( صفحه 460 )
ما يسجد عليه يخاف إن سجد على الرمضاء أحرقت وجهه؟ قال: يسجد على ظهر كفّه فإنّها أحد المساجد(1).
والظاهر أنّ المراد به ما عن الوافي(2) من أنّ مرجعه إلى أقربيّة ظهر الكفّ لأن يسجد عليه; لكون الكفّ إحدى المواضع السبعة عند السجود، فإذا سجد عليه فكأنّه سجد على الأرض بتوسّطه.
وأمّا استظهار أنّ التعليل إنّما جيء به لدفع توهّم عدم جواز السجود عليه بالخصوص في حال الاضطرار، لمكان كونه من أجزاء بدن المصلّي، فأراد دفع هذا التوهّم بأنّ الكفّ إحدى المساجد، فلا مانع من السجود عليها في هذا الحال(3).
فيدفعه ظهور الحكم المعلّل في تعيّن السجود على ظهر الكفّ. وبعبارة اُخرى: الظاهر رجوع التعليل إلى لزوم السجود عليه لا جوازه دفعاً للتوهّم المذكور. وكيف كان، فظاهر ذيل الرواية أيضاً ثبوت البدليّة لظهر الكفّ مع عدم الثوب.
وأمّا ما يقال من أنّ الأمر بالسجود على ظهر الكفّ في مفروض السائل غير دالّ على البدليّة رأساً; لعدم وجود ما يسجد عليه أصلا مع فرضه الخوف على وجهه من الرمضاء، فيدور الأمر حينئذ بين ترك السجدة والاكتفاء بالإيماء لها، وبين السجود على الرمضاء واحتراق وجهه، وبين
- (1) علل الشرائع: 340 ح1، وعنه وسائل الشيعة 5: 351، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه ب4 ح6.
- (2) الوافي 8 : 740 ذ ح7006.
- (3) كتاب الصلاة، تقريرات بحث المحقّق النائينى للآملي 1: 369.
( صفحه 461 )
السجود على ظهر الكفّ، فأمره (عليه السلام) بالأخير من جهة عدم سقوط السجود هنا، وإرشاداً إلى أنّ الكفّ حائل بين جبهته، وبين الرمضاء; لخشونة الكفّ بالنسبة إلى الوجه(1).
ففيه: أنّه لو لم يكن ظهر الكفّ متعيّناً مع عدم الثوب لما كان الأمر دائراً بين الاُمور الثلاثة المذكورة، بل كان يجوز له السجود على المسح بالكسر بمعنى «الپلاس»، والمعادن وكثير من الأشياء، كما لا يخفى، فالدوران المذكور إنّما يصحّ مع التعيّن، وهو مساوق للبدليّة كما هو ظاهر.
وقد انقدح ممّا ذكرنا دلالة الرواية، وظهورها في ثبوت البدليّة لخصوص الثوب، ومع انتفائه لظهر الكفّ بلا مناقشة مقبولة.
ومنها: رواية منصور بن حازم، عن غير واحد من أصحابنا قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : إنّا نكون بأرض باردة يكون فيها الثلج أفنسجد عليه؟ قال: لا، ولكن اجعل بينك وبينه شيئاً قطناً أو كتّاناً(2).
ودلالتها على ثبوت البدليّة من وجهين:
أحدهما: نفس السؤال عن جواز السجود على الثلج والجواب بالعدم; فإنّه على تقدير عدم ثبوت البدليّة لا فرق بين الثلج وغيره مع عدم إمكان السجود على الأرض، والحمل(3) على أنّ المنع عن السجود على الثلج إنّما هو
- (1) كتاب الصلاة، تقريرات بحث المحقّق النائيني للآملي 1: 369.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 308 ح1247، الاستبصار 1: 332 ح1247، وعنهما وسائل الشيعة 5: 351، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه ب4 ح7.
- (3) كما في مستمسك العروة الوثقى 5: 506.
( صفحه 462 )
لعدم الاستقرار، لا لعدم كونه مسجداً، خلاف الظاهر جدّاً، خصوصاً مع ملاحظة أنّ جعل شيء بينه وبينه لا يوجب تحقّق الاستقرار بوجه.
كما أنّ دعوى أنّ المنع إنّما هو في حال الاختيار; لأنّ كون الأرض باردة يكثر فيها الثلج، لا يلازم الاضطرار إلى غير الأرض ونباتها، مدفوعة بظهورها في كون مراد السائل ما إذا لم يكن هناك أرض يسجد عليها; لكون الثلج النازل من السماء مستوعباً لوجه الأرض(1).
ثانيهما: تفسير الشيء في الجواب بخصوص القطن والكتّان، الظاهر في ثبوت البدليّة لهما، ولا مجال لدعوى(2) أنّ ذكر القطن والكتّان إنّما هو من جهة كون الغالب على المصلّي هو إمكان تحصيلهما; لكونهما الغالب في الألبسة، فدلالة لفظ «شيئاً» على العموم الذي لازمه السقوط لا إلى بدل، أظهر من دلالة ذكر القطن والكتّان على التقييد.
ومنها: صحيحة علي بن جعفر، عن أخيه (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يؤذيه حرّ الأرض وهو في الصلاة ولا يقدر على السجود، هل يصلح له أن يضع ثوبه إذا كان قطناً أو كتّاناً؟ قال: إذا كان مضطراً فليفعل(3).
فإنّ تقييد الثوب بالقطن أو الكتّان ظاهر في أنّ ثبوت بدل خاصّ لما يصحّ السجود عليه كان أمراً مفروغاً عنه عند السائل، وقد قرّره الإمام (عليه السلام) مع التأكيد على أنّ الجواز إنّما يختصّ بحال الاضطرار، من دون
- (1) كما في مستمسك العروة الوثقى 5: 506.
- (2) كتاب الصلاة، تقريرات بحث المحقّق النائيني للآملي 1: 368 ـ 369.
- (3) قرب الإسناد: 184 ح684، وعنه وسائل الشيعة 5: 352، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه ب4 ح9.
( صفحه 463 )
إشعار بسعة دائرة الحكم في هذه الصورة، وبطلان ما هو مفروغ عنه لدى السائل.
ودعوى(1) أنّ ذكرهما في كلامه من باب ذكر أحد الأفراد التي لا يجوز السجود عليها، لا لخصوصيّة فيهما، مدفوعة بوضوح كونها خلاف ما هو الظاهر من الرواية عند العرف.
ومنها: رواية محمد بن القاسم بن الفضيل بن يسار قال: كتب رجل إلى أبي الحسن (عليه السلام) : هل يسجد الرجل على الثوب يتّقي به وجهه من الحرّ والبرد، ومن الشيء يكره السجود عليه؟ فقال: نعم، لا بأس به(2).
والظاهر اتّحادها مع ما رواه محمد بن القاسم المذكور، عن أحمد بن عمر قال: سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل يسجد على كمّ قميصه من أذى الحرّ والبرد، أو على ردائه إذا كان تحته مِسح، أو غيره ممّا لا يسجد عليه؟ فقال: لا بأس به(3).
فإنّ الظاهر أنّ الرجل الكاتب في الرواية الاُولى هو أحمد بن عمر المذكور في الرواية الثانية، والفرق بينهما إنّما هو في أنّ الناقل لهذه القصّة الواحدة هو محمّد في الرواية الاُولى، ونفس الكاتب في الرواية الثانية، كما لا يخفى.
ودلالتها على ثبوت البدليّة إنّما هو من جهة ظهور السؤال في أنّ الانتقال
- (1) كتاب الصلاة، تقريرات بحث المحقّق النائيني للآملي 1: 369.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 307 ح1243، الاستبصار 1: 333 ح1252، وعنهما وسائل الشيعة 5: 350، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه ب4 ح4.
- (3) تهذيب الأحكام 2: 307 ح1242، الاستبصار 1: 333 ح1251، وعنهما وسائل الشيعة 5: 350، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه ب4 ح3.
( صفحه 464 )
إلى الكمّ أو الرداء إنّما هو من جهة أذى الحرّ والبرد المانع من السجود على ما يصحّ السجود عليه، ومن جهة كون المِسح ومثله ممّا لا يسجد عليه، فلو كان الثوب المذكور في الرواية مذكوراً من جهة أنّه أحد أفراد ما لا يصحّ السجود عليه، لما كان وجه لإخراج المِسح ومثله، والجواب ظاهر في تقرير السائل على هذه الجهة.
ومنها: غير ذلك(1) من الروايات الظاهرة في ثبوت البدليّة الشرعيّة الاضطراريّة، فلا شبهة في الحكم في هذا المقام.
المقام الثاني: في أنّه بعد ثبوت البدل يقع الكلام في تعيينه وبيان مراتبه على تقديرها، فنقول:
ظاهر المتن ثبوت المراتب الأربعة التي هي القطن والكتّان، ثمّ الثوب من غيرهما، كالصوف والإبريسم، ثمّ ظهر الكفّ، ثمّ المعادن، والمنسوب إلى المشهور كما في محكي الجواهر(2) أنّ البدل هو مطلق الثوب، ثمّ ظهر الكفّ. وفي العروة: إنّ البدل هو الثوب من القطن والكتّان، ومع عدمه يتخيّر بين المعادن وظهر الكفّ، واحتاط بتقديم الأوّل(3).
أقول: أمّا تأخّر ظهر الكفّ عن الثوب، فيدلّ عليه رواية أبي بصير المتقدّمة(4) في المقام الأوّل، الظاهرة في أنّ الانتقال إلى ظهر الكفّ إنّما هو مع
- (1) وسائل الشيعة 5: 349 ـ 352، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه ب3 و 4.
- (2) جواهر الكلام 8 : 726، وفيه: لا أجد فيه خلافاً... ، وحكى الشهرة عنه في كتاب الصلاة، تقريرات بحث المحقّق النائيني للآملي 1: 370.
- (3) العروة الوثقى 1: 423 مسألة 1371.
- (4) في ص459.