( صفحه 441 )
ـ حيث عرفت امتناعه ـ يدور الأمر بين إرادة الفعليّة بالمعنيين الأخيرين، وبين إرادة الاستعداد، والثاني منهما أيضاً أظهر، كما أنّ الأظهر الحمل على الاستعداد الذاتي لا العرضي; لاحتياج الثاني إلى عناية زائدة لا قرينة عليها. نعم، يساعده التعليل في صحيح هشام: «لأنّ أهل الدنيا إنّما يعبدون ما أعدوه لأكلهم ولبسهم»(1)، ولا يكفي في كون الشيء معبوداً لهم كونه مستعدّاً للأكل أو اللبس في نفسه(2).
وما أفاده وإن كان حسناً، إلاّ أنّ الأحسن منه أن يراد بالمأكول ما أعدّه الله سبحانه لأكل الإنسان حتّى يشمل مثل العقاقير والأدوية المأكولة في حال المرض; وإن كانت خالية عمّا يحسن لأجله أن يؤكل من خصوصيّات الطعم والرائحة. وعليه: فالضابط هو إعداد الله ـ تعالى ـ إيّاه لأن يأكله الإنسان ولو في حال المرض الذي يطرأ الإنسان نوعاً، ولابدّ لرفعه من التداوي.
نعم، لا يشمل مثل العلف الذي تأكله الدوابّ إذا اتّفق أكله للإنسان لأجل الضرورة الباعثة على أكله حفظاً للنفس، كالمخمصة ونحوها، كما أنّه لا يشمل مثله إذا صار مأكولا لبعض الأفراد النادرة على خلاف الطبيعة; لأنّ ذلك لا يوجب صدق إعداد الله ـ تعالى ـ إيّاه لأكل الإنسان، كما لا يخفى.
نعم، لو كان مأكولا لبعض الأصناف ـ كما إذا كان الشيء مأكولا في بعض البلاد دون بعض ـ فالظاهر صدق ذلك وكونه مأكولا.
- (1) تقدّم في ص432، وهذه العبارة ليست نصّ الحديث، بل نقل بالمعنى.
- (2) مستمسك العروة الوثقى 5: 493 ـ 494.
( صفحه 442 )
وممّا ذكرنا يظهر عدم جواز السجود على الثمرة المأكولة، ولو قبل وصولها إلى زمان الأكل; لأنّها ممّا أعدّه الله ـ تعالى ـ لأكل الناس، وإن كان أكله متوقّفاً على مرور زمان، فهي تكون مثل الحنطة والشعير الذي يتوقّف أكله على العلاج; لعدم الفرق بين العلاج، وبين مرور الزمان بوجه.
وأمّا قشور الثمار، فقد فصّل فيها في المتن بين ما إذا كانت منفصلة عنها، وبين ما إذا كانت متّصلة بها، بالحكم بجواز السجود في الأوّل دون الثاني، والوجه في العدم مع الاتّصال أنّها في هذه الصورة تعدّ جزءاً للثمرة المأكولة، ويصدق على السجود عليها أنّه سجود على المأكول، وهذا بخلاف صورة الانفصال الذي يكون القشر معه شيئاً مستقلاًّ غير معدود جزءاً من الثمرة، والمفروض عدم كونه مأكولا، فلا مانع من السجود عليه، وقد استثنى منه مثل قشر التفّاح والخيار ممّا هو مأكول ولو تبعاً، أو يؤكل أحياناً، أو يأكله بعض الناس; فإنّ المأكوليّة ـ تبعاً أو أحياناً أو عند بعض ـ تدخله في المأكول بالمعنى المذكور، ولا ينافيه كون الحكمة من خلقه إنّما هي صيانة الثمرة وحفظها من الآفات; فإنّ ذلك لا ينافي كونه مأكولا أيضاً.
وأمّا قشور الحبوب التي تؤكل معها تبعاً، فقد احتاط فيها في المتن وجوباً; والوجه فيه ما ذكرنا في مثل قشر التفّاح، والفرق أنّ قشر التفّاح ربما يؤكل أحياناً مستقلاًّ أو يأكله بعض الناس، بخلاف قشر الحبّ الذي لا يؤكل إلاّ تبعاً، فتدبّر.
وأمّا قشر نوى الأثمار، فإن كان متّصلا به، فالظاهر عدم جواز السجود عليه إذا كان اللبّ مأكولا; لصدق السجود على المأكول عليه وكونه معدوداً
( صفحه 443 )
جزءاً له. وأمّا إذا لم يكن اللبّ مأكولا ولو بعلاج، أو في حال المرض للتداوي، فلا مانع من السجود عليه أصلا، كما أنّه إذا كان منفصلا عنه ولو في الصورة الاُولى يجوز السجود عليه; لعدم كونه مأكولا، وعدم كونه جزءاً من المأكول بوجه.
وأمّا مثل الحنظل والخرنوب من الثمار غير المأكولة، فيجوز السجود عليه; لعدم كونه مأكولا. نعم، في بعض الروايات استثناء مطلق الثمرة من دون تقييد بكونها مأكولة، كما في صحيحة محمد بن مسلم، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: لا بأس بالصلاة على البوريا والخصفة وكلّ نبات إلاّ الثمرة(1).
بناءً على ما في الفقيه المطبوع. وأمّا في التهذيب فالتمرة(2) بدل الثمرة.
نعم، في صحيحة زرارة، عن أبي جعفر (عليه السلام) قال: قلت له: أسجد على الزفت يعني القير؟ فقال: لا، ولا على الثوب الكرسف، ولا على الصوف، ولا على شيء من الحيوان، ولا على طعام، ولا على شيء من ثمار الأرض، ولا على شيء من الرياش(3).
ولكنّ الظاهر لزوم التقييد بالمأكول، كما هو مقتضى النصّ(4) والإجماع(5)،
- (1) تهذيب الأحكام 2: 311 ح1262، الفقيه 1: 169 ح800 ، وعنهما وسائل الشيعة 5: 245، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه ب1 ح9.
- (2) كذا في الوسائل 3: 593 طبعة مكتبة الإسلاميّة بطهران سنة 1376 بتحقيق الشيخ عبد الرحيم الربّاني، ولكن في التهذيب طبع الجديد والقديم 1: 256، وترتيب التهذيب 1: 248، والوسائل طبع آل البيت (عليهم السلام) «الثمرة».
- (3) الكافي 3: 330 ح2، تهذيب الأحكام 2: 303 ح1226، الاستبصار 1: 331 ح1242، وعنها وسائل الشيعة 5: 346، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه ب2 ح1.
- (4) وسائل الشيعة 5: 343 ـ 346، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه ب1.
- (5) تقدّم تخريجه في ص431.
( صفحه 444 )
فيخرج مثل الحنظل والخرنوب. نعم، لو تداول استعمالهما في الأدوية لشفاء بعض الأمراض ـ كما لا تبعد دعواه ـ فالظاهر حينئذ عدم الجواز; لما عرفت(1) من شمول المأكول لما يتداوى به في حال المرض.
وأمّا التبن والقصيل ونحوهما، فيجوز السجود عليهما; لأنّ المتبادر عند العرف من المأكول المستثنى في الروايات هو المأكول للإنسان، ولا يعمّ مأكول الحيوان، وقد عرفت أنّ الأكل في حال المخمصة والاضطرار لا يوجب صدق المأكوليّة.
وأمّا التتن، فيجوز السجود عليه وإن كان لفظ الشرب يضاف إليه، والمأكول في الدليل يكون أعمّ من المشروب، وذلك لأنّ إطلاق ذلك اللفظ عليه لا يوجب صدق كونه مأكولا، كما لا يخفى.
وأمّا نخالة الحنطة والشعير وقشر البطّيخ ونحوه، فقد احتاط في المتن بترك السجود عليها، والوجه فيه: تعلّق الأكل بها أحياناً أو بالتبع; وإن لم تكن في هذه الجهة مثل قشر التفّاح والخيار الذي لا يكون أكله خروجاً عن المتعارف.
وأمّا قشر الأرُز والرمّان بعد الانفصال، فلا يبعد جواز السجود عليه كما في المتن; لعدم كونه مأكولا ولا جزءاً من المأكول بعد فرض الانفصال.
الرابع: أنّه قد وقع الخلاف في جواز السجود على القطن والكتّان، والمشهور شهرة عظيمة(2)، بل عن التذكرة والمهذّب البارع والمقتصر نسبته
- (1) في ص441.
- (2) مختلف الشيعة 2: 130 مسألة 71، مدارك الأحكام 3: 246، كشف اللثام 3: 341 ـ 342، الحدائق الناضرة 7: 249، جواهر الكلام 8 : 701، مستمسك العروة 5: 501.
( صفحه 445 )
إلى علمائنا(1)، بل عن جمع من الكتب دعوى الإجماع عليه(2) هو المنع، وقد جعله المحقّق في الشرائع هو الأشهر(3)، وعن السيّد في بعض رسائله الجواز(4)، ومنشأ الخلاف اختلاف الروايات الواردة في الباب.
أمّا ما يدلّ على المنع ـ فمضافاً إلى ما يدلّ على المنع عن السجود على الملبوس، بعد كون المراد منه ما أعدّ للّبس، لا ما يكون ملبوساً فعلا، ومن المعلوم أنّ القطن والكتّان معدّان لذلك لو لم نقل بندرة الملبوس من غيرهما ـ فخبر الأعمش المتقدّم(5) في صدر المسألة، المرويّ في الخصال عن جعفر بن محمّد (عليهما السلام) في حديث شرائع الدين قال: لا يسجد إلاّ على الأرض أو ما أنبتت الأرض إلاّ المأكول والقطن والكتّان.
وخبر أبي العبّاس الفضل بن عبد الملك قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام) : لا يسجد إلاّ على الأرض أو ما أنبتت الأرض إلاّ القطن والكتّان(6).
وأمّا ما يدلّ على الجواز، فمنها رواية ياسر الخادم قال: مرّ بي أبو الحسن (عليه السلام) وأنا اُصلّي على الطبري، وقد ألقيت عليه شيئاً أسجد عليه،
- (1) تذكرة الفقهاء 2: 436 مسألة 102، المهذّب البارع 1: 340، المقتصر: 73، وفي الأخيرين «مذهب الأصحاب».
- (2) الخلاف 1: 357، مختلف الشيعة 2: 130 ـ 131 مسألة 71، البيان: 66.
- (3) شرائع الاسلام 1: 73، وكذا في المختصر النافع: 75، والمعتبر 2: 118، وكشف الرموز 1: 145 ـ 147، وتحرير الأحكام 1: 217، الرقم 714، وكفاية الفقه، المشتهر بـ «كفاية الأحكام» 1: 83 .
- (4) جوابات المسائل الموصليّات الثانية (رسائل الشريف المرتضى) 1: 174.
- (5) في ص433.
- (6) الكافي 3: 330 ح1، تهذيب الأحكام 2: 303 ح5225، الاستبصار 1: 331 ح241، وعنها وسائل الشيعة 5: 344، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه ب1 ح6.