( صفحه 405 )
فيما إذا كان النهي نهياً مولويّاً ظاهراً في التحريم. وأمّا إذا كان النهي للإرشاد إلى الفساد والبطلان، كما هو الظاهر من النواهي الواردة في مثل المقام من العبادات والمعاملات، فلا وجه للحمل على الكراهة.
ودعوى(1) إمكان التقييد بموارد الروايات المفصّلة، وإبقاء النهي على حاله من الإرشاد إلى الفساد في غير تلك الموارد، مدفوعة بأنّ لازمه عدم تحقّق المورد للإطلاقات المانعة; لأنّ الفصل بأقلّ من الشبر مع المحاذاة الحقيقيّة قلّما يتّفق لو لم نقل بعدم اتّفاقه، بناءً على أن يكون المراد بقوله (عليه السلام) : «بينهما شبر» هو الفصل بين الموقفين; فإنّ الفصل بهذا المقدار بينهما يلازم اتّصال البدنين من ناحية الأيدي.
هذا، مضافاً إلى أنّ الاختلاف في التقييد من سنخ واحد بما يرجع إلى الاختلاف بين الشبر وعشرين شبراً ـ الذي هو عبارة عن عشرة أذرع ـ في غاية البعد; فإنّ الاختلاف إذا لم يكن من سنخ واحد فلا استبعاد فيه. وأمّا في السنخ الواحد كما في المقام، فبعيد جدّاً.
وبذلك كلّه يظهر صحّة ما قرّبه صاحب الحدائق (قدس سره) (2) من حمل نصوص التقدير بما دون العشرة على صورة تقدّم الرجل على المرأة، لا المحاذاة، والتقييد بما دون العشرة إنّما هو لأجل أنّ موثقة عمّار المتقدّمة(3) الدالّة عليها صريحة في أنّ اعتبارها إنّما هو بالنسبة إلى الأمام واليمين واليسار. وأمّا
- (1) كتاب الصلاة، تقريرات بحث المحقّق النائيني للآملي 1: 330.
- (2) الحدائق الناضرة 7: 179 ـ 184.
- (3) في ص399 ـ 400.
( صفحه 406 )
الخلف، فيكفي تحقّقه بالإضافة إلى المرأة وإن كانت تصيب ثوبه.
ثمّ إنّ هاهنا اُموراً لابدّ من التنبيه عليها:
أحدها: فيما ترتفع به الحرمة الوضعيّة، أو الكراهة التي يقول بها المتأخّرون على ما هو المشهور بينهم(1)، وهي اُمور مستفادة من الروايات المتقدّمة:
الأوّل: تأخّر المرأة عن الرجل في الجملة، وإليه ينظر جمع من الأخبار المفصّلة المتقدّمة، بل كلّها سوى ما دلّ على اعتبار عشرة أذرع، بناءً على ما اخترناه في معناها. وأمّا بناءً على الكراهة، فالدالّ على هذا الأمر جملة من تلك الأخبار.
ولكن مقتضى الروايات من حيث اعتبار مقدار التأخّر مختلف: فإنّ مقتضى بعض روايات محمد بن مسلم المتقدّمة(2) أن يكون بينهما شبر، بناءً على أن يكون الشبر بالشين المعجمة والباء الموحّدة، وكان المراد التأخّر بهذا المقدار، كما وقع التفسير به في نفس هذه الرواية، ويجري فيه احتمالان; لأنّه يمكن أن يكون المراد وجود الفصل بهذا المقدار بين رؤوس أصابع رجل المرأة، وبين خلف رجل الرجل، ويمكن أن يكون المراد وجود هذا الفصل بين رؤوسي الأصابع منهما.
ومقتضى مرسلتي جميل وابن بكير المتقدّمتين(3) اعتبار أن يكون
سجودها مع ركوعه، وقد تقدّم (4) الاحتمالان في معنى هذا القيد، وترجيح
- (1) تقدّم تخريجه في ص389.
- (2) في ص396.
- (3 ، 4) في ص391 ـ 392.
( صفحه 407 )
أحدهما على الآخر.
ومقتضى بعض روايات زرارة(1) اعتبار كون الرجل متقدّماً على المرأة ولو بصدره، والظاهر أنّه أقلّ مراتب التأخّر، وينطبق عليه رواية «الشبر» بناءً على الاحتمال الثاني في معناها، ورواية «كون سجودها مع ركوعه» بناءً على أحد الاحتمالين; وهو الاحتمال الراجح الذي يرجع إلى أنّ المراد كون رأس المرأة في حال السجود محاذياً لرأس الرجل في حال الركوع، كما لا يخفى.
ومقتضى بعض الروايات المتقدّمة(2) اعتبار كون التأخّر بمقدار موضع الرجل بالجيم، والمراد منه يحتمل أن يكون مقدار باطن القدم الذي هو شبر، فينطبق على روايته، ويحتمل أن يكون مقدار ما بين الرجلين في حال المشي، الذي هو عبارة عن الخطوة، فيدلّ على اعتبارها.
ومقتضى البعض(3) كفاية أن يكون التأخّر بمقدار موضع الرحل الذي هو ذراع، أو قدر عظم الذراع فصاعداً، أو كان بينه وبينها ما لا يتخطّى، بناءً على ما ذكرنا في معنى هذا البعض من كون المراد التأخّر بهذا المقدار.
ومقتضى رواية عمّار المتقدّمة(4) كفاية كون المرأة خلف الرجل وإن كانت تصيب ثوبه، والمراد بإصابتها ثوبه يحتمل أن يكون إصابتها ثوب الرجل
- (1) تقدّم في ص396.
- (2) في ص399.
- (3) تقدّم في ص399.
- (4) في ص395 ـ 396.
( صفحه 408 )
ولو في حال القيام، فيقرب مع ما دلّ على كفاية كون الرجل متقدّماً على المرأة ولو بصدره، ويحتمل أن يكون هي إصابتها ثوبه في حال الجلوس، أو السجود المنفصل بعضه عن البدن الواقع جزؤه على الأرض، ولازمه كون مسجدها وراء موقفه.
والجمع بين الأخبار يقتضي الحمل على مراتب الكراهة; بمعنى أنّ صدق أقلّ مراتب التأخّر يوجب ارتفاع الحرمة الوضعيّة أو الكراهة، ولكن ارتفاع أصل الكراهة موقوف على تأخّر المرأة عن الرجل في جميع حالات الصلاة، فالأولى بل الأحوط التأخّر بهذا المقدار الذي يرجع إلى ما ذكرنا من كون مسجدها وراء موقفه.
الأمر الثاني: أن يكون بينهما عشرة أذرع أو أزيد، والدليل عليه موثّقة عمّار المتقدّمة(1)، الظاهرة في اعتبار هذا المقدار فيما إذا كانت المرأة متقدّمة على الرجل، أو محاذية له، وكذا إحدى روايات عليّ بن جعفر المتقدّمة(2)، أيضاً، والتعبير بأكثر من عشرة أذرع في رواية عمّار ليس لأجل اعتبار الأكثر، بل لأجل أن تحقّق العشرة عرفاً يتوقّف على ضمّ مقدار زائد ليتحقّق العلم بها، كما في موارد المقدّمات العلميّة.
ودعوى(3) تفرّد رواية عمّار بهذا الأمر; لعدم ظهور رواية علي بن جعفر في ذلك، مدفوعة بأنّ استناد الأصحاب إليها يكفي في جبرها; من دون فرق بين القائل بالبطلان، وبين القائل بالكراهة، لأنّ الطائفة الاُولى جعلوا العشرة
- (1 ، 2) في ص399 ـ 400.
- (3) كتاب الصلاة، تقريرات بحث المحقّق النائيني للآملي 1: 332.
( صفحه 409 )
رافعة للبطلان، والثانية للكراهة.
الأمر الثالث: أن يكون بينهما حاجز، ويدلّ عليه إحدى روايات محمد بن مسلم المتقدّمة(1)، وكذا رواية محمد الحلبي المتقدّمة(2)، الدالّة على اعتبار الستر; ومنصرف إطلاقها هو اعتبار أن يكون الساتر مانعاً عن المشاهدة في جميع حالات الصلاة حتّى حالة القيام.
ولكن مقتضى صحيحة علي بن جعفر، عن أخيه (عليهما السلام) المتقدّمة(3) أيضاً ـ قال: سألته عن الرجل هل يصلح له أن يصلّي في مسجد قصير الحائط وامرأة قائمة تصلّي بحياله وهو يراها وتراه؟ قال: إن كان بينهما حائط طويل أو قصير فلا بأس ـ كفاية وجود الحائط ولو كان قصيراً غير مانع عن
المشاهدة، بناءً على كون المراد مدخليّة الحائط من جهة كونه حائلا، لا من جهة اقتضائه للفصل بين الرجل والمرأة بمقدار عرضه.
كما أنّ مقتضى صحيحته الاُخرى، عن أخيه (عليهما السلام) المتقدّمة أيضاً(4) ـ قال: سألته عن الرجل يصلّي في مسجد حيطانه كوى كلّه قبلته وجانباه، وامرأته تصلّي حياله يراها ولا تراه؟ قال: لا بأس ـ أنّه لا مانع من كون الجدار مشتملا على الروزنة والشبّاك غير المانع من المشاهدة.
ومقتضى رواية أبي بصير ليث المرادي المتقدّمة أيضاً(5) الاكتفاء بكون
- (1) في ص400.
- (2) في ص397.
- (3 ، 4) في ص400.
- (5) في ص397.