( صفحه 502 )
غاية البعد; لأنّ حمل النسيان على ضدّ معناه ـ وهو الترك عن عمد ـ في غاية الغرابة، والذيل لا يصير قرينة عليه بعدما ذكرنا من كون المراد منه هو لزوم التحفّظ والمراقبة.
ثمّ إنّ هذه الروايات التي استدلّ بها على وجوب الإقامة، لو سلّم دلالتها عليه وتماميّتها، لكان مقتضاها الوجوب لو لم يكن في مقابلها ما يدلّ على العدم، مثل ما عبّر فيه بأنّ الأذان المراد به الأعمّ من الإقامة سنّة(1)، وما دلّ على أنّ الإقامة توجب اقتداء صفّ طويل من الملائكة بالمصلّي(2)، الظاهر في أنّ ثمرتها صيرورة الفرادى جماعة، وما دلّ على أنّ الأذان والإقامة في جميع الصلوات أفضل(3).
ودعوى أنّه إنّما يثبت أفضليّة الأذان والإقامة مجتمعاً، لا أفضليّة كلّ واحد منهما بالإضافة إلى تركه.
مدفوعة بأنّ هذا التعبير لا يجتمع مع وجوب الإقامة، كما لا يجتمع مع وجوب الأمرين، كما هو واضح، والتعبير بـ «ينبغي» في بعض الروايات المتقدّمة(4)، وكونها أيضاً نداء كالأذان، والنداء خارج عن حقيقة الشيء، وإن كان هذا التعبير إنّما ينفي الوجوب الشرطي، لا الاستقلالي وغير ذلك ممّا يظهر منه عدم الوجوب، ولكن في النفس شيء; وهو: أنّه لا يوجد في
- (1) تقدّم في ص488 ـ 489.
- (2) تقدّم في ص487.
- (3) تقدّم في ص494.
- (4) في ص491.
( صفحه 503 )
الروايات الواردة في الإقامة ـ مع كثرتها في الغاية ـ مورد رخّص فيه في تركها ما عدا النساء، مع وجود الترخيص في ترك الأذان في كثير من الموارد، مثل السفر، وغير الفجر والمغرب، وبعض الموارد الاُخر، فهذا يوجب التزلزل في الحكم بعدم الوجوب مطلقاً، كما هو المشهور(1). وعليه: فينبغي أن لا يترك الاحتياط في الإقامة بالإضافة إلى الرجال، فتدبّر.
بقي الكلام في مشروعيّة أذان الإعلام وعدمها، فنقول:
يظهر من جماعة من الفقهاء ـ كصاحب الحدائق وتلميذه العلاّمة الطباطبائي (قدس سره) ـ المشروعيّة(2)، واستدلّ على ذلك صاحب الجواهر (قدس سره) بجريان السيرة القطعيّة به، وباستفادتها من النصوص المستفيضة.
كصحيح معاوية بن وهب، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : من أذّن في مصر من أمصار المسلمين سنة وجبت له الجنّة(3). وغيره من الأخبار الواردة في مدح المؤذّنين(4)،(5).
وقد فرّقوا بينه وبين الأذان للصلاة في جملة من الأحكام التي منها اعتبار
- (1) تقدّم تخريجه في ص484.
- (2) السرائر 1: 211، المعتبر 2: 121، جامع المقاصد 2: 167 و 171، مسالك الأفهام 1: 183، روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان 2: 636 ـ 637، مدارك الأحكام 3: 254، الحدائق الناضرة 7: 334 ـ 345، الدُرّة النجفيّة: 113 ـ 114، مفتاح الكرامة 6: 366.
- (3) تهذيب الأحكام 2: 283 ح1126، الفقيه 1: 185 ح881 ، ثواب الأعمال: 52 ح1، وعنها وسائل الشيعة 5: 371، كتاب الصلاة، أبواب الأذان والإقامة ب2 ح1.
- (4) وسائل الشيعة 5: 371 ـ 378، كتاب الصلاة، أبواب الأذان والإقامة ب2.
- (5) جواهر الكلام 9: 5 ـ 7.
( صفحه 504 )
الذكورة في هذا الأذان دون أذان الصلاة. قال العلاّمة الطباطبائي(1) بعد قوله:
وما له الأذان في الأصل وسم *** شيئان إعلام وفرض قد علم
وبعد بيان افتراقهما في الأحكام:
فافترق الأمران في الأحكام *** فرقاً خلا عن وصمة الإبهام
أقول: أمّا السيرة، فلا خفاء في أنّ الغالب في الأذان هو كونه للصلاة، والغرض منه دعوة الناس إليها والشركة في صلاة الجماعة، ويؤيّده أنّ المحلّ المعدّ لذلك هو المسجد، أو مثله من الأمكنة التي تقام فيها الجماعة، كالمشاهد المشرّفة، ولم يعهد إعداد محلّ له غير مرتبط بالصلاة.
نعم، لا ينبغي إنكار وقوع الأذان من المتشرّعة لمجرّد الإعلام بدخول الوقت، خصوصاً في شهر الصيام، إلاّ أنّ اتّصال هذه السيرة بزمن الأئـمّة المعصومين ـ صلوات الله عليهم أجمعين ـ بحيث كان بمرئى منهم ولم يتحقّق منهم ردع عنها غير معلوم، وللمدّعي إثبات ذلك.
وأمّا الروايات الدالّة على ثبوت الفضيلة والأجر للأذان، والواردة في مدح المؤذّنين، فلا دلالة لها على المقام بوجه; ضرورة أنّ موضوعها هو الأذان المشروع، ولابدّ من ثبوت المشروعيّة بدليل آخر، والملائمة بين تلك الفضائل والأذان للصلاة ظاهرة; لأنّه حيث يكون الأذان كذلك متوقّفاً على الصوت البليغ الذي يسمعه الناس، كما يدلّ عليه التعبير عنه في الآيتين بالنداء(2)، ومن المعلوم أنّ الصوت كذلك ممّا يأبى عنه بعض الناس، بل أكثرهم; لمنع صفة التكبّر
- (1) الدُرّة النجفيّة: 113 ـ 114.
- (2) تقدّمتا في ص485 ـ 486.
( صفحه 505 )
الموجودة فيهم عنه، ترتّبت عليه تلك المثوبات العظيمة والفوائد الخطيرة.
وبالجملة: هذه الروايات إنّما وردت في خصوص مورد المشروعيّة، ولا دلالة لها على التشريع، فهل يمكن استفادة مشروعيّة الأذان قبل الوقت مثلا من هذه الروايات؟
فلم تثبت مشروعيّة أذان الإعلام، خصوصاً بعد ملاحظة ما ذكرنا من أنّ تشريع الأذان في الابتداء كان لدعوة الناس إلى إقامة الصلاة، غاية الأمر أنّه
قد شرّع للمنفرد أيضاً لأن تصير صلاته جماعة، والآيتان(1) الواردتان فيه قد عبّر فيهما عنه بالنداء إلى الصلاة.
ويؤيّده أيضاً أنّّ فصوله الأخيرة التي هي بمنزلة المعرِّف لماهيّته ـ كالحيّعلات ـ شاهدة على ما ذكرنا من ارتباطه بالصلاة، وكونه دعوة إليها.
غاية الأمر أنّه يدعوهم إلى الصلاة بعبارات مختلفة موجبة للأوقعيّة في النفوس، ففي الابتداء يدعوهم إليها بعنوانها، وفي المرتبة الثانية يدعوهم إليها بعنوان الفلاح الذي هو مطلوب الناس، وفي الثالثة يدعوهم إليها بعنوان خير العمل، الذي هو منتهى رغبة الناس وغاية مطلوبهم، فهذه الفصول التي هي بمنزلة الفصول تدلّ على كمال الارتباط بينه وبين الصلاة، كما هو ظاهر.
وعلى ما ذكرنا لا مجال للإتيان بأذان الإعلام. نعم، لا بأس به رجاءً; نظراً إلى أخبار «من بلغ(2)»، بدعوى عدم اختصاص البلوغ بالرواية، وصدقه بمجرّد الفتوى أيضاً، وفيه تأمّل.
- (1) تقدّمتا في ص485 ـ 486.
- (2) وسائل الشيعة 1: 80 ـ 84 ، كتاب الطهارة، أبواب مقدّمة العبادات ب18.
( صفحه 506 )
موارد سقوط الأذان
مسألة 2: يسقط الأذان في العصر والعشاء إذا جمع بينهما، وبين الظهر والمغرب; من غير فرق بين موارد استحباب الجمع، مثل عصر يوم الجمعة، وعصر يوم عرفة، وعشاء ليلة العيد في المزدلفة، حيث إنّه يستحبّ الجمع بين الصلاتين في هذه المواضع الثلاثة، وبين غيرها، ويتحقّق التفريق المقابل للجمع بطول الزمان بين الصلاتين، وبفعل النافلة الموظّفة بينهما على الأقوى، فبإتيان نافلة العصر بين الظهرين، ونافلة المغرب بين العشاءين، يتحقّق التفريق الموجب لعدم سقوط الأذان. والأقوى أنّ سقوط الأذان في حال الجمع في عصر يوم عرفة، وعشاء ليلة العيد بمزدلفة عزيمة; بمعنى عدم مشروعيّته، فيحرم إتيانه بقصدها، والأحوط الترك في جميع موارد الجمع 1 .
1 ـ ظاهر المتن أنّ سقوط الأذان في موارد الجمع ـ المذكورة فيه ـ إنّما هو بملاك واحد; وهو مجرّد الجمع; من غير فرق بين موارد استحبابه، كالمواضع الثلاثة المذكورة، وبين موارد جوازه من دون رجحان، ويظهر من بعض الكلمات أنّ السقوط في المواضع الثلاثة إنّما هو لخصوصيّة فيها، لا لأجل مجرّد الجمع، وأنّه لا دليل على سقوط الأذان في تمام موارد الجمع. وعليه: فالمناسب البحث أوّلا: في خصوص تلك المواضع، وثانياً: في إمكان استفادة الكلّية المذكورة من الدليل وعدمه، فنقول:
الموضع الأوّل: عصر يوم الجمعة، والقدر المتيقّن هو سقوط الأذان بالإضافة إليها إذا تحقّق الجمع بينها، وبين خصوص صلاة الجمعة، وقد اعتمد في الجواهر في الحكم بالسقوط فيها على الإجماعات الصريحة،