( صفحه 432 )
جواز السجود على كلّ شيء ولو كان من الأعيان النجسة.
ومنشأ الاعتبار الروايات الكثيرة الواردة في هذا الباب، الدالّة عليه عموماً أو خصوصاً; بمعنى النهي عن السجود على بعض ما ليس من الأرض، وكذا عن بعض المأكولات والملبوسات.
وممّا يدلّ على ذلك بنحو العموم صحيحة هشام بن الحكم أنّه قال لأبي عبدالله (عليه السلام) : أخبرني عمّا يجوز السجود عليه وعمّا لا يجوز، قال: السجود لا يجوز إلاّ على الأرض أو على ما أنبتت الأرض إلاّ ما اُكل أو لبس، فقال له: جعلت فداك ما العلّة في ذلك؟ قال: لأنّ السجود خضوع لله عزّ وجلّ، فلا ينبغي أن يكون على ما يؤكل ويلبس; لأنّ أبناء الدنيا عبيد ما يأكلون ويلبسون، والساجد في سجوده في عبادة الله عزّ وجلّ، فلا ينبغي أن يضع جبهته في سجوده على معبود أبناء الدنيا، الذين اغترّوا بغرورها، الحديث(1).
وصحيحة حمّاد بن عثمان، عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنّه قال: السجود على ما أنبتت الأرض إلاّ ما اُكل أو لبس(2).
وعدم التعرّض لنفس الأرض إمّا لأجل كونها مستفادة من طريق الأولويّة، وإمّا لأجل كون الرواية مسوقة لبيان الاستثناء المتحقّق في خصوص النبات دون الأرض; لعدم استثناء شيء منه، ويحتمل أن يكون
- (1) الفقيه 1: 177 ح840 ، علل الشرائع: 341 ب42 ح1، تهذيب الأحكام 2: 234 ح925، وعنها وسائل الشيعة 5: 343، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه ب1 ح1.
- (2) الفقيه 1: 174 ح826 ، علل الشرائع: 341 ب42 ح3، تهذيب الأحكام 2: 234 ح924، وص313 ح1274، وعنها وسائل الشيعة 5: 344، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه ب1 ح2.
( صفحه 433 )
«ما أنبتت الأرض» كناية عن الأرض ونباتها، وتؤيّده الرواية الآتية الواردة في الزجاج.
ورواية الأعمش، عن جعفر بن محمّد (عليهما السلام) في حديث شرائع الدين قال: لا يسجد إلاّ على الأرض أو ما أنبتت الأرض إلاّ المأكول والقطن والكتّان(1).
وغير ذلك من الروايات الواردة في هذا الباب، الدالّة على اعتبار ما ذكر فيما يسجد عليه، المذكورة في «الوسائل»، فلا إشكال في الحكم في الجملة. نعم، لابدّ من التكلّم في الفروع في ضمن اُمور:
الأوّل: لا خفاء في أنّ المراد بالأرض التي يجوز السجدة عليها ليس هو الأرض في مقابل السماء الذي هو عبارة عن مجموع هذه الكرة من بسائطها ومركّباتها، بل المراد بها هي الأرض بمعنى المواد الأوّليّة، القابلة للتغيير إلى المعادن والنباتات والحيوانات; وهي عبارة عن التراب والحجر والرمل والحصى، فيجوز السجود على التراب من دون فرق بين أن يكون تراباً خالصاً، أو تراباً معدنيّاً مشتملا على ذرّات الذهب أو الفضّة، أو غيرهما من المعدنيّات; لعدم خروجه عن صدق التراب وإن خرج بعض أجزائه عن صدقه بعد التصفية والتجزئة، ولذا لا يجوز السجود على مثل الذهب والفضّة وغيرهما من المعادن الخارجة عن صدق الأرض.
وكذا يجوز السجود على الحجر من دون فرق بين أنواعه. نعم، بعض الأحجار خارج عن صدق الأرض، كالأحجار الكريمة، كالياقوت
- (1) الخصال: 604 قطعة من ح9، وعنه وسائل الشيعة 5: 344، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه ب1 ح3.
( صفحه 434 )
والفيروزج والزبرجد، فيجوز السجود على حجر الجصّ، وكذا حجر النورة فيما إذا لم يكونا مطبوخين. وأمّا بعد الطبخ، فلا يبعد أن يقال أيضاً بعدم خروجهما عن صدق الأرض، مضافاً إلى استصحاب جواز السجود عليهما الثابت قبل الطبخ. وأمّا استصحاب بقاء عنوان الأرض، فهو مخدوش; لعدم كون الشكّ في بقاء أمر خارجيّ، بل في مفهوم لفظ الأرض، كاستصحاب بقاء النهار إذا شكّ في زواله باستتار القرص، أو بقائه إلى زوال الحمرة المشرقيّة.
ويدلّ على الجواز أيضاً صحيحة الحسن بن محبوب قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الجصّ توقد عليه بالعذرة وعظام الموتى ثمّ يجصّص به المسجد، أيسجد عليه؟ فكتب (عليه السلام) إليّ بخطّه: إنّ الماء والنار قد طهّراه(1).
فإنّ ظاهر السؤال أنّ الإشكال المتوهّم في جواز السجود عليه ليس هي المطبوخيّة، بل إنّما هي النجاسة، ومع فرض عدمها فلا إشكال في جواز السجود عليه، وظاهر الجواب تقرير السائل على ذلك، ودفع توهّم النجاسة بأنّ الماء والنار قد طهّراه، وهذا التعليل وإن كان في كمال الإجمال; لأنّ المفروض فيه حصول النجاسة للجصّ بالطبخ في مورد السؤال، وهو إنّما يتمّ على تقدير اختلاط ذرّات العذرة والعظام مع الجصّ.
وأمّا لو فرض وجود الحائل بينهما كالظرف ونحوه، فلا تتحقّق النجاسة بوجه، وعلى تقديرها، فلا معنى لحصول الطهارة لها بالماء الذي يكون المراد
- (1) الكافي 3: 330 ح3، الفقيه 1: 175 ح829 ، تهذيب الأحكام 2: 235 ح928، وعنها وسائل الشيعة 5: 358، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه ب10 ح1.
( صفحه 435 )
منه ظاهراً هو الماء المخلوط معه لأن يتحقّق إمكان التجصيص، ولا وجه لكون مثله مطهّراً، وكذلك النار وقد تقدّم بيان ذلك في المطهّرات(1)، إلاّ أنّ إجماله لا يقدح فيما هو المهمّ من الاستدلال بالصحيحة، كما لا يخفى.
وبما ذكرنا ظهر جواز السجود على الخزف والآجر، وكذا حجر الرحى والمرمر، وغيره من الأحجار التي يصدق عليها اسم الأرض، وإن اُطلق عليه المعدن أيضاً; فإنّ صدق المعدن لا يقدح مع إطلاق الأرض; لأنّه ليس في أدلّة المسألة ما يدلّ على المنع من السجود على المعدن بعنوان كونه معدناً. نعم، في المرمر المصنوعي إذا لم يعلم مادّته المصنوع منها، واحتمل اتّخاذه من غير المواد الأرضيّة، لا يجوز السجود عليه; لعدم إحراز عنوان الأرض.
وأمّا الزجاج، فلا يجوز السجود عليه; لعدم صدق الأرض عليه، مضافاً إلى صحيحة محمد بن الحسين قال:
إنّ بعض أصحابنا كتب إلى أبي الحسن الماضي (عليه السلام) يسأله عن الصلاة على الزجاج؟ قال: فلمّا نفذ كتابي إليه تفكّرت وقلت: هو ممّا أنبتت الأرض، وما كان لي أن أسأل عنه، قال: فكتب إليّ: لا تصلِّ على الزجاج
وإن حدّثتك نفسك أنّه ممّا أنبتت الأرض، ولكنّه من الملح والرمل، وهما ممسوخان. ورواه علي بن عيسى في «كشف الغمّة» نقلا من كتاب «الدلائل» لعبدالله بن جعفر الحميري في دلائل عليّ بن محمد العسكري (عليه السلام) قال: وكتب إليه محمد بن الحسين بن مصعب يسأله، وذكر نحوه، إلاّ أنّه قال: فإنّه
- (1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الطهارة، غسل الجنابة، التيمّم، المطهّرات: 623، المقام الرابع.
( صفحه 436 )
من الرمل والملح، والملح سبخ(1).
وما حدّثت نفس الكاتب من أنّ «الزّجاج ممّا أنبتت الأرض» يمكن أن يكون وجهه ما أشرنا إليه في ذيل بعض الروايات المتقدّمة(2)، من أنّ ما أنبتت الأرض كناية عن الأرض ونباتها، فيكون في ذهن السائل أنّ الزّجاج من أجزاء الأرض، ولأجله وقع الجواب عنه بأنّه من الملح والرمل، وهما ممسوخان; يعني أنّ التركيب بينهما وصيرورتهما زجاجاً أوجب خروجهما عن عنوان الأرض وعدم بقائهما على حقيقتهما.
وليس المراد أنّهما ممسوخان حتّى في حال كونهما رملا وملحاً حتّى يناقش بأنّ الملح وإن لم يكن باقياً على وصف الأرضيّة، وقد تبدّل عنه إلى صورة الملحيّة، إلاّ أنّ الرمل في حال كونه كذلك لا يكون ممسوخاً أصلا، وهذا الإشكال لا يجري في الرواية على النقل الآخر، ويمكن أن يكون وجهه
أنّه كان في ذهنه أنّ المراد ممّا أنبتت الأرض هو الأعمّ ممّا يصنع من أجزائها ويعمل منها، فيشمل الزجاج; لأنّه يكون كذلك. وعليه: فمرجع الجواب إلى نفي هذا المعنى، وأنّه لا يشمل مثله، فتدبّر جيّداً.
وأمّا ما هو المتداول في هذا العصر ممّا يعبّر عنه بالفارسية بـ «موزائيك» فالظاهر أنّه لا مانع من السجود عليه، لتركّبه من أجزاء الأرض وصدق عنوانها عليه، كصدقه على الأحجار، كما لا يخفى.
- (1) الكافي 3: 332 ح14، تهذيب الأحكام 2: 304 ح1231، كشف الغمّة 3: 174 ـ 175، علل الشرائع: 342 ب42 ح5، وعنها وسائل الشيعة 5: 360، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه ب12 ح1.
- (2) في ص432 ـ 433.