( صفحه 403 )
ـ من الحذاء والحيال والجنب واليمين واليسار ـ على العرفي منها غير المنافي لتقدّمه عليها في الجملة.
ربما يؤيّد الثاني تفسير الشبر في إحدى روايات محمد بن مسلم المتقدّمة(1)ـ التي وقع فيها السؤال عن الرجل يصلّي في زاوية الحجرة وامرأته أو ابنته تصلّي بحذاه في الزاوية الاُخرى ـ بما إذا كان الرجل متقدّماً على المرأة بشبر; فإنّه يظهر منه أنّه لا منافاة بين تحقّق المحاذاة، ووقوع البينيّة بهذا المعنى. وعليه: تكون المحاذاة بمعناها العرفي غير المنافي للتأخّر بهذا المقدار، كما أنّه لا ينافي ذلك مع ظهور مثل التعبير في كون المراد بها هي البينيّة في جميع الأحوال; فإنّ لازم التأخّر بهذا المقدار هو التأخّر في جميع حالات الصلاة; فإنّ المتأخّر بشبر يكون في ركوعه وسجوده أيضاً متأخّراً بهذا المقدار،
كما لا يخفى.
ويؤيّد الثاني أيضاً الاستثناء الواقع في إحدى روايات زرارة المتقدّمة(2)من قوله (عليه السلام) : «لا تصلّي المرأة بحيال الرجل»، بقوله (عليه السلام) : «إلاّ أن يكون قدّامها ولو بصدره»; فإنّ الظاهر كون الاستثناء متّصلا، ولازمه كون التقدّم على المرأة أيضاً في الجملة من مصاديق الحيال.
ويؤيّده أيضاً روايتا محمد بن مسلم وأبي بصير المتقدّمتان(3) الواردتان في حكم صلاة الرجل والمرأة المتزاملين، وأنّه لا يجوز ذلك، بل يصلّي الرجل
- (1 ، 2) في ص396.
- (3) تقدّم رواية محمّد بن مسلم في ص394، وأمّا رواية أبي بصير فلم يتقدّم ذكره، تهذيب الأحكام 5: 403 ح1404، وعنه وسائل الشيعة 5: 132، كتاب الصلاة، أبواب مكان المصلّي ب10 ح2.
( صفحه 404 )
أوّلا ثمّ المرأة; فإنّ هذا لا يناسب الكراهة، مع أنّه في السفر يرخّص ما لا يرخّص في غيره. ومن الواضح: ثبوت مقدار الشبر بين طرفي المحمل، فتدلاّن على المنع في مورد الشبر، ودعوى عدم وقوعهما في هذا المقام، كما في تقريرات النائيني (قدس سره) (1)، مدفوعة جدّاً.
ويؤيّده أيضاً إحدى روايات جميل المتقدّمة(2)، المشتملة على قوله (عليه السلام) في مقام الجواب عن السؤال عن الرجل يصلّي والمرأة بحذاه أو إلى جنبيه: «إذا كان سجودها مع ركوعه فلا بأس»; فإنّ الظاهر من الجواب انقسام مورد السؤال إلى قسمين، والحكم بعدم البأس في قسم واحد منهما. وعليه: فيكون التأخّر بهذا المقدار غير مناف للجنب والحذاء، وإلاّ يلزم أن يكون حكم مورد السؤال مستفاداً من المفهوم، وهو خلاف الظاهر.
ويضعّف ظهور قوله (عليه السلام) : «بينهما شبر أو ذراع» في كون الفصل بين الموقفين مع وقوعهما في خطّ مستقيم، كذا ما يستفاد من إحدى روايات أبي بصير المتقدّمة(3); من احتمال كون المراد هو الحجب بهذا المقدار; بأن كان الشبر أو الذراع طول ارتفاع الحائل، كما مرّ(4).
فهذه كلّه ممّا يوجب تضعيف الظهور المذكور، بحيث لا يأبى عن الحمل على التأخّر بهذا المقدار، كما هو مقتضى الوجه الثاني من وجهي الجمع.
ويمكن الإيراد على الوجه الأوّل; بأنّ حمل النهي على الكراهة إنّما هو
- (1) كتاب الصلاة، تقريرات بحث المحقّق النائيني (رحمه الله) للآملي 1: 329.
- (2) في ص391.
- (3 ، 4) في ص397.
( صفحه 405 )
فيما إذا كان النهي نهياً مولويّاً ظاهراً في التحريم. وأمّا إذا كان النهي للإرشاد إلى الفساد والبطلان، كما هو الظاهر من النواهي الواردة في مثل المقام من العبادات والمعاملات، فلا وجه للحمل على الكراهة.
ودعوى(1) إمكان التقييد بموارد الروايات المفصّلة، وإبقاء النهي على حاله من الإرشاد إلى الفساد في غير تلك الموارد، مدفوعة بأنّ لازمه عدم تحقّق المورد للإطلاقات المانعة; لأنّ الفصل بأقلّ من الشبر مع المحاذاة الحقيقيّة قلّما يتّفق لو لم نقل بعدم اتّفاقه، بناءً على أن يكون المراد بقوله (عليه السلام) : «بينهما شبر» هو الفصل بين الموقفين; فإنّ الفصل بهذا المقدار بينهما يلازم اتّصال البدنين من ناحية الأيدي.
هذا، مضافاً إلى أنّ الاختلاف في التقييد من سنخ واحد بما يرجع إلى الاختلاف بين الشبر وعشرين شبراً ـ الذي هو عبارة عن عشرة أذرع ـ في غاية البعد; فإنّ الاختلاف إذا لم يكن من سنخ واحد فلا استبعاد فيه. وأمّا في السنخ الواحد كما في المقام، فبعيد جدّاً.
وبذلك كلّه يظهر صحّة ما قرّبه صاحب الحدائق (قدس سره) (2) من حمل نصوص التقدير بما دون العشرة على صورة تقدّم الرجل على المرأة، لا المحاذاة، والتقييد بما دون العشرة إنّما هو لأجل أنّ موثقة عمّار المتقدّمة(3) الدالّة عليها صريحة في أنّ اعتبارها إنّما هو بالنسبة إلى الأمام واليمين واليسار. وأمّا
- (1) كتاب الصلاة، تقريرات بحث المحقّق النائيني للآملي 1: 330.
- (2) الحدائق الناضرة 7: 179 ـ 184.
- (3) في ص399 ـ 400.
( صفحه 406 )
الخلف، فيكفي تحقّقه بالإضافة إلى المرأة وإن كانت تصيب ثوبه.
ثمّ إنّ هاهنا اُموراً لابدّ من التنبيه عليها:
أحدها: فيما ترتفع به الحرمة الوضعيّة، أو الكراهة التي يقول بها المتأخّرون على ما هو المشهور بينهم(1)، وهي اُمور مستفادة من الروايات المتقدّمة:
الأوّل: تأخّر المرأة عن الرجل في الجملة، وإليه ينظر جمع من الأخبار المفصّلة المتقدّمة، بل كلّها سوى ما دلّ على اعتبار عشرة أذرع، بناءً على ما اخترناه في معناها. وأمّا بناءً على الكراهة، فالدالّ على هذا الأمر جملة من تلك الأخبار.
ولكن مقتضى الروايات من حيث اعتبار مقدار التأخّر مختلف: فإنّ مقتضى بعض روايات محمد بن مسلم المتقدّمة(2) أن يكون بينهما شبر، بناءً على أن يكون الشبر بالشين المعجمة والباء الموحّدة، وكان المراد التأخّر بهذا المقدار، كما وقع التفسير به في نفس هذه الرواية، ويجري فيه احتمالان; لأنّه يمكن أن يكون المراد وجود الفصل بهذا المقدار بين رؤوس أصابع رجل المرأة، وبين خلف رجل الرجل، ويمكن أن يكون المراد وجود هذا الفصل بين رؤوسي الأصابع منهما.
ومقتضى مرسلتي جميل وابن بكير المتقدّمتين(3) اعتبار أن يكون
سجودها مع ركوعه، وقد تقدّم (4) الاحتمالان في معنى هذا القيد، وترجيح
- (1) تقدّم تخريجه في ص389.
- (2) في ص396.
- (3 ، 4) في ص391 ـ 392.
( صفحه 407 )
أحدهما على الآخر.
ومقتضى بعض روايات زرارة(1) اعتبار كون الرجل متقدّماً على المرأة ولو بصدره، والظاهر أنّه أقلّ مراتب التأخّر، وينطبق عليه رواية «الشبر» بناءً على الاحتمال الثاني في معناها، ورواية «كون سجودها مع ركوعه» بناءً على أحد الاحتمالين; وهو الاحتمال الراجح الذي يرجع إلى أنّ المراد كون رأس المرأة في حال السجود محاذياً لرأس الرجل في حال الركوع، كما لا يخفى.
ومقتضى بعض الروايات المتقدّمة(2) اعتبار كون التأخّر بمقدار موضع الرجل بالجيم، والمراد منه يحتمل أن يكون مقدار باطن القدم الذي هو شبر، فينطبق على روايته، ويحتمل أن يكون مقدار ما بين الرجلين في حال المشي، الذي هو عبارة عن الخطوة، فيدلّ على اعتبارها.
ومقتضى البعض(3) كفاية أن يكون التأخّر بمقدار موضع الرحل الذي هو ذراع، أو قدر عظم الذراع فصاعداً، أو كان بينه وبينها ما لا يتخطّى، بناءً على ما ذكرنا في معنى هذا البعض من كون المراد التأخّر بهذا المقدار.
ومقتضى رواية عمّار المتقدّمة(4) كفاية كون المرأة خلف الرجل وإن كانت تصيب ثوبه، والمراد بإصابتها ثوبه يحتمل أن يكون إصابتها ثوب الرجل
- (1) تقدّم في ص396.
- (2) في ص399.
- (3) تقدّم في ص399.
- (4) في ص395 ـ 396.