( صفحه 397 )
من فوق; إذ من البعيد أن تكون الحجرة بالغة في الضيق إلى حدّ يكون الفاصل بين الشخصين الواقعين في زاويتيها مع التحاذي مقدار شبر واحد.
ويؤيّده رواية محمد الحلبي قال: سألته ـ يعني أبا عبدالله (عليه السلام) ـ عن الرجل يصلّي في زاوية الحجرة وابنته أو امرأته تصلّي بحذائه في الزاوية الاُخرى؟ قال: لا ينبغي ذلك إلاّ أن يكون بينهما ستر، فإن كان بينهما ستر أجزأه(1).
وقد عرفت أنّ تفسير الراوي لا يساعد ذلك، وقد ذكر صاحب الوسائل بعد نقل الروايتين أنّه يمكن صحّتهما(2).
ومنها: رواية أبي بصير هو ليث المرادي قال: سألته عن الرجل والمرأة يصلّيان في بيت واحد، المرأة عن يمين الرجل بحذاه؟ قال: لا، إلاّ أن يكون بينهما شبر أو ذراع، ثمّ قال: كان طول رحل رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذراعاً، وكان يضعه بين يديه إذا صلّى، يستره ممّن يمرّ بين يديه(3).
قال في الوافي: اُريد بـ «الرّحل» رحل البعير، واُريد بطوله ارتفاعه من الأرض; أعني السّمك(4). ويحتمل قريباً بقرينة الذيل أن يكون المراد بقوله: «إلاّ أن يكون...» وجود حائل بينهما كان طوله شبراً أو ذراعاً، كما أنّه يحتمل أن يكون المراد تقدّم الرجل على المرأة بهذا المقدار.
والظاهر اتّحادها مع روايته الاُخرى عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: سألته عن
- (1) مستطرفات السرائر: 27 ح7، وعنه وسائل الشيعة 5: 130، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب8 ح3.
- (2) وسائل الشيعة 5: 130 ذ ح3.
- (3) تهذيب الأحكام 2: 230 ح906، وعنه وسائل الشيعة 5: 124، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب5 ح3.
- (4) الوافي 7: 481 ذ ح6400.
( صفحه 398 )
الرجل والمرأة يصلّيان جميعاً في بيت، المرأة عن يمين الرجل بحذاه؟ قال: لا، حتّى يكون بينهما شبر، أو ذراع، أو نحوه(1).
وعليه فيرتفع إشكال الإضمار عن روايته الاُولى.
ومنها: رواية عبدالله بن أبي يعفور قال: قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : اُصلّي والمرأة إلى جنبي وهي تصلّي؟ قال: لا، إلاّ أن تتقدّم هي أو أنت، ولا بأس أن تصلّي وهي بحذاك جالسة أو قائمة(2).
فإن كان المراد بقوله (عليه السلام) : «إلاّ أن تتقدّم...» هو التقدّم في الموقف مع التقارن في الصلاة، فالظاهر أنّ الرواية معرض عنها; لأنّ التقدّم أولى بالمنع من الجنب المفروض في سؤال الرواية، وإن كان المراد هو التقدّم في أصل إيقاع الصلاة; بمعنى كون صلاة واحد منهما قبل الآخر، فالرواية تصير من أدلّة مطلق المنع، ويصير الاستثناء منقطعاً; لأنّ المفروض في السؤال هو التقارن في الصلاة.
ومنها: رواية معاوية بن وهب، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه سأله عن الرجل والمرأة يصلّيان في بيت واحد؟ قال: إذا كان بينهما قدر شبر صلّت بحذاه وحدها، وهو وحده لا بأس(3).
ومنها: رواية زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: إذا كان بينها وبينه
- (1) تهذيب الأحكام 2: 231 ح908، الكافي 3: 298 ح3، وعنهما وسائل الشيعة 5: 124، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب5 ح4.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 231 ح909، وعنه وسائل الشيعة 5: 124، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب5 ح5.
- (3) الفقيه 1: 159 ح747، وعنه وسائل الشيعة 5: 125، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب5 ح7.
( صفحه 399 )
ما لا يتخطّى، أو قدر عظم الذراع فصاعداً، فلا بأس(1).
ومنها: رواية حريز، عن أبي عبدالله (عليه السلام) في المرأة تصلّي إلى جنب الرجل قريباً منه، فقال: إذا كان بينهما موضع رجل (رحل خ ل) فلا بأس(2).
والمراد بموضع الرجل يحتمل أن يكون هي الخطوة، ويحتمل أن يكون مقدار باطن القدم الذي هو مقدار الشبر.
ومنها: رواية اُخرى لزرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: المرأة والرجل يصلّي كلّ واحد منهما قبالة صاحبه؟ قال: نعم، إذا كان بينهما قدر موضع رحل(3).
ومنها: رواية ثالثة لزرارة قال: قلت له: المرأة تصلّي حيال زوجها؟ قال: تصلّي بازاء الرجل إذا كان بينها وبينه قدر ما لا يتخطّى، أو قدر عظم الذراع فصاعداً(4).
ومنها: موثقة عمّار، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه سئل عن الرجل يستقيم له أن يصلّي وبين يديه امرأة تصلّي؟ قال: لا يصلّي حتّى يجعل بينه وبينها أكثر من عشرة أذرع، وإن كانت عن يمينه وعن يساره جعل بينه وبينها مثل ذلك، فإن كانت تصلّي خلفه فلا بأس وإن كانت تصيب ثوبه، وإن كانت المرأة
- (1) الفقيه 1: 159 ح748، وعنه وسائل الشيعة 5: 125، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب5 ح8 .
- (2) الكافي 3: 298 ح1، وعنه وسائل الشيعة 5: 126، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب5 ح11.
- (3) مستطرفات السرائر: 73 ح10، وعنه وسائل الشيعة 5: 126، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب5 ح12.
- (4) مستطرفات السرائر: 74 ح15، وعنه وسائل الشيعة 5: 126، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب5 ح13.
( صفحه 400 )
قاعدة أو نائمة أو قائمة في غير صلاة، فلا بأس حيث كانت(1).
والظاهر اتّحادها مع الموثّقتين المتقدّمتين(2) فيما ظاهره المنع; بمعنى أنّ هذه تمام الرواية، وما تقدّم مشتمل على بعضها، كما لا يخفى.
ومنها: صحيحة علي بن جعفر، عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) قال: سألته عن الرجل يصلّي الضحى وأمامه امرأة تصلّي بينهما عشرة أذرع؟ قال: لا بأس ليمض في صلاته(3).
ولكنّها لا تبلغ من الظهور في اعتبار العشرة مرتبة الموثّقة، كما هو ظاهر.
ومنها: صحيحة محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) في المرأة تصلّي عند الرجل، قال: إذا كان بينهما حاجز فلا بأس(4).
ومقتضى إطلاقها ـ لولا أنّه المنصرف إليه ـ الشمول لحال صلاة الرجل أيضاً، ويؤيّد الانصراف ظهور الجواب في اعتبار الحاجز، مع أنّه لا يعتبر مع عدم صلاة واحد منهما.
ومنها: صحيحة اُخرى لعليّ بن جعفر، عن أخيه (عليهما السلام) قال: سألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلّي في مسجد قصير الحائط وامرأة قائمة تصلّي بحياله وهو يراها وتراه؟ قال: إن كان بينهما حائط طويل أو قصير فلا بأس(5).
- (1) تهذيب الأحكام 2: 231 ح911، الاستبصار 1: 399 ح1526، وعنهما وسائل الشيعة 5: 128، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب7 ح1.
- (2) في ص395 ـ 396.
- (3) قرب الإسناد: 204 ح788، وعنه وسائل الشيعة 5: 129، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب7 ح2.
- (4) تهذيب الأحكام 2:379ح1580، وعنهوسائل الشيعة 5:129، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب8ح2.
- (5) قرب الإسناد: 207 ح805 ، وعنه وسائل الشيعة 5: 130، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب8 ح4.
( صفحه 401 )
والظاهر أنّ المراد صلاة المرأة خارج المسجد، وإلاّ لا يبقى وجه لذكر الحائط القصير، والمراد بوجود الحائط يمكن أن يكون هو اعتباره من جهة الحيلولة والحجب ولو في الجملة، كما في الحائط القصير، ويحتمل أن يكون لأجل ملازمته مع الفصل بين الموقفين بمقدار ذراع أو أزيد، كما هو المعمول في الحيطان في الأزمنة السابقة.
ومثلها روايته الاُخرى، عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) في حديث قال: سألته عن الرجل يصلّي في مسجد حيطانه كوى كلّه قبلته وجانباه، وامرأته تصلّي حياله يراها ولا تراه؟ قال: لا بأس(1).
قال في الوافي: «الكواء» ممدوداً ومقصوراً جمع الكوّة بالتشديد; وهي الروزنة(2).
إذا عرفت ما أوردناه من الروايات الواردة في المسألة التي هي طوائف ثلاثة: طائفة تدلّ على الجواز مطلقاً، واُخرى: على المنع كذلك، وثالثة: على التفصيل مع الاختلاف الكثير بين روايات هذه الطائفة أيضاً، فاعلم أنّ روايات الجواز أكثرها بل جميعها مخدوشة من حيث السند، حتى رواية جميل(3) التي رواها عنه الصدوق باسناده; لما مرّ(4) من أنّ سند الصدوق إلى جميل وحده ممّا لم تعلم صحّته، مضافاً إلى اشتمالها على التعليل الذي
- (1) تهذيب الأحكام 2: 373 ح1553، مسائل عليّ بن جعفر: 140 ح159، وعنهما وسائل الشيعة 5: 129، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب8 ح1.
- (2) الوافي 7: 478.
- (3) تقدّمت في ص390.
- (4) في ص391.