( صفحه 318 )
فكتب (عليه السلام) : لا تحلّ الصلاة في حرير محض(1).
وفي الاُخرى قال: كتبت إلى أبي محمّد (عليه السلام) أسأله هل يصلّى في قلنسوة عليها وبر ما لا يؤكل لحمه، أو تكّة حرير محض، أو تكّة من وبر الأرانب؟ فكتب: لاتحلّ الصلاة في الحرير المحض، وإن كان الوبر ذكيّاً حلّت الصلاة فيه إن شاء الله تعالى(2).
والظاهر اتّحاد المكاتبتين; بمعنى وقوع المكاتبة مرّة واحدة، وكون الرواية واحدة وإن جعلها في الوسائل روايتين ونقلهما في باب واحد.
واللاّزم التكلّم في مفاد الرواية ومدلولها، فنقول:
لا تنبغي المناقشة في ظهور السؤال فيها، في كون المجهول للسائل هو حكم الصلاة في قلنسوة حرير محض. وبعبارة اُخرى: المجهول له هو الحكم الوضعيّ المرتبط بالصلاة، وذكر القلنسوة يحتمل أن يكون من جهة وضوح الحكم الوضعي في غيرها ممّا تتمّ فيه الصلاة منفرداً عند السائل.
وعليه: يكون ذكرها من باب المثال لما لا تتمّ فيه الصلاة فقط، ويحتمل أن يكون من جهة جهله بأصل الحكم الوضعيّ المتعلّق بالحرير، وتخصيص القلنسوة إنّما هو من جهة تعارف استعماله في بلده، وكونه مورداً لابتلائه مثلا.
وعليه: فيكون محطّ السؤال هو الحكم الوضعي مطلقاً بعد وضوح الحكم النفسي لدى السائل، وتقييد الحرير بالمحوضة، لا يصلح لترجيح أحد
- (1) تقدّمت في ص186.
- (2) تقدّمت في ص181.
( صفحه 319 )
الاحتمالين على الآخر. نعم، لا تبعد دعوى كون الظاهر من السؤال هو الاحتمال الأوّل.
وأمّا الجواب، فالظاهر بلحاظ إسناد عدم الحلّية إلى الصلاة في الحرير أنّ نفي الحلّية إرشاد إلى البطلان وفساد الصلاة فيه، كما هو الشأن في مثله من النواهي المتعلّقة بالعبادات والمعاملات مع الخصوصيّات المأخوذة فيها، والحكم في الجواب وإن كان مطلقاً، إلاّ أنّ شموله لمورد السؤال بلحاظ كونه جواباً عنه إنّما هو بالنصوصيّة والصراحة، وعلى ما ذكرنا فالجواب منطبق على السؤال.
ولا وجه لما يقال: من احتمال إرادة الثوب من الحرير لو لم نقل بأنّه المنساق منه، كما عن المختلف والشهيد الاعتراف به(1)، بل قيل: إنّ الحرير المحض لغة هو الثوب المتّخذ من الإبريسم(2). وعليه: يكون الجواب عن السؤال متروكاً، ولعلّ ذلك لإشعار الحكم بالصحّة فيه بالبطلان في غيره، وهو مخالف للتقيّة; لصحّة الصلاة عندهم(3) وإن حرم اللبس، من غير فرق بين ما تتمّ الصلاة فيه وغيره، فعدل الإمام (عليه السلام) إلى بيان حرمة الصلاة المسلّمة عندهم وإن اقتضى ذلك الفساد عندنا دونهم، بل في التعبير بنفي الحلّ دون نفي الصحّة إيماء إلى ذلك.
- (1) مختلف الشيعة 2: 104، وراجع ذكرى الشيعة 3: 44، ولم نعثر على تصريح منه عاجلاً. نعم، حكى عنهما في مفتاح الكرامة 5: 503، وجواهر الكلام 8 : 206.
- (2) لسان العرب 2: 58، معجم تهذيب اللغة 1: 780، مصابيح الظلام 6: 310.
- (3) تقدّم في ص310.
( صفحه 320 )
والوجه في بطلان هذا الاحتمال ـ مضافاً إلى حمل الجواب على كونه عدولا، وجعل السؤال متروكاً لا ينطبق عليه الجواب، ممّا لا وجه له ـ أنّ إسناد نفي الحلّية إلى الصلاة ظاهر عند العامّة أيضاً في الإرشاد إلى البطلان ونفي الصحّة، وما هو الثابت عندهم إنّما هي الحرمة المتعلّقة باللبس(1)، ولا ترتبط بالصلاة بوجه، فكيف يتحقّق معه رعاية التقيّة؟ والبطلان عندنا أيضاً ليس لأجل الملازمة، بل لظهور مثل المكاتبتين في البطلان ابتداءً.
ودعوى كون الحرير هو الثوب المتّخذ من الإبريسم احتمالا، أو انصرافاً، أو لغة، مدفوعة بأنّ توصيف القلنسوة في السؤال بالحرير المحض، أو إضافتها إليه ينافي ذلك جدّاً.
ومستند الجواز، ما رواه الشيخ بإسناده، عن سعد، عن موسى بن الحسن، عن أحمد بن هلال، عن ابن أبي عمير، عن حمّاد، عن الحلبي، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: كلّ ما لا تجوز الصلاة فيه وحده فلا بأس بالصلاة فيه، مثل التكّة الإبريسم، والقلنسوة، والخفّ، والزنّار يكون في السراويل ويصلّى فيه(2).
ونوقش في السند باعتبار أحمد بن هلال المذموم الملعون، كما عن الكشي(3)، الغالي المتّهم في دينه كما عن الفهرست(4)، الذي رجع عن التشيّع
- (1) الاُمّ 1: 91، المغني لابن قدامة 1: 626، الشرح الكبير 1: 471، المجموع 3: 181، وج4: 377، بداية المجتهد 1: 119.
- (2) تقدّمت في ص184.
- (3) اختيار معرفة الرجال، المعروف بـ «رجال الكشّي»: 535، الرقم 1020.
- (4) الفهرست للشيخ الطوسي: 83 ، الرقم 107.
( صفحه 321 )
إلى النصب، كما عن سعد بن عبدالله(1)، الذي لا نعمل على ما يختصّ بروايته، كما عن التهذيب(2)، أو روايته غير مقبولة، كما عن الخلاصة(3)، وقد ورد التوقيع عن العسكري (عليه السلام) في مذمّته بقوله (عليه السلام) : احذروا الصوفيّ المتصنّع(4)،(5).
ولكنّ المناقشة مندفعة ـ مضافاً إلى ما حكي عن ابن الغضائري مع كونه مسارعاً في التضعيف; من أنّه لم يتوقّف في حديثه عن ابن أبي عمير، والحسن بن محبوب; لأنّه قد سمع كتابيهما جلّ أصحاب الحديث(6); وإن كان يمكن أن يقال باختصاص ذلك بخصوص نوادر الأوّل، ومشيخة الثاني، مع أنّه لا يفيد ذلك بالنسبة إلينا; حيث لا يحضرنا كتاباهما.
ومضافاً إلى أنّ الرجل في أوّل أمره كان مستقيماً(7)، بل كان من أعيان الطائفة ووجوهها وثقاتها(8)، وظاهر أنّ رواية مثل موسى بن الحسن عنه إنّما كان في حال استقامته; لبعد الرواية عنه مع ورود ذموم هائلة في حقّه ـ :
باعتماد الطرفين في المقام على الرواية; لأنّ القائل بالمنع إنّما يرجّح دليله عليها، لا أنّه يقول بعدم حجّيتها، وكذا المتوقّف في المسألة; فإنّه لم يحك عن
- (1) حكى عنه في كمال الدين: 76.
- (2) تهذيب الأحكام 9: 204 ذ ح812 .
- (3) خلاصة الأقوال: 320، الرقم 1256.
- (4) اختيار معرفة الرجال، المعروف بـ «رجال الكشّي»: 535، الرقم 1020.
- (5) ذكر المناقشة في مستمسك العروة الوثقى 5: 365، ثمّ أجاب عنها.
- (6) حكى عنه في خلاصة الأقوال في معرفة الرجال: 320، الرقم 1256.
- (7) كمال الدين: 204 ح13، العُدّة في اُصول الفقه 1: 151.
- (8) اختيار معرفة الرجال، المعروف بـ «رجال الكشّي»: 535، الرقم 1020، المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 12: 332 ـ 336، معجم رجال الحديث 2: 358، الرقم 1005.
( صفحه 322 )
أحد طرح الرواية باعتبار السند، فهي تامّة من جهة السند والدلالة.
ولابدّ أوّلا من ملاحظة أنّه هل يمكن الجمع بينها، وبين رواية المنع، وعلى تقدير عدم الإمكان ولزوم الرجوع إلى المرجّحات أنّ المرجح مع أيّهما.
فنقول: الذي يستفاد من الكلمات في مقام الجمع وجوه ثلاثة، وقبل التعرّض لها نقول:
لا إشكال في الجمع إذا حمل مستند المنع على كون السؤال فيه إنّما هو عن الحكم الوضعيّ المتعلّق بالحرير مطلقاً; من دون فرق بين القلنسوة وغيرها ممّا تتمّ فيه الصلاة وحده; فإنّه على هذا التقدير يكون السؤال والجواب فيه كلاهما مطلقين شاملين لما تتمّ فيه الصلاة أيضاً; فإنّه حينئذ تكون رواية الحلبي مقيّدة لإطلاق دليل المنع، ويكون الجمع حينئذ من الجمع بين المطلق والمقيّد، فالإشكال إنّما هو على غير هذا الفرض، وهو الظاهر كما عرفت.
الأوّل: ما أفاده سيّدنا العلاّمة الاُستاذ البروجردي ـ قدّس سرّه الشريف ـ من أنّه لمّـا كان بطلان الصلاة في الحرير غير معروف عند العامّة، وإنّما ذهب إليه بعضهم(1) استناداً إلى أنّ حرمة لبسه تقتضي بطلان الصلاة فيه، وإنّما المعروف بينهم حرمة لبس الحرير مطلقاً(2). ومن المعلوم عدم الفرق عندهم بين ما لا تتمّ وغيره أصلا، كما أنّهم لا يفرّقون في بعض الموانع الذي يقولون به بينهما، كالنجاسة وغيرها.
وحينئذ فيمكن أن يقال: إنّ الجواب عن السؤال بالجواز فيما لا تتمّ
- (1) تقدّم تخريجه في ص310.
- (2) تقدّم تخريجه في ص320.