( صفحه 468 )
السفينة لا تخلو في تلك الأعصار عن وجود من يتّقى عنه، بل وفي هذه الأعصار غالباً.
وثانياً: منع كون القير من المعادن، خصوصاً مع التعليل في بعض الأخبار المجوّزة(1) بأنّه من نبات الأرض، الظاهر في أنّ الحكم بالجواز لهذه الجهة، لا لأجل كونه معدنيّاً، ويحتمل أن يكون الوجه في العلّة، وكونه من نبات الأرض، أنّه من قبيل حجر الفحم على ما قيل(2)، المتكوّن من الأشجار المستترة في الأرض في سالف الزمان، المختلطة مع الأجزاء الأرضيّة.
وثالثاً: لو سلّم جميع ذلك، فلا دليل على تأخّر رتبتها عن الاُمور الثلاثة المتقدّمة، خصوصاً مع وجود الثوب غالباً في مورد الأخبار الدالّة على جواز السجود على القير.
وقد انقدح بذلك أنّه لا دليل على أصل البدليّة في المعدن أوّلا، وعلى تأخّر رتبة المعدن عن سائر المراتب ثانياً.
- (1) الفقيه 1: 292 ح1325، وعنه وسائل الشيعة 5: 355، كتاب الصلاة، أبواب ما يسجد عليه ب6 ح8 .
- (2) كتاب الصلاة، تقريرات بحث المحقّق النائينى للآملي 1: 371.
( صفحه 469 )
مسألة 14: لو فقد ما يصحّ السجود عليه في أثناء الصلاة قطعها في سعة الوقت، وفي الضيق سجد على غيره بالترتيب المتقدّم 1 .
1 ـ أمّا الحكم في صورة ضيق الوقت فواضح; لأنّ مرجع أدلّة البدليّة إلى لزوم الاهتمام بالوقت، وتقدّم رتبة الوقت على غيره من الأجزاء والشرائط; ضرورة أنّه لولا ذلك لما كان لجعل البدل والانتقال إليه وجه، بل كان عليه الصبر إلى أن يجد ما يصحّ السجود، أو يتمكّن من السجود عليه، فنفس جعل البدل كاشف عن أهمّية الوقت، وعدم مزاحمة شيء معه.
وأمّا في سعة الوقت، فللمسألة صورتان:
إحداهما: فقدان ما يصحّ السجود عليه في أثناء الصلاة مع القدرة عليه عند قطع الصلاة; لوجوده في مكان آخر، ولا إشكال في أنّ الحكم في هذه الصورة هو قطع الصلاة، ولا يجوز له إتمامها بالسجود على البدل; لأنّ المفروض القدرة على المبدل; وهي الأرض أو نباتها.
وبعبارة اُخرى: المستفاد من أدلّة البدليّة هو ثبوت البدل
عند الاضطرار، ولا اضطرار في المقام، ولا مجال لدعوى ثبوت حرمة القطع هنا بعد كون الموضوع للحرمة هو قطع الصلاة الصحيحة القابلة لإتمامها كذلك. ومقتضى أدلّة اعتبار الخصوصيّة فيما يسجد عليه بطلانها في المقام،
كما هو ظاهرٌ.
ثانيتهما: الفرض المذكور مع عدم القدرة عليه عند القطع إلاّ بانتظار وقت آخر، والحكم في هذه الصورة هو حكم من لم يقدر على السجود على ما يصحّ السجود عليه في أوّل الوقت، مع احتماله أن يقدر في آخر الوقت.
( صفحه 470 )
ولابدّ في تشخيص هذا الحكم من ملاحظة أدلّة البدليّة(1)، وأنّ المستفاد منها هل هو البدليّة المطلقة ولو في أوّل الوقت، أو البدليّة المنحصرة بآخر الوقت.
فعلى الأوّل: يجوز له البدار، وعلى الثاني: يجب عليه الانتظار، والظاهر دلالتها على الأوّل; لأنّ مثل رواية أبي بصير المتقدّمة(2) ـ الواردة في مقام الجواب عن السؤال عن كون الراوي في السفر، فتحضر الصلاة وهو يخاف الرمضاء على وجهه، بقوله (عليه السلام) : «تسجد على بعض ثوبك» ـ يدلّ على ذلك أوّلا: من جهة التعبير بخوف الرمضاء، الذي تكون حرارته في أوائل وقت الظهر، أو يمتدّ إلى أواسط الوقت، وثانياً: من جهة ترك الاستفصال في مقام الجواب، الظاهر في إطلاق الحكم وثبوت البدليّة ولو في أوّل الوقت.
ويمكن استفادة الجواز في خصوص المقام ـ وهو الفقدان في الأثناء ـ من صحيحة علي بن جعفر (عليه السلام) المتقدّمة(3)، عن أخيه (عليه السلام) قال: سألته عن الرجل يؤذيه حرّ الأرض وهو في الصلاة ولا يقدر على السجود، هل يصلح له أن يضع ثوبه إذا كان قطناً أو كتّاناً؟ قال: إذا كان مضطرّاً فليفعل.
نظراً إلى ظهورها في أنّ عدم القدرة على السجود قد انكشف له في الأثناء، وطريق الانكشاف عادة هو السجود على الأرض أوّلا; بمعنى أنّه بعد السجود عليها مرّة ظهر له أنّه لا يقدر عليه، وليس المراد من عدم القدرة إلاّ إيذاء حرّ الأرض المذكور أوّلا، لا عدم القدرة بمعنى آخر، ويمكن
- (1) تقدّمت في ص458 ـ 464.
- (2) في ص459.
- (3) في ص462.
( صفحه 471 )
أن يكون المراد هو حدوث الإيذاء في الأثناء بعدما لم يكن عند الشروع في الصلاة.
وعلى كلا التقديرين، فمفادها جواز وضع الثوب إذا كان قطناً أو كتّاناً، والسجود عليه في الأثناء، وليس المراد بالاضطرار المذكور في الجواب هو ما ينطبق عليه ضيق الوقت أيضاً، بحيث كان المجوّز للسجود على الثوب المذكور هو الإيذاء بضميمة الضيق; فإنّه خلاف ما هو المتفاهم منه عند العرف; فإنّ المنسبق إلى أذهانهم هو الاضطرار الجائي من قبل الإيذاء المذكور، الذي هو عبارة اُخرى عن عدم القدرة على السجود المأخوذ في السؤال.
نعم، لا مجال لتوهّم أنّه بناءً على ذلك يكون مقتضى الصحيحة جواز الرجوع إلى البدل في الصورة الاُولى أيضاً; ضرورة أنّه مع القدرة على السجود على ما يصحّ السجود عليه بمجرّد قطع الصلاة ورفع اليد عنها، لا يتحقّق عنوان الاضطرار بوجه، فالصحيحة تدلّ على الجواز في خصوص الصورة الثانية، فتدبّر.
( صفحه 472 )
اعتبار كون المكان قارّاً
مسألة 15: يعتبر في المكان الذي يصلّي فيه الفريضة أن يكون قارّاً غير مضطرب، فلو صلّى اختياراً في سفينة أو على سرير أو بَيدر، فإن فات الاستقرار المعتبر بطلت صلاته، وإن حصل بحيث يصدق أنّه مستقرّ مطمئنّ صحّت صلاته وإن كانت في سفينة سائرة وشبهها، كالطيّارة والقطار ونحوهما، لكن تجب المحافظة على بقيّة ما يعتبر فيها من الاستقبال ونحوه، هذا كلّه مع الاختيار.
وأمّا مع الاضطرار، فيصلّي ماشياً، وعلى الدابّة، وفي السفينة غير المستقرّة ونحوها، مراعياً للاستقبال بما أمكنه من صلاته، وينحرف إلى القبلة كلّما انحرف المركوب مع الإمكان، فإن لم يتمكّن من الاستقبال إلاّ في تكبيرة الاحرام اقتصر عليه، وإن لم يتمكّن منه أصلا سقط، لكن يجب عليه تحرّي الأقرب إلى القبلة فالأقرب، وكذا بالنسبة إلى غيره ممّا هو واجب في الصلاة; فإنّه يأتي بما هو الممكن منه أو بدله، ويسقط ما تقتضي الضرورة سقوطه 1 .
1 ـ الكلام في هذه المسألة يقع في مقامين:
المقام الأوّل: في صورة الاختيار، ويستفاد من المتن اعتبار الاستقرار في هذه الصورة من جهة المكان الذي يصلّي فيه الفريضة، ومنشأ ذلك الروايات الواردة في الصلاة على الدابّة، أو في السفينة، أو على الرفّ المعلّق بين نخلتين، ولابدّ من ملاحظتها والتحقيق في مفادها.
فنقول: أمّا ما ورد في الصلاة على الدابّة، الدالّ على النهي عنها في حال الاختيار، فمنها:
صحيحة عبد الرحمن بن أبي عبدالله، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لا يصلّي