( صفحه 72 )
في ثوب واحد عدم وجوب ستر ما هو خارج عنه، لا وجوب ستر جميع ما يكون داخلا فيه; لما عرفت(1) من أنّ الواجب عليه إنّما هو ستر العورتين فقط.
هذا، مضافاً إلى أنّ الأصحاب من عصر الإمام (عليه السلام) إلى زمن العلاّمة والشهيدين وغيرهم قد أفتوا بعدم شرطيّة سترهما، واستدلّوا عليه بروايات الثوبين، فيعلم منه أنّ الدروع في زمانهم لم تكن تستر الكفّين، وإلاّ
فلا يكون وجه للاستدلال بها، ولا أقلّ من كون الدروع في زمانهم على قسمين، فاستدلّوا بإطلاق الحكم على عدم الوجوب; لأنّ مدلول الرواية كفاية الدرع مطلقاً.
ويؤيّد عدم كون الدروع ساترة للكفّين في الأزمنة السابقة، ما تقدّم(2) من ابن عبّاس في تفسير الزينة الظاهرة بالوجه والكفّين، حيث إنّ هذا التفسير ولو نوقش فيه بلحاظ كونه مقصوداً من كلام الله تعالى، إلاّ أنّ دلالته على عدم كون الكفّين مستورين في زمانه ممّا لا ينبغي المناقشة فيها، ولم يعترض عليه أحد من تلامذته.
هذا كلّه، مضافاً إلى أنّه لو شكّ في خروجهما عن الدرع، فالواجب هو الرجوع إلى أصالة البراءة على ما هو الحقّ من جريانها في مثل المقام. وأمّا رواية زرارة المتقدّمة(3)، الدالّة على أنّ أدنى ما تصلّي فيه المرأة درع وملحفة
- (1) في ص60.
- (2) تقدّم ذلك في ص25 بعنوان حكي، لا عن ابن عباس.
- (3) في ص67.
( صفحه 73 )
تنشرها على رأسها وتجلّل بها، فلا دلالة لها على اعتبار أزيد ممّا يستره الدرع من الجسد، كما أنّه لا دلالة لها على اعتبار أزيد ممّا يستره الخمار والمقنعة من الرأس، كما لا يخفى.
ثالثها: القدمان، والمشهور ـ كما في غير واحد من الكتب(1) ـ
عدم وجوب سترهما في الصلاة، خلافاً لصاحب الحدائق(2); ودليله
ما عرفت مع جوابه، وقد عرفت أنّ رواية «التجلّل» لا تفيد أزيد ممّا تفيده روايات الدرع والخمار، والظاهر عدم كون الدرع ساترة للقدمين; لما مرّ في الكفّين.
نعم، في صحيحة علي بن جعفر (عليه السلام) المتقدّمة(3)، عن المرأة ليس لها إلاّ ملحفة واحدة، كيف تصلّي؟ قال: تلتفّ فيها وتغطّي رأسها وتصلّي، فإن خرجت رجلها وليس تقدر على غير ذلك فلا بأس.
فإنّ مقتضى مفهوم الذيل وجوب ستر الرِجل، ولكنّ الظاهر أنّها محمولة على غير القدم; لأنّها لا تكون في مقام بيان وجوب ستر الرِجل حتّى يكون لها إطلاق، مضافاً إلى ما ربما يقال: من أنّ الإعراض يوجب سقوطها عن الحجّية، فتدبّر.
ثمّ إنّه قد نصّ في «الدروس»(4) على أنّ المستثنى هو ظاهر القدمين
- (1) تقدّم تخريجاتها في ص64.
- (2) الحدائق الناضرة 7: 8 ـ 9.
- (3) في ص66.
- (4) الدروس الشرعيّة 1: 147، وكذا في جامع المقاصد 2: 97، ومسالك الأفهام 1: 166، وروض الجنان في رشح إرشاد الأذهان 2: 582.
( صفحه 74 )
وباطنهما، وقد عبّر بعضهم بل كثيرهم بظاهر القدمين(1)، وفي غير واحد من الكتب(2) استثناء القدمين من دون تعرّض للظاهر والباطن أصلا، ويؤيّد عدم الاختصاص بالظاهر أنّه على تقديره يلزم عدم الفائدة فيه; لأنّ ما هو الساتر للباطن من الألبسة المتعارفة يكون ساتراً للظاهر أيضاً.
ودعوى(3) أنّه يكفي في ستر الباطن الأرض، مدفوعة بأنّ كفايته إنّما هو في غير حال السجود. وأمّا في حاله فيحتاج إلى الساتر، مع أنّ كفاية ساتريّة الأرض ولوبالإضافة إلى باطن القدمين محلّ نظر، فالظاهرحينئذعدم اختصاص الحكم بالظاهر، والتعبير به لعلّه لأجل كونه محلاًّ للابتلاء بالستر، فتدبّر.
ثمّ إنّه ذهب صاحب المدارك (قدس سره) إلى أنّه لا يجب على المرأة ستر شعر رأسها بما لا يكون حاكياً له، مستنداً إلى رواية محمد بن مسلم في حديث قال: قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : ماترى للرجل يصلّي في قميص واحد؟ فقال: إذا كان كثيفاً فلا بأس به، والمرأة تصلّي في الدرع والمقنعة إذا كان الدرع كثيفاً; يعني إذا كان ستيراً(4).
فإنّ تخصيص اعتبار الكثافة بالدرع يدلّ على عدم اعتبارها في المقنعة(5).
- (1) المبسوط 1: 87 ، المعتبر 2: 101، مختلف الشيعة 2: 98، تحرير الأحكام 1: 202، منتهى المطلب 4: 273، قواعد الأحكام 1: 257، البيان: 124، الألفية: 50، مدارك الأحكام 3: 188، كشف اللثام 3: 234.
- (2) السرائر 1: 260، إرشاد الأذهان 1: 247، ذكرى الشيعة 3: 8 ، التنقيح الرائع 1: 182 ـ 183، مجمع الفائدة والبرهان 2: 104، بحار الأنوار 83 : 179.
- (3) نهاية التقرير 1: 273.
- (4) تقدّمت في ص62.
- (5) مدارك الأحكام 3: 188 ـ 189، لكن ليس فيه استناد إلى خبر، بل قال: الأخبار لا يعطي ذلك.
( صفحه 75 )
وأجاب عنه صاحب الجواهر (قدس سره) بأنّ هذا مستلزم لعدم اعتبار ستر بشرة الرأس; لأنّه إذا كانت المقنعة حاكية لما تحتها من شعر الرأس تكون بشرته أيضاً غير مستورة، والقول بأنّها مستورة بشعره غير ثابت; لأنّ الشعر يكون من أجزاء البدن، والساتر يجب أن يكون من غيرها، وبطلان التالي واضح; لعدم التزام المستدلّ به(1).
وذكر سيّدنا العلاّمة الاُستاذ (قدس سره) أنّه يمكن أن يجاب عنه ولو مع تسليم كفاية الشعر للستر:
أوّلا: بأنّ إطلاق الحكم يقتضي عدم اعتبار الكثافة حتّى في المرأة التي لا يكون لها شعر، وهو مستلزم لعدم اعتبار ستر الرأس، وقد عرفت أنّه لا يلتزم به.
وثانياً: أنّ التخصيص بالدرع لأجل مفهوم اللقب، وقد بيّن في الاُصول(2)أنّه لا مفهوم له.
وثالثاً: أنّ هذه الرواية هي بعينها رواية محمد بن مسلم المتقدّمة(3)، التي رواها الصدوق عنه، عن أبي جعفر (عليه السلام) أنّه قال: المرأة تصلّي في الدرع والمقنعة إذا كان كثيفاً; يعني ستيراً.
ولا تكونان روايتين بحيث سمع محمد بن مسلم عنه (عليه السلام) مرّتين مع اختلاف في التعبير، بل الظاهر أنّهما رواية واحدة، والاختلاف يكون ناشئاً من اشتباه
- (1) جواهر الكلام 8 : 281 ـ 282.
- (2) مطارح الأنظار 2: 121، كفاية الاُصول: 250، نهاية الاُصول: 296 ـ 297.
- (3) في ص66.
( صفحه 76 )
الراوي. وعليه: فيحتمل أن يكون الصادر من الإمام (عليه السلام) مطابقاً لرواية الصدوق الخالية عن التصريح بالدرع، الظاهرة في رجوع الضمير المفرد إلى كلّ واحد من الدرع والمقنعة.
واحتمال كون تذكير الضمير شاهداً على رجوعه إلى خصوص الدرع، مدفوع بظهور خلافه، خصوصاً بعد شيوع مثل هذا التعبير في الأخبار، بل في القرآن أيضاً، وخصوصاً بعد كون الدرع مذكوراً قبل المقنعة(1).
فانقدح ممّا ذكرنا عدم تماميّة الاستدلال بالرواية، بل ظهورها في خلاف مرام المستدلّ، مع أنّ المتفاهم من الروايات(2) الدالّة على أنّ المرأة تصلّي في درع وخمار كون الثوبين كثيفين غير حاكيين لما تحتهما; لأنّها في مقام بيان ما يكفي للمرأة من الساتر. ومن المعلوم أنّ الثوب غير الكثيف لا يكون ساتراً، ولذا وقع تفسير الكثافة بالساتريّة في روايتي محمد بن مسلم المتقدّمتين.
ثمّ إنّه حكي عن ابن الجنيد(3) عدم وجوب ستر الرأس أصلا، ويشهد له رواية عبدالله بن بكير، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لا بأس بالمرأة المسلمة الحرّة أن تصلّي وهي مكشوفة الرأس(4).
وروايته الاُخرى، عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: لا بأس أن تصلّي المرأة
- (1) نهاية التقرير 1: 305 ـ 306.
- (2) وسائل الشيعة 4: 405 ـ 408، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب28.
- (3) حكى عنه في مختلف الشيعة 2: 113 مسألة 54.
- (4) تهذيب الأحكام 2: 218 ح857 ، الاستبصار 1: 389 ح1481، وعنهما وسائل الشيعة 4: 410، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب29 ح5.