( صفحه 299 )
بعنوان واحد.
وعليه: فلابدّ إمّا من التصرّف في روايات اللبس بكون المراد منه الزينة، وتؤيّده رواية النميري المتقدّمة المشتملة على ذكر اللبس بعد عنوان الزينة. وإمّا من التصرّف في روايات الزينة بحملها على أنّ المراد بها اللبس، مؤيّداً بما ورد في تفسير قوله ـ تعالى ـ : ( خُذُوا ْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِد )(1) من أنّ المراد بها هو اللباس(2).
والظاهر رجحان الاحتمال الثاني; لأنّ حمل الزينة على اللباس أهون من العكس، خصوصاً مع ملاحظة التأييد المذكور، وما في الجواهر(3) في كتاب الشهادات من دعوى الإجماع بقسميه على حرمة التحلّي به، فالظاهر أنّه ليس المراد به هو التحلّي في مقابل التلبّس، بل تحلّي الرجل في مقابل تحلّي المرأة، وهو لا ينافي أن يكون المراد به هو التلبّس، كما لا يخفى.
فالإنصاف أنّ المستفاد من الروايات المتقدّمة هي حرمة تلبّس الرجل للذهب، ويؤيّده ما دلّ على جواز شدّ الأسنان بالذهب.
كصحيحة محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) في حديث: أنّ أسنانه استرخت فشدّها بالذهب(4).
وما دلّ على جواز تحلية السيف بالذهب مع كونه معلّقاً على الرجل نوعاً.
- (1) سورة الأعراف 7: 31.
- (2) تفسير العيّاشي 2: 14 ح29، مجمع البيان 4: 412، وعنهما وسائل الشيعة 4: 455، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب54 ح5 و 6.
- (3) جواهر الكلام 41: 54 (ط.ق).
- (4) الكافي 6: 482 ح3، وعنه وسائل الشيعة 4: 416، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب31 ح1.
( صفحه 300 )
كصحيحة عبدالله بن سنان، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: ليس بتحلية السيف بأس بالذهب والفضّة(1).
وعلى ما ذكرنا فما لم يتحقّق عنوان التلبّس لا يتحقّق المحرّم، فالأسنان المشدودة بالذهب، أو المشبّكة به، أو المبدّلة به لا مانع منها أصلاً; من دون
فرق بين الثنايا وغيرها، ومن دون فرق بين ما إذا قصد التزيّن، وما إذا لم يقصد، ويستفاد من المتن ـ حيث احتاط وجوباً بالاجتناب عن الثنايا مع قصد التزيّن ـ أنّ الملاك عنده التزيّن، مع أنّ ظاهر صدره أنّ الملاك هو التلبّس.
وكذا لا بأس بجعل قاب الساعة من الذهب; لعدم صدق التلبّس به، وعدم كونه آنية حتّى يحرم من جهة كونه من أواني الذهب، والظاهر عدم الحرمة بناءً على حرمة التزيّن أيضاً; لعدم تحقّقه مع كونه في الجيب نوعاً. نعم، مع شدّه بالسوار كما هو المعمول في هذه الأزمنة يشكل الأمر مع فرض كون جوانبه منه.
وأمّا إذا كان زنجيرها منه، فإن كان في جيبه ولم يكن معلّقاً على رقبته أو لباسه، فالظاهر أنّه لا مانع منه أصلاً على كلا المبنيين، كما أنّه إذا كان معلّقاً على رقبته، فهو حرام على كليهما; لصدق التلبّس والتزيّن معاً. وأمّا إذا كان معلّقاً على لباسه، فالظاهر صدق التزيّن دون التلبّس، ومجرّد تعليقه على اللباس لا يوجب تحقّقه، كما إذا علّق الخاتم على اللباس فرضاً.
ثمّ إنّه لا فرق في الحرمة بين أن يكون لباس الذهب خالصاً، أو ممزوجاً،
- (1) الكافي 6: 475 ح5، وعنه وسائل الشيعة 5: 104، كتاب الصلاة، أبواب أحكام الملابس ب64 ح1.
( صفحه 301 )
أو ملحماً به، أو مذهّباً بالتمويه والطلي مع صدق لبس الذهب، قال في محكيّ كشف الغطاء: الشرط الثالث: أن لا يكون هو أو جزؤه ـ ولو جزئيّاً أو طليه ممّا يُعدّ لباساً أو لبساً ولو مجازاً بالنسبة إلى الذهب ـ من الذهب; إذ لبسه ليس على نحو لبس الثياب; إذ لا يعرف ثوب مصوغ منه، فلبسه إمّا بالمزج، أو التذهيب، أو التحلّي(1).
ويمكن الإيراد عليه بأنّه إنّما يتمّ لو كان المذكور في الروايات في متعلّق النهي هو عنوان لبس الثوب من الذهب; فإنّه يصحّ أن يقال حينئذ بأنّه لا يعرف ثوب مصوغ منه، فلبسه إمّا بالمزج أو مثله، وأمّا لو كان المذكور فيها هو عنوان لبس الذهب، كما هو كذلك، فلا يتمّ ما أفاده; لعدم اختصاص اللبس بالثوب، بل يعمّ مثل الخاتم والسوار والقلادة ممّا يمكن أن يكون بجميع أجزائه بحسب المتعارف ذهباً، فالملاك حينئذ صدق اللبس في جميع الموارد.
المقام الثاني: في الحكم الوضعيّ المتعلّق بلبس الذهب في الصلاة، وقد ادّعي الإجماع بل الضرورة في هذا المقام أيضاً(2)، ولكنّ الظاهر أنّه ليس كذلك، ولم يتعرّض له الشيخ في المبسوط، مع أنّه أوّل المتعرّضين للمقام الأوّل، بل ظاهره باعتبار عدم التعرّض له في ضمن ما لا تجوز الصلاة فيه عدم البطلان.
- (1) كشف الغطاء 3: 21.
- (2) الخلاف 1: 507 ـ 508 مسألة 250، بحار الأنوار 83 : 251، الدُرّة النجفيّة: 106، وحكى في مفتاح الكرامة 5: 443، عن الشيخ نجيب الدين أنّه لا خلاف فيه، مستند الشيعة 4: 383، جواهر الكلام 8 : 180 ـ 181.
( صفحه 302 )
نعم، ذكر العلاّمة في التذكرة أنّ الثوب المموّه بالذهب لا تجوز الصلاة فيه للرجال، وكذا الخاتم المموّه به; للنهي عن لبسه، وقال أيضاً: لو كان في يده خاتم من ذهب أو مموّه به بطلت صلاته; للنهي عن الكون فيه، ولقول الصادق (عليه السلام) : جعل الله الذهب حلية أهل الجنّة، فحرّم على الرجال لبسه والصلاة فيه(1)،(2).
وكيف كان، فعمدة ما استدلّ به على البطلان أمران:
أحدهما: الأخبار الواردة في الباب، الظاهرة في البطلان، مثل:
موثّقة عمّار بن موسى، عن أبي عبدالله (عليه السلام) المتقدّمة(3) في المقام الأوّل، المشتملة على قوله (عليه السلام) : «لا يلبس الرجل الذهب، ولا يصلّي فيه; لأنّه من لباس أهل الجنّة».
وكذا مرسلة موسى بن أكيل النميري، المتقدّمة(4) في ذلك المقام أيضاً، عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، المشتملة على قوله (عليه السلام) : «وجعل الله الذهب في الدنيا زينة النساء، فحرّم على الرجال لبسه والصلاة فيه».
فإنّ النهي عن الصلاة في الموثّقة إنّما ظاهره الإرشاد إلى الفساد والمانعيّة، كما هو الشأن في مثله من النواهي المتعلّقة بالمعاملة الخاصّة والعبادة المخصوصة; فإنّ ظاهرها عدم حصول الغرض المقصود، وعدم ترتّب الأثر من حصول المكلّف به في الخارج، أو تحقّق الأثر المعاملي، كالملكيّة والزوجيّة
- (1) المعتبر 2: 92، وهذه الرواية هي مضمون مرسلة موسى بن أكيل النميري المتقدّمة في ص208 ـ 209.
- (2) تذكرة الفقهاء 2: 471 و 476.
- (3 ، 4) في ص297.
( صفحه 303 )
ونحوهما، ولا منافاة بين كون النهي عن الصلاة للإرشاد، وبين كون النهي عن اللّبس للتكليف وإن كانا في سياق واحد.
وهكذا التحريم بلفظه في المرسلة; فإنّ تعلّقه باللبس ظاهر في الحكم المولوي، وبالصلاة فيه ظاهر في الحكم الإرشاديّ الذي مرجعه إلى البطلان، ولا منافاة بينهما.
وربما يقال بالبطلان ولو على تقدير دلالة الروايتين على الحكم المولوي; نظراً إلى أنّ المبغوض لا يمكن أن يكون مقرّباً، فلا تصحّ العبادة; لأنّ صلاحيّتها للتقرّب معتبرة في صحّتها، وتعلّق الأمر بطبيعة الصلاة مجرّدة عن ملاحظة تحيّثها بحيثيّات مختلفة، والنهي بإيجادها في الذهب وإيقاعها فيه وإن كان يوجب التغاير بين المتعلّقين، لكنّه من مصاديق مسألة اجتماع الأمر
والنهي، والحقّ في تلك المسألة وإن كان هو القول بالجواز، إلاّ أنّه لا يمنع من الحكم ببطلان العبادة التي اجتمع فيها الأمر والنهي; لعدم صلاحيّتها للتقرّب، كما تقدّمت الإشارة إليها آنفاً(1).
هذا ولكن حقّقنا في الاُصول(2) أنّ الحقّ هي صحّة العبادة بعد فرض القول بالجواز، فلا مجال لهذا القول.
ثانيهما: لزوم اجتماع الأمر والنهي، كما استدلّ به العلاّمة في التذكرة في عبارته المتقدّمة، وتقريبه: أنّ النهي إنّما تعلّق بلبس الذّهب على الرجال، والأمر إنّما تعلّق بالتستّر; ضرورة أنّه يجب أن يكون المصلّي متستّراً، وبين
- (1) اُنظر نهاية التقرير 1: 428.
- (2) دراسات في الاُصول 2: 28 ـ 35، سيرى كامل در اصول فقه 6: 529 ـ 558.