( صفحه 435 )
منه ظاهراً هو الماء المخلوط معه لأن يتحقّق إمكان التجصيص، ولا وجه لكون مثله مطهّراً، وكذلك النار وقد تقدّم بيان ذلك في المطهّرات(1)، إلاّ أنّ إجماله لا يقدح فيما هو المهمّ من الاستدلال بالصحيحة، كما لا يخفى.
وبما ذكرنا ظهر جواز السجود على الخزف والآجر، وكذا حجر الرحى والمرمر، وغيره من الأحجار التي يصدق عليها اسم الأرض، وإن اُطلق عليه المعدن أيضاً; فإنّ صدق المعدن لا يقدح مع إطلاق الأرض; لأنّه ليس في أدلّة المسألة ما يدلّ على المنع من السجود على المعدن بعنوان كونه معدناً. نعم، في المرمر المصنوعي إذا لم يعلم مادّته المصنوع منها، واحتمل اتّخاذه من غير المواد الأرضيّة، لا يجوز السجود عليه; لعدم إحراز عنوان الأرض.
وأمّا الزجاج، فلا يجوز السجود عليه; لعدم صدق الأرض عليه، مضافاً إلى صحيحة محمد بن الحسين قال:
إنّ بعض أصحابنا كتب إلى أبي الحسن الماضي (عليه السلام) يسأله عن الصلاة على الزجاج؟ قال: فلمّا نفذ كتابي إليه تفكّرت وقلت: هو ممّا أنبتت الأرض، وما كان لي أن أسأل عنه، قال: فكتب إليّ: لا تصلِّ على الزجاج
وإن حدّثتك نفسك أنّه ممّا أنبتت الأرض، ولكنّه من الملح والرمل، وهما ممسوخان. ورواه علي بن عيسى في «كشف الغمّة» نقلا من كتاب «الدلائل» لعبدالله بن جعفر الحميري في دلائل عليّ بن محمد العسكري (عليه السلام) قال: وكتب إليه محمد بن الحسين بن مصعب يسأله، وذكر نحوه، إلاّ أنّه قال: فإنّه
- (1) تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة، كتاب الطهارة، غسل الجنابة، التيمّم، المطهّرات: 623، المقام الرابع.
( صفحه 436 )
من الرمل والملح، والملح سبخ(1).
وما حدّثت نفس الكاتب من أنّ «الزّجاج ممّا أنبتت الأرض» يمكن أن يكون وجهه ما أشرنا إليه في ذيل بعض الروايات المتقدّمة(2)، من أنّ ما أنبتت الأرض كناية عن الأرض ونباتها، فيكون في ذهن السائل أنّ الزّجاج من أجزاء الأرض، ولأجله وقع الجواب عنه بأنّه من الملح والرمل، وهما ممسوخان; يعني أنّ التركيب بينهما وصيرورتهما زجاجاً أوجب خروجهما عن عنوان الأرض وعدم بقائهما على حقيقتهما.
وليس المراد أنّهما ممسوخان حتّى في حال كونهما رملا وملحاً حتّى يناقش بأنّ الملح وإن لم يكن باقياً على وصف الأرضيّة، وقد تبدّل عنه إلى صورة الملحيّة، إلاّ أنّ الرمل في حال كونه كذلك لا يكون ممسوخاً أصلا، وهذا الإشكال لا يجري في الرواية على النقل الآخر، ويمكن أن يكون وجهه
أنّه كان في ذهنه أنّ المراد ممّا أنبتت الأرض هو الأعمّ ممّا يصنع من أجزائها ويعمل منها، فيشمل الزجاج; لأنّه يكون كذلك. وعليه: فمرجع الجواب إلى نفي هذا المعنى، وأنّه لا يشمل مثله، فتدبّر جيّداً.
وأمّا ما هو المتداول في هذا العصر ممّا يعبّر عنه بالفارسية بـ «موزائيك» فالظاهر أنّه لا مانع من السجود عليه، لتركّبه من أجزاء الأرض وصدق عنوانها عليه، كصدقه على الأحجار، كما لا يخفى.
- (1) الكافي 3: 332 ح14، تهذيب الأحكام 2: 304 ح1231، كشف الغمّة 3: 174 ـ 175، علل الشرائع: 342 ب42 ح5، وعنها وسائل الشيعة 5: 360، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه ب12 ح1.
- (2) في ص432 ـ 433.
( صفحه 437 )
الثاني: أنّه يجوز السجود على كلّ ما يصدق عليه نبات الأرض إلاّ المأكول والملبوس، وقد ورد الحكم بجوازه في كثير من الروايات
الواردة في الباب(1)، وذكر النبات من دون الإضافة إلى الأرض في بعض الروايات(2) ـ الذي لازمه شمول الحكم لما ينبت على وجه الماء، كالخضرة التي تعلو المياه الراكدة في البركة ـ لا يوجب إطلاق الحكم بعد ثبوت الإضافة إلى الأرض، أو الإسناد إليها في غيره من الروايات; للزوم التقييد بها، كما لا يخفى.
والمراد بنبات الأرض ـ كما هو المتفاهم منه عند العرف ـ هو ما ينبت من الأرض ممّا كان له حيات نباتيّ في مقابل الجماد والحيوان، ومرجعه إلى التغذّي بقوى الأرض والاستفادة منها للرشد والنموّ وإبقاء الحياة; وإن زال عنه الروح النباتي فعلا لأجل اليبوسة أو الانفصال، وليس المراد به هو كلّ ما يخرج من الأرض، أو يصنع من أجزائها ولو لم يكن نباتاً عرفاً; وإن أشعر به الرواية المتقدّمة الواردة في الزجاج على ما عرفت، فلا يجوز السجود على القير وإن ورد في بعض(3) الروايات جواز السجود عليه، معلّلا
بأنّه من نبات الأرض، ولكنّها معرض عنها، مضافاً إلى معارضتها بما يدلّ على المنع.
ثمّ إنّ المشهور بينهم ـ بل الظاهر أنّه كان مفروغاً عنه عندهم ـ أنّه
- (1) وسائل الشيعة 5: 341 ـ 346، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه ب1.
- (2) وسائل الشيعة 5: 345 ـ 346، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه ب1 ح9 و 10.
- (3) الفقيه 1: 292 ح1325، وعنه وسائل الشيعة 5: 355، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه ب6 ح8 .
( صفحه 438 )
لا يجوز السجود على الرماد ولا على الفحم(1)، والظاهر أنّ الحكم في الرماد كذلك; لخروجه عن صدق النبات; لعدم بقاء الجسم النباتي معه أيضاً.
ودعوى أنّه يمكن أن يقال بصدق اسم الأرض عليه، نظير التراب الذي كان في الأصل إنساناً(2). مدفوعة بمنع الصدق المذكور، كما أنّ دعوى صدق النبات عليه، يدفعها أنّ لازمه التفصيل بين الرماد الذي كان نباتاً، وبين الرماد الذي لم يكن في الأصل أرضاً ولا نباتاً، مع أنّ العرف لا يفرّق بين القسمين قطعاً.
وأمّا الفحم، فيمكن المناقشة فيما ذكره المشهور بأنّ الفحم إنّما هو من نبات الأرض، ويشترك مع الخشب في بقاء الجسم النباتي فيه، وزوال الحياة النباتيّة عنه، نعم، يفترق عنه في كونه مطبوخاً، وقد عرفت(3) أنّ المطبوخ من الأرض لا يخرج بذلك عن حقيقتها، فكذا المطبوخ من النبات.
وقد قوّى الجواز فيه في الجواهر(4); للأصل، وعدم طهارة المتنجّس بالاستحالة إليه.
واُورد عليه بأنّه لا ملازمة بين ارتفاع جواز السجود بصيرورة الحطب
- (1) المبسوط 1: 89 ، السرائر 1: 268، المعتبر 2: 120، روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان 2: 593، كشف اللثام 3: 344، مستند الشيعة 5: 252، جواهر الكلام 8 : 689، هذا، ولكن لم نعثر على مدّعي الشهرة فيهما إلاّ السيّد البروجردي (قدس سره) في نهاية التقرير 1: 518 ـ 519، بل بالنسبة إلى «الفحم» لم يتعرّض له أكثر الفقهاء، وقال في كشف اللثام: وفي الفحم تردّد، وفي المستند: يجوز السجود عليه.
- (2) راجع نهاية التقرير 1: 519.
- (3) في ص434.
- (4) جواهر الكلام 8 : 689 ـ 690.
( صفحه 439 )
فحماً، وعدم ارتفاع النجاسة بذلك; إذ يكفي في ارتفاع الأوّل ارتفاع موضوعه ولو بارتفاع صفة المقوّمة له، ولا يكفي في الثاني ذلك، بل لابدّ من صدق الاستحالة الموجبة لتعدّد الموضوع ذاتاً وصفة عرفاً، مثلا لو ثبت حكم للعجين ارتفع بمجرّد صيرورته خبزاً وإن كانت نجاسته لا ترتفع بذلك(1).
ويرد عليه: أنّه وإن كان يكفي في الأوّل ارتفاع موضوعه، إلاّ أنّه لم يرتفع الموضوع في المقام; لصدق عنوان النبات عليه كصدقه على الحطب على ما عرفت. فانقدح ممّا ذكرنا أنّ الظاهر هو التفصيل بين الرماد والفحم، كما في المتن.
الثالث: لا يجوز السجود على المأكول والملبوس، وليس المراد منهما خصوص ما يكون صالحاً للأكل واللبس فعلا، كالخبز والقميص، بل يعمّ ذلك وما يكون صالحاً للأكل واللبس ولو بعلاج، كالحنطة والشعير والقطن والكتّان; لأنّها بنظر العرف تعدّ من المأكولات والملبوسات، مضافاً إلى ورود التعبير بالحنطة والشعير فيما لا يجوز السجود عليه في بعض الروايات، كحديث الأربعمائة(2).
ثمّ إنّ الشيء قد يكون مأكولا في جميع الأمكنة، وفي جميع حالاته، وفي جميع الأحوال; أي أحوال الناس، ولا إشكال حينئذ في عدم جواز السجود عليه، وقد يكون مأكولا في بعض البلاد دون بعض، أو في بعض حالاته دون
- (1) مستمسك العروة الوثقى 5: 491.
- (2) الخصال: 628، وعنه وسائل الشيعة 5: 344، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه ب1 ح4.