( صفحه 411 )
الصلاة الصحيحة أو الفاسدة، والأوّل يمتنع تحقّقها لفقد شرطها، والثاني لا فرق فيه بين أن تكون فاسدة من جهة المحاذاة، أو من سائر الجهات الموجبة للفساد.
وقد أيّد ذلك بأنّ المأخوذ في الأخبار هو عنوان «الصلاة» فقط، من دون أخذ قيد «الصحّة» كي يقال: إنّ الصحّة المطلقة ممتنعة، فالواجب تقييدها بقيد «لولا المحاذاة»، وعنوان الصلاة إمّا أن يطلق على الصحيح المطلق الموجب لفراغ الذمّة، وقد عرفت امتناع تحقّقها في المقام، فلم يبق إلاّ أن يكون المراد بها الأعمّ، وهي صورة الصلاة، سواء كانت صحيحة من غير هذه الجهة، أو فاسدة كذلك أيضاً.
ومن هنا ربما يخدش في أصل الحكم بالتحريم في المسألة; لأنّ المانع إمّا صورة الصلاة، أو الصلاة الصحيحة، وكلاهما فاسد. أمّا صورة الصلاة، فلعدم اعتبارها عند الشارع، ومن البعيد جعله الفاسد موجباً لبطلان اُخرى مع عدم اعتباره لها، كما لا يخفى. وأمّا الصلاة الصحيحة; فلأنّه موجب لاجتماع الضدّين لو قيل بكونها فاسدة وصحيحة معاً، ولترجيح أحد طرفي الممكن بلا مرجّح لو اختير أحدهما دون الآخر.
وتنظّر في الجواهر(1) فيما حكاه عن جامع المقاصد بأنّ المراد هي الصلاة الصحيحة، ويكون مدلول الأخبار بطلان صلاة كلّ من الرجل والمرأة بحذاء الآخر، أو تقدّمها عليه بعد انعقادهما صحيحة، فالمانع هي الصلاة الصحيحة الواقعة كذلك من غير جهة المحاذاة; لأنّ الفاسدة من غير تلك الجهة لا تنعقد
- (1) جواهر الكلام 8 : 518.
( صفحه 412 )
من رأس حتّى تبطل بالمحاذاة.
ويرد عليه: أنّ ما أفاده من الانعقاد ثمّ البطلان خلاف ما يستفاد من ظاهر أخبار الباب; لأنّ مدلولها عدم إمكان اجتماع صلاة الرجل والمرأة بحذاء الآخر مثلا، ومرجعه إلى أنّهما لا تنعقدان من رأس، فتدلّ على اعتبار أن لا يكون الرجل محاذياً للمرأة وهي تصلّي، وكذا العكس.
والتحقيق أنّ المقام مثل سائر الأخبار الواردة في بيان الشرائط والموانع، وأنّه لا فرق بينه، وبين مثل قوله: لا تصلِّ في وبر ما لا يؤكل لحمه. وقوله: لا تصلِّ في النجس. ولا معنى لتخصيص الإشكال بالمقام; فإنّه يجري مثله في سائر الموارد; لأنّه يمكن أن يقال إنّ الصلاة المنهيّ عنها في وبر ما لا يؤكل لحمه إن كان المراد بها هي الصلاة الصحيحة، فمن المعلوم أنّه لا تجتمع الصحّة مع وقوعها في وبره، وإن كان المراد بها هي الأعمّ، فاللاّزم أن تكون الصلاة الفاسدة من بعض الجهات الاُخر منهيّاً عنها إذا وقعت في وبر ما لا يؤكل لحمه، كما لا يخفى.
والحلّ بعد وضوح كون تلك الأوامر والنواهي للإرشاد إلى الشرطيّة والمانعيّة، أنّها تكون للإرشاد إلى أنّ العمل الذي يأتي به المكلّف بعنوان الإطاعة والامتثال للتكليف المتوجّه إليه، لا يجدي في تحقّق هذا الغرض والوصول إلى هذا المقصود إذا كان خالياً عن المأمور به في هذه الروايات، أو واجداً لما هو المنهيّ عنه فيها، ومن المعلوم: أنّ العمل الكذائي يتّصف بالصحّة مع قطع النظر عن المكلّف به في هذه الأخبار; ضرورة أنّه بدونه لا يمكن أن يأتي به المكلّف بالعنوان المذكور، فالصحّة اللّولائيّة مستفادة
( صفحه 413 )
من هذا الطريق، فتدبّر.
ثالثها: أنّه لا إشكال ـ بناءً على القول بالبطلان ـ في بطلان صلاتهما إذا وجدت من كلّ منهما مقارنة لوجودها من الآخر; لأنّه إمّا أن تكون صلاة كلّ واحد منهما صحيحة، فهو خلاف مقتضى الأخبار المتقدّمة(1) الدالّة على اعتبار عدم المحاذاة، أو تقدّم المرأة على الرجل، ودعوى عدم شمولها لصورة الاقتران مدفوعة جدّاً. وإمّا أن تكون باطلة، فهو المطلوب. وإمّا أن تكون إحداهما صحيحة دون الاُخرى.
فالصحيحة وكذا الفاسدة إن كانت إحداهما لا على التعيين، فهو غير معقول، وقياس المقام بباب الواجب التخييري بناءً على كون الوجوب متعلّقاً بأحدهما، أو أحدها لا على سبيل التعيين غير صحيح; لأنّ باب التكليف المتعلّق بالأمر الكلّي يغاير باب الصحّة والبطلان مع كونهما وصفين للفرد الخارجي; لأنّ الصلاة الموجودة في الخارج إمّا أن تكون صحيحة، وإمّا أن تكون فاسدة، ولا يعقل أن يكون المتّصف بأحدهما هو الفرد غير المعيّن بحسب الواقع أيضاً، كما هو ظاهر.
وإن كانت إحداهما معيّنة، فالمفروض عدم ما يدلّ على التعيين، ولا وجه له أصلا; لكونه ترجيحاً بلا مرجّح; لأنّ المفروض عدم ثبوت مزيّة لإحداهما على الاُخرى، هذا كلّه مع الاقتران.
وأمّا مع تقدّم أحدهما على الآخر في الشروع في الصلاة، كما إذا شرع الرجل مثلا في الصلاة، ثمّ شرعت المرأة في الصلاة بحذاه، أو إلى أحد جانبيه،
( صفحه 414 )
فلا إشكال أيضاً في بطلان صلاة المتأخّر منهما; لعدم كونها واجدة لشرطها من حين الشروع فيها.
وبعبارة اُخرى: لا إشكال في شمول أخبار الباب لهذا الفرض أيضاً، ومقتضى الشمول بطلان صلاة المتأخّر لا محالة وإن قلنا بصحّة صلاة المتقدّم; إذ لا مجال لتوهّم العكس كما هو ظاهر، فبطلان صلاة المتأخّر ـ بناءً على القول بالبطلان ـ ممّا لا ريب فيه.
إنّما الإشكال في بطلان صلاة المتقدّم أيضاً، كما اختاره صاحب الجواهر (قدس سره) مستنداً إلى معلوميّة قاعدة أنّ مانع صحّة الجميع مانع للبعض، واستظهر ذلك من ذيل صحيحتي ابن مسلم وابن أبي يعفور، وخبر أبي بصير، بل بالغ في ذلك فقال: لعلّه يظهر من باقي النصوص أيضاً(1).
أقول: إن كان مراده من صحيحة ابن مسلم(2) ما ورد فيها السؤال عن صحّة صلاة الرجل في زاوية الحجرة، والحال أنّ امرأته أو ابنته تصلّي في زاويتها الاُخرى، فمورد السؤال فيها وإن كان فرض تأخّر صلاة الرجل عن صلاة المرأة، كما يظهر بعد التدبّر فيه، إلاّ أنّ الجواب بما ظاهره بطلانها لا دلالة له على حكم صلاة المرأة المتقدّمة في الشروع، ولكنّ الظاهر عدم كون هذه الرواية مقصودة لصاحب الجواهر، خصوصاً مع تصريحه باستظهاره من الذيل.
وإن كان مراده منها، ما ورد في حكم صلاة الرجل والمرأة المتزاملين
- (1) جواهر الكلام 8 : 525.
- (2) تقدّمت في ص396.
( صفحه 415 )
اللذين يصلّيان جميعاً في المحمل(1)، كما هو الظاهر، فالفرض فيها وإن كان مطلق الصلاة جميعاً، الشامل لصورة الاقتران والتقدّم والتأخّر في الشروع، إلاّ أنّ الجواب بقوله (عليه السلام) : «لا»، مرجعه إلى أنّه لا يمكن صحّة صلاتهما معاً، بل يتوقّف ذلك على أن يصلّي أحدهما أوّلا، ثمّ يصلّي الآخر بعد فراغ الأوّل، إلاّ أنّ نفي صحّة الصلاتين معاً لا ينحصر فرضه ببطلان كلّ واحدة منهما، بل يجتمع مع بطلان خصوص المتأخّر، وصحّة المتقدّم أيضاً.
ومنه يظهر الجواب عن الاستظهار من خبر أبي بصير المتقدّم(2)، الوارد في حكم المتزاملين أيضاً، وكذا رواية عبدالله بن أبي يعفور المتقدّمة(3).
واستدلّ لاختصاص البطلان بخصوص المتأخّرة بوجوه:
منها: استبعاد(4) بطلان الصلاة المنعقدة صحيحة بفعل الغير الخارج عن الاختيار، كما لا يخفى.
ويدفعه أنّ مجرّد الاستبعاد لا يصلح لإثبات الحكم الشرعي، ولا يقتضي رفع اليد عمّا هو مقتضى الدليل على فرضه.
ومنها: انّ المتأخّرة ليست بصلاة; لبطلانها بالمحاذاة، فلا تصلح لإبطال السابقة(5)، والصحّة لولا المحاذاة إنّما يصار إليه فيما إذا لم يمكن الصحّة المطلقة، كما في صورة الاقتران; لقيام القرينة على أنّه لا يمكن أن يكون المراد هي
- (1) تقدّمت في ص394.
- (2) لم يتقدّم ذكره قبلاً. نعم، أشار إليه في ص403، وذكرنا هناك تخريجه.
- (3) في ص398.
- (4) المهذّب البارع 1: 337، العروة الوثقى 1: 420، الأمر العاشر.
- (5) كما في مستمسك العروة الوثقى 5: 476.