( صفحه 401 )
والظاهر أنّ المراد صلاة المرأة خارج المسجد، وإلاّ لا يبقى وجه لذكر الحائط القصير، والمراد بوجود الحائط يمكن أن يكون هو اعتباره من جهة الحيلولة والحجب ولو في الجملة، كما في الحائط القصير، ويحتمل أن يكون لأجل ملازمته مع الفصل بين الموقفين بمقدار ذراع أو أزيد، كما هو المعمول في الحيطان في الأزمنة السابقة.
ومثلها روايته الاُخرى، عن أخيه موسى بن جعفر (عليهما السلام) في حديث قال: سألته عن الرجل يصلّي في مسجد حيطانه كوى كلّه قبلته وجانباه، وامرأته تصلّي حياله يراها ولا تراه؟ قال: لا بأس(1).
قال في الوافي: «الكواء» ممدوداً ومقصوراً جمع الكوّة بالتشديد; وهي الروزنة(2).
إذا عرفت ما أوردناه من الروايات الواردة في المسألة التي هي طوائف ثلاثة: طائفة تدلّ على الجواز مطلقاً، واُخرى: على المنع كذلك، وثالثة: على التفصيل مع الاختلاف الكثير بين روايات هذه الطائفة أيضاً، فاعلم أنّ روايات الجواز أكثرها بل جميعها مخدوشة من حيث السند، حتى رواية جميل(3) التي رواها عنه الصدوق باسناده; لما مرّ(4) من أنّ سند الصدوق إلى جميل وحده ممّا لم تعلم صحّته، مضافاً إلى اشتمالها على التعليل الذي
- (1) تهذيب الأحكام 2: 373 ح1553، مسائل عليّ بن جعفر: 140 ح159، وعنهما وسائل الشيعة 5: 129، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب8 ح1.
- (2) الوافي 7: 478.
- (3) تقدّمت في ص390.
- (4) في ص391.
( صفحه 402 )
مرّ(1) أنّه لا ملائمة بينه، وبين الحكم المذكور في الرواية; وإن كان يمكن أن يقال بأنّ غرابة التعليل لا توجب الخدشة في الحكم المذكور في الرواية.
وبالجملة: روايات الجواز غير قابلة للاستناد إليها له، فلم تبق في المسألة إلاّ الطائفتان الأخيرتان.
وليعلم أنّ ما دلّ من الطائفة الثالثة على اعتبار وجود الحاجز بين الرجل والمرأة لا ينافي ما دلّ على المنع مطلقاً; لأنّ مورد هذه الطائفة صورة عدم وجود الحاجز، كما لا يخفى، فمدلولهما من حيث إطلاق المنع واحد.
ثمّ إنّ الجمع بين الطائفتين يمكن على أحد وجهين:
الأوّل: حمل النهي في الطائفة المانعة على الكراهة، والتصرّف في ظهورها في إطلاق النهي; نظراً إلى صراحة الطائفة المفصّلة في الحكم بالجواز وعدم المنع مقيّداً بالقيود المذكورة فيها، فيحمل ظهور الاُولى في الحكم بالتحريم على الإطلاق، على الكراهة في مورد تلك القيود، ويقال بكراهة الصلاة فيما إذا كان بينهما شبر، أو ذراع، أو موضع رحل، أو عشرة أذرع، ويحمل اختلاف القيود على اختلاف الكراهة، فهي في الشبر أشدّ وأقوى، وفي عشرة أذرع أضعف وأنقص من سائر المراتب.
الثاني: إبقاء الطائفة المانعة على حالها من إطلاق النهي،
والتصرّف في الروايات المفصّلة، بكون مورد التفاصيل المذكورة فيها
ليس صورة التحاذي أو تقدّم المرأة، بل موردها فرض تقدّم الرجل
على المرأة بذلك المقدار المذكور فيها; بحمل العناوين المذكورة فيها
( صفحه 403 )
ـ من الحذاء والحيال والجنب واليمين واليسار ـ على العرفي منها غير المنافي لتقدّمه عليها في الجملة.
ربما يؤيّد الثاني تفسير الشبر في إحدى روايات محمد بن مسلم المتقدّمة(1)ـ التي وقع فيها السؤال عن الرجل يصلّي في زاوية الحجرة وامرأته أو ابنته تصلّي بحذاه في الزاوية الاُخرى ـ بما إذا كان الرجل متقدّماً على المرأة بشبر; فإنّه يظهر منه أنّه لا منافاة بين تحقّق المحاذاة، ووقوع البينيّة بهذا المعنى. وعليه: تكون المحاذاة بمعناها العرفي غير المنافي للتأخّر بهذا المقدار، كما أنّه لا ينافي ذلك مع ظهور مثل التعبير في كون المراد بها هي البينيّة في جميع الأحوال; فإنّ لازم التأخّر بهذا المقدار هو التأخّر في جميع حالات الصلاة; فإنّ المتأخّر بشبر يكون في ركوعه وسجوده أيضاً متأخّراً بهذا المقدار،
كما لا يخفى.
ويؤيّد الثاني أيضاً الاستثناء الواقع في إحدى روايات زرارة المتقدّمة(2)من قوله (عليه السلام) : «لا تصلّي المرأة بحيال الرجل»، بقوله (عليه السلام) : «إلاّ أن يكون قدّامها ولو بصدره»; فإنّ الظاهر كون الاستثناء متّصلا، ولازمه كون التقدّم على المرأة أيضاً في الجملة من مصاديق الحيال.
ويؤيّده أيضاً روايتا محمد بن مسلم وأبي بصير المتقدّمتان(3) الواردتان في حكم صلاة الرجل والمرأة المتزاملين، وأنّه لا يجوز ذلك، بل يصلّي الرجل
- (1 ، 2) في ص396.
- (3) تقدّم رواية محمّد بن مسلم في ص394، وأمّا رواية أبي بصير فلم يتقدّم ذكره، تهذيب الأحكام 5: 403 ح1404، وعنه وسائل الشيعة 5: 132، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب10 ح2.
( صفحه 404 )
أوّلا ثمّ المرأة; فإنّ هذا لا يناسب الكراهة، مع أنّه في السفر يرخّص ما لا يرخّص في غيره. ومن الواضح: ثبوت مقدار الشبر بين طرفي المحمل، فتدلاّن على المنع في مورد الشبر، ودعوى عدم وقوعهما في هذا المقام، كما في تقريرات النائيني (قدس سره) (1)، مدفوعة جدّاً.
ويؤيّده أيضاً إحدى روايات جميل المتقدّمة(2)، المشتملة على قوله (عليه السلام) في مقام الجواب عن السؤال عن الرجل يصلّي والمرأة بحذاه أو إلى جنبيه: «إذا كان سجودها مع ركوعه فلا بأس»; فإنّ الظاهر من الجواب انقسام مورد السؤال إلى قسمين، والحكم بعدم البأس في قسم واحد منهما. وعليه: فيكون التأخّر بهذا المقدار غير مناف للجنب والحذاء، وإلاّ يلزم أن يكون حكم مورد السؤال مستفاداً من المفهوم، وهو خلاف الظاهر.
ويضعّف ظهور قوله (عليه السلام) : «بينهما شبر أو ذراع» في كون الفصل بين الموقفين مع وقوعهما في خطّ مستقيم، كذا ما يستفاد من إحدى روايات أبي بصير المتقدّمة(3); من احتمال كون المراد هو الحجب بهذا المقدار; بأن كان الشبر أو الذراع طول ارتفاع الحائل، كما مرّ(4).
فهذه كلّه ممّا يوجب تضعيف الظهور المذكور، بحيث لا يأبى عن الحمل على التأخّر بهذا المقدار، كما هو مقتضى الوجه الثاني من وجهي الجمع.
ويمكن الإيراد على الوجه الأوّل; بأنّ حمل النهي على الكراهة إنّما هو
- (1) كتاب الصلاة، تقريرات بحث المحقّق النائيني (رحمه الله) للآملي 1: 329.
- (2) في ص391.
- (3 ، 4) في ص397.
( صفحه 405 )
فيما إذا كان النهي نهياً مولويّاً ظاهراً في التحريم. وأمّا إذا كان النهي للإرشاد إلى الفساد والبطلان، كما هو الظاهر من النواهي الواردة في مثل المقام من العبادات والمعاملات، فلا وجه للحمل على الكراهة.
ودعوى(1) إمكان التقييد بموارد الروايات المفصّلة، وإبقاء النهي على حاله من الإرشاد إلى الفساد في غير تلك الموارد، مدفوعة بأنّ لازمه عدم تحقّق المورد للإطلاقات المانعة; لأنّ الفصل بأقلّ من الشبر مع المحاذاة الحقيقيّة قلّما يتّفق لو لم نقل بعدم اتّفاقه، بناءً على أن يكون المراد بقوله (عليه السلام) : «بينهما شبر» هو الفصل بين الموقفين; فإنّ الفصل بهذا المقدار بينهما يلازم اتّصال البدنين من ناحية الأيدي.
هذا، مضافاً إلى أنّ الاختلاف في التقييد من سنخ واحد بما يرجع إلى الاختلاف بين الشبر وعشرين شبراً ـ الذي هو عبارة عن عشرة أذرع ـ في غاية البعد; فإنّ الاختلاف إذا لم يكن من سنخ واحد فلا استبعاد فيه. وأمّا في السنخ الواحد كما في المقام، فبعيد جدّاً.
وبذلك كلّه يظهر صحّة ما قرّبه صاحب الحدائق (قدس سره) (2) من حمل نصوص التقدير بما دون العشرة على صورة تقدّم الرجل على المرأة، لا المحاذاة، والتقييد بما دون العشرة إنّما هو لأجل أنّ موثقة عمّار المتقدّمة(3) الدالّة عليها صريحة في أنّ اعتبارها إنّما هو بالنسبة إلى الأمام واليمين واليسار. وأمّا
- (1) كتاب الصلاة، تقريرات بحث المحقّق النائيني للآملي 1: 330.
- (2) الحدائق الناضرة 7: 179 ـ 184.
- (3) في ص399 ـ 400.