( صفحه 381 )
معاملة العلم بنظر العرف وإن لم يكن علماً عقلا، فلا إشكال في الاكتفاء به، وإن اُحرز بغيره، فسيأتي الكلام فيه.
كما أنّ ظاهر أخذ الرضا في الدليل هو اعتبار الرضا الفعلي المتوقّف على التوجّه والالتفات إلى المرضيّ. وأمّا الرضا التقديري، فإن كان لأجل عدم الالتفات ـ ومرجعه إلى ثبوته على تقدير تحقّقه، ولازمه عدم الكراهة أيضاً; لأجل ما ذكر من عدم الالتفات; فإنّ الكراهة كالرضا في هذه الجهة ـ فظاهر الأصحاب الاكتفاء به في هذه الصورة والتسالم عليه(1)، ولعلّ وجهه عدم منافاته لسلطنة المالك بوجه; فإنّ المفروض تحقّق رضاه على تقدير الالتفات، وأنّ عدم تحقّقه لأجل عدمه.
وإن كان لأجل الجهل بالواقع، ومثله من الاُمور الموجبة لعدم تحقّق الرضا فعلا مع تحقّق الالتفات، فالظاهر عدم الاكتفاء به; وذلك لوجود الكراهة فعلا، ومجرّد الرضا على تقدير زوال جهله وعلمه بالواقع لا يوجب تحقّقه بوجه، وهذا كما في المعاملات المتوقّفة على الرضا; فإنّه لو فرض إكراهه على بيع داره مع كون البيع مصلحة للمكرَه ـ بالفتح ـ، بحيث لو توجّه إليها لرضي به، لا يوجب ذلك صحّة المعاملة لوجود الرضا على تقدير العلم، كما لا يخفى.
ثمّ إنّه مع عدم إحراز الرضا بالعلم أو الاطمئنان، بل بالظنّ، نقول:
إن كان منشؤه هو الإذن الصريح; كأن يقول: أذنت لك بالتصرّف في داري بالصلاة، فالظاهر الاكتفاء به; لأنّ ظواهر الألفاظ معتبرة عند العقلاء،
- (1) اُنظر مستمسك العروة الوثقى 5: 439.
( صفحه 382 )
والظنّ الحاصل منها حجّة عندهم.
وإن كان منشؤه هو الفحوى; كأن يأذن في التصرّف بالقيام والقعود والنوم والأكل، فبالصلاة يكون راضياً بالأولى، فالظاهر عدم حجّيته; لأنّ الظنّ بالرضا بالصلاة لا يكون مستنداً إلى اللفظ; لأنّ المفروض اختصاص مفاده بمثل القيام والقعود ونحوهما، والأولويّة لا تستدعي إيقاعها في مفاد اللفظ، والظنّ المعتبر إنّما هو ما يكون مستنداً إلى اللفظ ومرتبطاً بمدلوله.
نعم، ربما يكون ذكر القيام ونحوه في الكلام على سبيل المثال، والمقصود إفادة مطلق التصرّفات المشابهة، وما يكون أولى من المذكور; فإنّه حينئذ تقع الصلاة كالمذكور، والمفروض غير هذه الصورة.
وفيه: أنّه لا دليل على اعتبار الظنّ بعد عدم كونه مدلولا للكلام ولو عرفاً، وعدم دخوله في إحدى الدلالات الثلاثة اللفظيّة: المطابقة، والتضمّن، والالتزام; لتوقّف الثالثة على كون اللزوم بيّناً بالمعنى الأخصّ، كما قرّر في محلّه(1).
وإن كان منشؤه هو شاهد الحال والقرائن غير اللفظيّة، فالظاهر عدم اعتباره أيضاً; لعدم استناده إلى اللفظ، ولا دليل على حجّية الظنّ غير المستند إليه، إلاّ أن يكون الفعل كاللفظ ممّا جرى بناء العقلاء على الاعتماد عليه، كما إذا فتح باب داره لإقامة العزاء فيه مثلا مع وجود أمارات اُخرى عليه، كما هو المعمول في زماننا هذا في بلادنا; فإنّه لا يبعد جواز الاعتماد على الظنّ الحاصل من ذلك، لبناء العقلاء على الاعتماد عليه كالاعتماد على اللفظ.
- (1) المنطق للمظفّر: 40، وراجع فوائد الاُصول 1 ـ 2: 303، واُصول فقه شيعه 5: 54 ـ 57.
( صفحه 383 )
[جواز الصلاة في الأراضي المتّسعة]
مسألة 6: يجوز الصلاة في الأراضي المتّسعة، كالصحاري والمزارع والبساتين التي لم يبن عليها الحيطان، بل وسائر التصرّفات اليسيرة ممّا جرت عليه السيرة، كالاستطراقات العادية غير المضرّة، والجلوس والنوم فيها، وغير ذلك، ولا يجب التفحّص عن ملاّكها; من غير فرق بين كونهم كاملين أو قاصرين، كالصغار والمجانين.
نعم، مع ظهور الكراهة والمنع عن ملاّكها ولو بوضع ما يمنع المارّة عن الدخول فيها، يشكل جميع ما ذكر وأشباهها فيها إلاّ في الأراضي المتّسعة جدّاً، كالصحاري التي من مرافق القرى وتوابعها العرفيّة، ومراتع دوابّها ومواشيها; فإنّه لا يبعد فيها الجواز حتّى مع ظهور الكراهة والمنع 1 .
1 ـ الوجه في جواز الصلاة في الأراضي المتّسعة، بل مطلق التصرّفات اليسيرة ممّا هو مذكور في المتن وشبهه، هي السيرة القطعيّة(1) العمليّة من المتشرّعة المتّصلة بزمان المعصوم (عليه السلام) ، لا أدلّة نفي الحرج والضرر; لأنّ دليل نفي الضرر ـ على ما هو التحقيق ـ راجع إلى مقام الحكومة والسلطنة لا التشريع(2)، ودليل نفي الحرج واقع في مقام الامتنان(3)، وهو لا يجري فيما إذا لزم من جريانه خلاف الامتنان في حقّ الغير، مضافاً إلى دورانه مدار الحرج الشخصي، مع أنّ المدّعى كلّي، فالدليل المنحصر هي السيرة المذكورة.
- (1) مستمسك العروة الوثقى 5: 442، المستند في شرح العروة الوثقى، الموسوعة الإمام الخوئي 13: 57.
- (2) ثلاث رسائل: 111 ـ 112، بدائع الدّرر في قاعدة نفي الضرر: 105 ـ 121.
- (3) ثلاث رسائل: 41 ـ 42 و 167 ـ 169.
( صفحه 384 )
ثمّ إنّ الظاهر اختصاص السيرة بما إذا لم يكن هناك أمارة دالّة على
ظهور الكراهة والمنع من المالك، كبناء الحيطان، ووضع ما يمنع المارّة
عن الدخول فيها.
نعم، في الأراضي المتّسعة جدّاً مثل ما ذكر في المتن، الظاهر ثبوت الجواز حتّى مع المنع وظهور الكراهة; فإنّه لم يعهد الترك مع ظهورها، بل جرت سيرة المتشرّعة على التصرّفات المذكورة في تلك الأراضي مع الوصف المذكور أيضاً، فاللاّزم في المقام ملاحظة السيرة وتشخيص موارد ثبوتها عن غيرها، كما لا يخفى.
( صفحه 385 )
[المراد بالمكان الذي تبطل الصلاة بغصبه]
مسألة 7: المراد بالمكان الذي تبطل الصلاة بغصبه ما استقرّ عليه المصلّي ولو بوسائط على إشكال فيه، وما شغله من الفضاء في قيامه وركوعه وسجوده ونحوها، فقد يجتمعان، كالصلاة في الأرض المغصوبة، وقد يفترقان، كالجناح المباح الخارج إلى فضاء غير مباح، وكالفرش المغصوب المطروح على أرض غير مغصوبة 1 .
1 ـ المكان تارة: يستعمل في مقام اعتبار الطهارة، واُخرى: في مقام اعتبار الإباحة، كما أنّه ربما يستعمل في مسألة اشتراط عدم تقدّم المرأة على الرجل في الصلاة وعدم محاذاتها له، وفي مسألة اشتراط عدم التقدّم على قبر المعصوم (عليه السلام) ، أو مساواته له.
أمّا ما يستعمل في مقام اعتبار الطهارة، فالمراد به إمّا خصوص موضع الجبهة، أو مطلق محلّ قرار المصلّي، وهو سطحه الظاهر، كما أنّه سيأتي(1)المراد بالأخيرين.
وأمّا ما يستعمل في مقام اعتبار الإباحة، الذي هو محلّ البحث في المقام، فالمراد به كما عن جامع المقاصد الفراغ الذي يشغله بدن المصلّي، أو يستقرّ عليه ولو بوسائط(2).
وعن الإيضاح أنّه في نظر الفقهاء ما يستقرّ عليه المصلّي ولو بوسائط، وما يلاقي بدنه وثوبه، وما يتخلّل بين مواضع الملاقاة من موضع الصلاة،
- (1) في ص389 ـ 429.
- (2) جامع المقاصد 2: 114.