين أن يقال بأنّها عبارة عن مجرّد فري الأوداج الأربعة مع سائر الشرائط; من الاستقبال والتسمية وغيرهما، وبين أن يقال بأنّها عبارة عن الأمر المتحصّل من ذلك، بضميمة وجود القابليّة المتحقّقة في خصوص ما يتّصف بكونه مذكّى من الحيوانات;
- (1) من مجمع الفائدة والبرهان 2: 93.
- (2) حكى القول بالطهارة بالدبغ عن الشلمغاني وابن الجنيد في ذكرى الشيعة 1: 134.
- (3) المجموع 1: 268 ـ 280، بداية المجتهد 1: 80 ـ 81 ، المغنى لابن قدامة: 55 ـ 59، الشرح الكبير 1: 64 ـ 71، الخلاف 1: 60 ـ 61 مسألة 9، تذكرة الفقهاء 2: 232 ـ 235 مسألة 328.
- (4) وسائل الشيعة 3: 501 ـ 503، كتاب الطهارة، أبواب النجاسات ب61، وج4: 343 ـ 344، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب1.
- (5) جامع المقاصد 2: 80 ، مصباح الفقيه 10: 196، مستمسك العروة الوثقى 5: 297.