( صفحه 495 )
والكمال، فتدبّر.
ومنها: صحيحة الصباح بن سيّابة قال: قال لي أبو عبدالله (عليه السلام) : لا تدع الأذان في الصلوات كلّها، فإن تَرَكْتَه فلا تتركه في المغرب والفجر; فإنّه ليس فيهما تقصير(1).
ويمكن المناقشة في دلالتها أيضاً بأنّ الظاهر من قوله (عليه السلام) : «فإن تَرَكْتَه» ليس هو الترك عصياناً موجباً لاستحقاق العقوبة أو بطلان العمل، بل هو ترك ما لا ينبغي أن يترك من الفضيلة والكمال. وعليه: فيظهر أنّ النهي عن ترك الأذان في الصلوات كلّها ليس نهياً تحريميّاً، أو إرشاديّاً إلى البطلان، وإلاّ يكون المراد بالترك ما نفيناه، ومقتضى اتّحاد السياق أن لا يكون النهي في الذيل أيضاً كذلك.
ومنها: صحيحة ابن سنان، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: تجزئك في الصلاة إقامة واحدة إلاّ الغداة والمغرب(2).
والمناقشة في دلالتها تظهر ممّا ذكرنا من أنّ الظاهر هو الإجزاء عن العملين اللذين يكون حكمهما معلوماً. وأمّا أنّه الوجوب أو غيره، فلا دلالة لها عليه.
ثمّ على تقدير تسليم ظهور هذه الروايات في وجوب الأذان في الفجر
- (1) تهذيب الأحكام 2: 49 ح161، الاستبصار 1: 299 ح1104، وعنهما وسائل الشيعة 5: 386، كتاب الصلاة، أبواب الأذان والإقامة ب6 ح3.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 51 ح168، الاستبصار 1: 300 ح1107، وعنهما وسائل الشيعة 5: 387، كتاب الصلاة، أبواب الأذان والإقامة ب6 ح4.
( صفحه 496 )
والمغرب، لابدّ من حملها على الاستحباب، بشهادة صحيحة عمر بن يزيد قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الإقامة بغير أذان في المغرب؟ فقال: ليس به بأس، وما اُحبّ أن يعتاد(1).
ومن المعلوم عدم الفصل بين المغرب وبين الفجر، مضافاً إلى اشتراكهما في التعليل المذكور فيها; وهو: أنّه لا يقصّر فيهما، فيستفاد من ذلك عدم صلاحيّة التعليل المشترك لإفادة اللزوم.
وأمّا الإقامة، فقد استدلّ على وجوبها مطلقاً أو في الجملة بروايات أيضاً:
منها: موثقة عمّار قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول: لابدّ للمريض أن يؤذّن ويقيم إذا أراد الصلاة ولو في نفسه إن لم يقدر على أن يتكلّم به. سئل: فإن كان شديد الوجع؟ قال: لابدّ من أن يؤذّن ويقيم; لأنّه لا صلاة إلاّ بأذان وإقامة(2).
وبعد كون الحكم في الأذان هو الاستحباب ـ كما أثبتناه ـ لابدّ من حمل قوله (عليه السلام) : «لا صلاة إلاّ...» على نفي الكمال دون الصحّة، ولا مجال للتفكيك بين الأذان والإقامة بعد كون العبارة واحدة، كما لا يخفى.
ومنها: الروايات الظاهرة في أنّ الإقامة من الصلاة، أو مثلها من التعبيرات، مثل:
- (1) تهذيب الأحكام 2: 51 ح169، الاستبصار 1: 300 ح1108، وعنهما وسائل الشيعة 5: 387، كتاب الصلاة، أبواب الأذان والإقامة ب6 ح6.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 282 ح1123، الاستبصار 1: 300 ح1109، علل الشرائع: 329 ب25 ح1، وعنها وسائل الشيعة 5: 444، كتاب الصلاة، أبواب الأذان والإقامة ب35 ح2.
( صفحه 497 )
رواية سليمان بن صالح، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لا يقيم أحدكم الصلاة وهو ماش، ولا راكب، ولا مضطجع إلاّ أن يكون مريضاً، وليتمكّن في الإقامة كما يتمكّن في الصلاة; فإنّه إذا أخذ في الإقامة فهو في صلاة(1).
ورواية يونس الشيباني، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قلت له: اُؤذّن وأنا راكب؟ قال: نعم، قلت: فاُقيم وأنا راكب؟ قال: لا، قلت: فاُقيم ورجلي في الركاب؟ قال: لا، قلت: فاُقيم وأنا قاعد؟ قال: لا، قلت: فاُقيم وأنا ماش؟ قال: نعم، ماش إلى الصلاة، قال: ثمّ قال: إذا أقمت الصلاة فأقم مترسّلا; فإنّك في الصلاة، الحديث(2).
ورواية أبي هارون المكفوف قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام) : يا أبا هارون الإقامة من الصلاة، فإذا أقمت فلا تتكلّم ولا تؤم بيدك(3).
وغيرها من الروايات(4) الدالّة على هذا المضمون.
والجواب: أنّه لا مجال لحمل هذه الروايات على كون الإقامة حقيقة من الصلاة ومن أجزائها وأبعاضها، وأنّ الداخل فيها داخل في الصلاة حقيقة، كيف؟ ويدفع ذلك ـ مضافاً إلى وضوح هذا الأمر عند المتشرّعة من الخاصّ
- (1) الكافي 3: 306 ح21، تهذيب الأحكام 2: 56 ح197، وعنهما وسائل الشيعة 5: 404، كتاب الصلاة، أبواب الأذان والإقامة ب13 ح12.
- (2) تهذيب الأحكام 2: 282 ح1125، وعنه وسائل الشيعة 5: 403، كتاب الصلاة، أبواب الأذان والإقامة ب13 ح9.
- (3) الكافي 3: 305 ح20، تهذيب الأحكام 2: 54 ح185، وعنهما وسائل الشيعة 5: 396، كتاب الصلاة، أبواب الأذان والإقامة ب10 ح12.
- (4) وسائل الشيعة 5: 393، كتاب الصلاة، أبواب الأذان والإقامة ب10.
( صفحه 498 )
والعامّ ـ الروايات(1) الكثيرة الدالّة على أنّ افتتاح الصلاة إنّما هو بالتكبير المسمّى بتكبيرة الافتتاح، وجملة من الروايات الواردة في الإقامة، الظاهرة في المغايرة بينهما، مثل الروايات(2) الواردة في نسيان الإقامة حتّى إذا دخل في الصلاة، وغيرها.
فلابدّ من أن يكون المراد هو التنزيل والتشبيه بلحاظ بعض الخصوصيّات المعتبرة في الصلاة، كالتمكّن والترسّل، وعدم التكلّم والإيماء باليد وأشباه ذلك. ومن الواضح: أنّ ثبوت هذه الخصوصيّات في الإقامة لا يلازم مع وجوبها. وممّا ذكرنا يظهر أنّ اعتبار مثل القيام والطهارة على تقديره لا يستلزم وجوبها بوجه.
ومنها: الروايات الدالّة على أنّه لا أذان ولا إقامة على النساء، مثل:
صحيحة جميل بن دراج قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن المرأة أعليها أذان وإقامة؟ فقال: لا(3).
ومرسلة الصدوق قال: قال الصادق (عليه السلام) : ليس على النساء أذان، ولا إقامة، ولا جمعة، ولا جماعة، الحديث(4).
وغيرهما من الروايات(5) الواردة بهذا المضمون; نظراً إلى كون المنفي عن
- (1) وسائل الشيعة 6: 9 ـ 12، كتاب الصلاة، أبواب تكبيرة الإحرام والافتتاح ب1.
- (2) وسائل الشيعة 5: 441 ـ 442، كتاب الصلاة، أبواب الأذان والإقامة ب33.
- (3) تهذيب الأحكام 2: 57 ح200، الكافي 3: 305 ح18، وعنهما وسائل الشيعة 5: 406، كتاب الصلاة، أبواب الأذان والإقمامة ب14 ح3.
- (4) الفقيه 1: 194 ح907، وعنه وسائل الشيعة 5: 406، كتاب الصلاة، أبواب الأذان والإقامة ب14 ح6.
- (5) وسائل الشيعة 5: 405 ـ 407، كتاب الصلاة، أبواب الأذان والإقامة ب14.
( صفحه 499 )
النساء ليس أصل المشروعيّة والرجحان; لوضوح ثبوت مشروعيّتهما بالإضافة إليهنّ إجماعاً(1)، فالمنفيّ هو اللزوم والوجوب، ونفيه بالإضافة إليهنّ يدلّ على ثبوته بالإضافة إلى الرجال، فيستفاد من هذه الروايات وجوب الإقامة على الرجال، كما هو أحد الأقوال فيها(2).
والجواب: أنّ الاستدلال بالرواية الاُولى على الوجوب للرجال إنّما يبتني على كون السؤال عن اللزوم على المرأة كاشفاً عن مفروغيّة اللزوم على الرجال في نظر السائل، مع أنّه ممنوع; لعدم دلالته على مفروغيّة ذلك بوجه; لأنّه يحتمل أن يكون في ذهنه اللزوم بالإضافة إلى خصوص النساء; لعدم شركتهنّ في صلاة الجماعة نوعاً، وهما يوجبان صيرورة الفرادى جماعة.
وأمّا مثل المرسلة، فلا دلالة لها على الوجوب للرجال إلاّ من طريق مفهوم اللقب، وهو غير حجّة، مع أنّ التشريك بينهما، وبين الجماعة التي لا تجب على الرجال أيضاً ضرورة يوجب الضعف في الدلالة المذكورة.
ومنها: موثقة عمّار الساباطي، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إذا قمت إلى صلاة فريضة، فاذّن وأقم، وأفصل بين الأذان والإقامة بقعود، أو بكلام، أو بتسبيح(3).
والجواب: أنّ وقوع الأمر بالإقامة في وسط الأمرين اللذين للاستحباب
- (1) تقدّم تخريجه في ص483.
- (2) تقدّم في ص484.
- (3) تهذيب الأحكام 2: 49 ح162، الفقيه 1: 185 ح877 ، وعنهما وسائل الشيعة 5: 397، كتاب الصلاة، أبواب الأذان والإقامة ب11 ح4.