( صفحه 360 )
ومنه يظهر أنّ من سجد على أرض مغصوبة بطل سجوده وإن كان الفضاء مباحاً له، ومن سجد على أرض مباحة صحّ سجوده وإن كان الفضاء مغصوباً، فمن صلّى في الدار المغصوبة لا تفسد صلاته، إلاّ إذا كان وضع جبهته ومساجده على مواضعها تصرّفاً في المغصوب.
ودعوى أنّه يعتبر في الصلاة القرار على شيء ولو كان مثل الطيّارة في هذه الأعصار، فمن صلّى في الهواء بين السماء والأرض لا تصحّ صلاته; لفقد القرار، وحينئذ فالصلاة في الدار المغصوبة باطلة; لاتّحاد القرار على الأرض في القيام، والجلوس والركوع مع التصرّف في المغصوب.
مدفوعة بأنّه على تقدير الاعتبار لا دليل على كونه بنحو الجزئيّة، بل يمكن أن يكون بنحو الشرطيّة، وشروط العبادة من حيث هي شروط عبادة لا يعتبر فيها التقرّب.
وعلى ما ذكرنا ينحصر الحكم ببطلان العبادة في المغصوب بما لو كان وضع المساجد على محالّها تصرّفاً فيه، فلو اتّفق عدم كونه كذلك لم يكن وجه للفساد، مع أنّ ظاهرهم الحكم بالبطلان مطلقاً.
الثاني: وجود الاختلاف في مسألة اجتماع الأمر والنهي، وثبوت الاتّفاق على البطلان في المقام.
ودعوى(1) أنّ القائل بالاجتماع أيضاً يقول ببطلان العبادة; نظراً إلى أنّ المقرّب لا يمكن أن يكون مبعّداً وبالعكس، فثبوت النهي مانع عن التقرّب بالمجمع.
مدفوعة بأنّ الظاهر وفاقاً لأكثر القائلين به صحّة العبادة في هذه الصورة،
- (1) راجع نهاية التقرير 1: 491.
( صفحه 361 )
والمقرّب إنّما هو الوجود الخارجي بلحاظ كونه مصداقاً لعنوانه، ولا ينافي أن يكون مبعّداً بلحاظ كونه مصداقاً لعنوان آخر.
وبعبارة اُخرى: كما أنّه لا مانع من اجتماع الأمر والنهي، كذلك لا مانع من اجتماع القرب والبعد بلحاظ العنوانين; لعدم كون الوجود الخارجي مع قطع النظر عن العنوانين مبعّداً ولا مقرّباً.
بل يمكن القول بالصحّة على فرض الامتناع، وتقديم جانب النهي; نظراً إلى ثبوت الملاك وكفايته في الصحّة، كما في مورد الترتّب بناءً على عدم صحّته، فتدبّر.
وقد ظهر ممّا ذكرنا أنّ الدليل في المقام هو الإجماع(1) وله أصالة، ولا يكون مستنداً إلى الدليل العقلي.
ثمّ إنّه لا فرق في البطلان لأجل فقدان هذا الشرط ـ وهو اعتبار إباحة المكان ـ بين أن يصلّي في المغصوب الذي تعلّق الغصب بعينه، وبين أن يصلّي في المغصوب الذي تعلّق الغصب بمنافعه، كما إذا صلّى في الأرض المستأجرة للغير بدون إذن المستأجر، وإن كان مأذوناً من قبل المالك.
كما أنّه لا فرق بين المغصوب، وبين ما لو تعلّق به حقّ، كحقّ الرهن; لقيام الدليل من النصّ(2) والإجماع(3) على حرمة تصرّف الراهن في العين المرهونة
- (1) تقدّم تخريجه في ص357.
- (2) مختلف الشيعة 5: 439 مسألة 70، مستدرك الوسائل 13: 426، كتاب الرهن ب17 ح15803، عن دُرر اللآلي 1: 368.
- (3) الخلاف 3: 253 مسألة 59، مفاتيح الشرائع 3: 139، المكاسب (تراث الشيخ الأعظم) 4: 153.
( صفحه 362 )
بدون إذن المرتهن، كما هو المحقّق في كتاب الرهن(1).
وكحقّ الميّت إذا أوصى بالثلث بنحو الكسر المشاع ـ الظاهر في الإشاعة ـ ولم يفرز بعد; فإنّه حينئذ لا يجوز التصرّف في شيء من أجزاء التركة; لتعلّق حقّ الميّت به الثابت بالوصيّة، بل ربما يقال ببقاء المال الموصى به على ملك الميّت، وكونه شريكاً حقيقة، كالمال المشترك بين الشريكين أو الشركاء، والتحقيق في محلّه(2).
وأمّا إذا أوصى بمقدار الثلث لا بنحو الكسر المشاع، بل بنحو الكلّي في المعيّن; فإنّه لا مانع من التصرّف، كما في نظائره، مثل بيع الصاع من الصبرة إذا كان بهذا النحو.
وأمّا حقّ السبق في المشتركات، كالمسجد ونحوه، فقد ذكر صاحب الجواهر (قدس سره) ثبوت القولين فيه من جهة بطلان الصلاة وعدمه، حيث قال: أمّا حقّ السبق في المشتركات ـ كالمسجد ونحوه ـ ففي بطلان الصلاة بغصبه وعدمه وجهان، بل قولان، أقواهما الثاني، وفاقاً للعلاّمة الطباطبائي في
منظومته(3); لأصالة عدم تعلّق الحقّ للسابق على وجه يمنع الغير بعد فرض دفعه عنه; سواء كان هو الدافع أم غيره وإن أثم بالدفع المزبور لأولويته; إذ هي أعمّ من ذلك قطعاً، وربما يؤيّده عدم جواز نقله بعقد من عقود المعاوضة، مضافاً إلى ما دلّ على الاشتراك الذي لم يثبت ارتفاعه بالسبق
- (1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الرهن: 256.
- (2) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الوصيّة: 171.
- (3) الدُرّة النجفيّة: 95.
( صفحه 363 )
المزبور; إذ عدم جواز المزاحمة أعمّ من ذلك، فتأمّل(1).
وقد اختار البطلان في العروة(2)، واحتاط في المتن.
والعمدة فيه وجود روايتين في المقام:
إحداهما: مرسلة محمد بن إسماعيل، عن بعض أصحابه، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قلت: نكون بمكّة أو بالمدينة أو الحيرة، أو المواضع التي يرجى فيها الفضل، فربما خرج الرجل يتوضّأ فيجيء آخر فيصير مكانه، قال: من سبق إلى موضع فهو أحقّ به يومه وليلته(3).
وثانيتهما: رواية طلحة بن زيد، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : سوق المسلمين كمسجدهم، فمن سبق إلى مكان فهو أحقّ به إلى الليل، وكان لا يأخذ على بيوت السوق كراء(4).
وقد نوقش في الروايتين بإرسال الاُولى، وضعف الثانية لأجل طلحة(5). ولكنّ الظاهر اندفاع المناقشة بأنّ الظاهر أنّ المراد من محمد بن إسماعيل هو ابن بزيع المعروف، الذي هو من أعيان الطبقة السادسة، والراوي عنه هو
- (1) جواهر الكلام 8 : 475 ـ 476.
- (2) العروة الوثقى 1: 411 ـ 412.
- (3) الكافي 4: 546 ح33، تهذيب الأحكام 6: 110 ح195، كامل الزيارات: 547 ح839 ، وعنها وسائل الشيعة 5: 278، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد ب56 ح1، وج14: 592، كتاب الحجّ، أبواب المزار وما يناسبه ب102 ح1.
- (4) الكافي 2: 662 ح7، وج5: 55 ح1، تهذيب الأحكام 7: 9 ح31، الفقيه 3: 124 ح540، وعنها وسائل الشيعة 5: 278، كتاب الصلاة، أبواب أحكام المساجد ب56 ح2، وج17: 405، كتاب التجارة، أبواب آداب التجارة ب17 ح1.
- (5) المستند في شرح العروة الوثقى، موسوعة الإمام الخوئي 13: 15.
( صفحه 364 )
أحمد بن محمد بن عيسى الأشعري المعروف، الذي أخرج البرقي من قم(1); لأنّه يروي عن الضعفاء ويعتمد المراسيل، فكيف تكون روايته هذه غير معتبرة. وأمّا طلحة، فهو ممّن يروي عنه صفوان بن يحيى المعروف بأنّه لا يروي إلاّ عن ثقة(2)، وقد روى عنه هذه الرواية أحمد بن محمد بن عيسى المذكور، فالمناقشة في السند غير تامّة.
وأمّا الدلالة، فربما يقال(3) بأنّ التعبير بالأحقّية ظاهر في أنّ المراد مجرّد الأولويّة الموجبة لعدم جواز المزاحمة فقط; نظراً إلى ظهور صيغة التفضيل في ثبوت المبدأ في المفضل عليه، وثبوت الحقّين راجع إلى الاشتراك الذي هو مفاد أدلّته، فالقدر الثابت بالروايتين هو مجرّد الأولويّة الثابت بالإجماع المحصّل، بل الضرورة كما في مفتاح الكرامة(4)، فلا تنهض الروايتان لإثبات أمر زائد أصلا.
ولكنّ الظاهر أنّ المراد بالأحقّية ليس ما هو مفاد صيغة التفضيل، بل أصل ثبوت الحقّ، كما في الموارد الكثيرة التي تستعمل الصيغة كذلك، كما في مثل: «الزوج أحقّ بزوجته»، و«الوليّ أولى بالميّت»، وأشباههما. ومن الظاهر أنّ ثبوت الحقّ خصوصاً مع إضافته إلى المكان الذي سبق إليه ظاهر في تعلّق الحقّ بالمكان، وثبوته بعد المزاحمة ودفعه عنه أيضاً.
- (1) خلاصة الأقوال: 63، الرقم 72، معجم رجال الحديث 2: 261 ـ 265، الرقم 858 .
- (2) تقدّم تخريجه في ص328.
- (3) كما في مستمسك العروة الوثقى 5: 422 ـ 423.
- (4) مفتاح الكرامة 19: 114 ـ 115.