( صفحه 90 )
أقول: مقتضى الجمود على ما تقتضيه عبارة النصوص(1) عدم وجوب التستّر من جهة التحت أصلا; لأنّ مفادها جواز اكتفاء الرجل في صلاته بثوب واحد أو قميص واحد. ومن المعلوم أنّ القميص المتعارف بين الأعراب كما هو المتداول بينهم في هذا الزمان لا يكون ساتراً للعورة من جهة التحت، فالجمود على ما تحت عبارة الروايات(2) ينفي اعتبار الستر من هذه الجهة رأساً.
وأمّا لو قلنا بأنّ مناسبة الحكم والموضوع تهدي إلى أنّ موضوع الشرطيّة أن لا يكون المكلّف على حالة ذميمة غير مناسبة، فمقتضاه أنّه لا فرق في اعتبار الستر بين الجهات، والاكتفاء في النصوص بالقميص إنّما هو لوقوع الصلاة على الأرض غالباً، ولا يكون معه المصلّي في معرض النظر من تحت نوعاً.
وعلى هذا الفرض ينبغي تعميم الحكم لما إذا كان هناك ناظر وما إذا لم يكن، بل لما إذا كان في معرض النظر وما إذا لم يكن; لأنّه على هذا التقدير ليس تمام الملاك مجرّد مستوريّة العورة، وإلاّ لكان اللاّزم جواز الصلاة عارياً في ظلمة شديدة مانعة من الرؤية، وكذا في مثلها ممّا إذا كانت الرؤية ممتنعة مع عدم وجود الساتر.
وبالجملة: ملاك وجوب الستر الصلاتي يغاير ملاك وجوب الستر النفسي الذي يكون هو حفظ العورة من أن ينظر إليها. وعليه: فالمناسبة المذكورة وإن كانت مقتضية لعموميّة الحكم واعتبار الستر من جهة التحت أيضاً، إلاّ
- (1 ، 2) وسائل الشيعة 4: 389، كتاب الصلاة، أبواب لباس المصلّي ب22.
( صفحه 91 )
أنّ التفصيل المذكور في المتن ممّا لا دليل عليه; لأنّ الفرق من حيث عدم تعارف وجود الناظر في البئر، فيصدق الستر عرفاً.
وأمّا الواقف على طرف السطح، فلا يصدق عليه الستر إذا كان بحيث يرى، فصلاته باطلة وإن لم يكن هناك ناظر، وإنّما يناسب الستر النفسي، ولا شاهد عليه في الستر الشرطي، فتدبّر جيّداً.
( صفحه 92 )
[الستر بغير الثوب]
مسألة 7: الستر عن النظر يحصل بكلّ ما يمنع عن النظر ولو باليد، أو الطلي بالطين، أو الولوج في الماء، حتّى أنّه يكفي الأليتان في ستر الدبر. وأمّا الستر في الصلاة، فلا يكفي فيه ما ذكر حتّى حال الاضطرار. وأمّا الستر بالورق والحشيش والقطن والصوف غير المنسوجين، فالأقوى جوازه مطلقاً وان لا ينبغي ترك الاحتياط في تركه في الأوّلين، والأقوى لمن لا يجد شيئاً يصلّي فيه ـ حتى مثل الحشيش والورق ـ جواز إتيان صلاة فاقد الساتر وإن كان الأحوط لمن يجد ما يطلي به الجمع بينه وبين واجده 1 .
1 ـ لا إشكال في حصول الستر النفسي بكلّ ما كان مانعاً عن تحقّق الرؤية والنظر; لما عرفت(1) من وضوح مناط الحكم فيه، فيتحقّق حتّى بمثل الطلي بالطين، والولوج في الماء الكدر، والدخول في الحفيرة، والستر بأجزاء البدن، كما لو كان بيده أو يد زوجته أو أمَته، بل ولو كانت يد أجنبيّ أو أجنبيّة، وقد ورد في النصّ كما مرّ(2) أنّ الدبر مستور بالأليتين، فلا إشكال فيه أصلا.
وأمّا الستر الصلاتي، فقد اختلفت كلماتهم في تعيينه اختياراً واضطراراً، قال الشيخ (قدس سره) في المبسوط ـ بعد الحكم بأنّه لا بأس بأن يصلّي الإنسان في ثوب فيه خرق لا يواري العورة، وأنّه إن حاذى العورة لم يجزء ـ : وصفة الثوب أن يكون صفيقاً لا ترى ما تحته، فإن ظهر البشرة من تحته لم يجزء;
( صفحه 93 )
لأنّه لا يستر العورة.
فإن لم يجد ثوباً يستر العورة، ووجد جلداً طاهراً، أو ورقاً، أو قرطاساً، أو شيئاً يمكنه أن يستر عورته، وجب عليه ذلك على ما بيّناه، فإن وجد طيناً وجب أن يطيّن عورته به، فإن لم يجد ووجد نقباً دخل فيه وصلّى فيه قائماً، فإن لم يجد صلّى من قعود على ما فصّلناه»(1).
وحكي نحوه عن السرائر والمنتهى والتحرير والنهاية والبيان(2).
وهل ظاهر مثل هذه العبارة ـ بلحاظ تعليق إيجاب الستر بمثل الجلد والورق والقرطاس على ما إذا لم يجد الثوب، ولم يتمكّن من التستّر به ـ هو الترتيب بين الثوب وبين الاُمور المذكورة، وأنّه لا يجوز التستّر بها إلاّ عند الضرورة وفقد الثوب، أو أنّ التعليق إنّما هو بلحاظ أنّه مع وجود الثوب والتمكّن منه لا داعي إلى التستّر بغيره عند العرف، لا بلحاظ عدم جواز الانتقال إليه؟ فيه وجهان:
فعن المحقّق الثاني وجماعة(3) استظهار الوجه الأوّل، وعن البحار(4)استظهار الوجه الثاني، وتبعه عليه في مفتاح الكرامة والجواهر(5) بقرينة ذكر
- (1) المبسوط 1: 88 .
- (2) السرائر 1: 260، منتهى المطلب 4: 279 ـ 280، تحرير الأحكام 1: 204، الرقم 660، نهاية الإحكام في معرفة الأحكام 1: 367، البيان: 125.
- (3) جامع المقاصد 2: 77 و 99 ـ 100، المهذّب البارع 1: 333، مسالك الأفهام 1: 167، مدارك الأحكام 3: 192 ـ 193، ذخيرة المعاد: 235 س33، الحدائق الناضرة 7: 34 ـ 35.
- (4) بحار الأنوار 83: 213.
- (5) مفتاح الكرامة 6: 44 ـ 45، جواهر الكلام 8 : 314 ـ 315.
( صفحه 94 )
الجلد والخرق في جملة منها، وهو الأقرب.
ولا يرد عليه أنّ لازمه كون الطين أيضاً في رديف المذكورات في عبارة المبسوط; لوجود التعبير بمثل هذا التعليق فيه أيضاً; وذلك لأنّ الطين لا يكون ساتراً عنده أصلا حتّى يقع في عداد المذكورات، والشاهد عليه قوله: «أو شيئاً يمكنه أن يستر عورته»; فإنّ الطين لو كان داخلا في الساتر لشمله عموم الشيء المذكور ولم يحتج إلى ذكره بعده، وكذا قوله: «وجب أن يطيّن...»; فإنّ عدم التعبير بالستر فيه يؤيّد ما ذكرنا.
وكيف كان، فعن الدروس وغاية المرام وحاشية الإرشاد وحاشية الميسي والروض والمسالك التصريح بأنّه لا يجوز التستّر بالحشيش والورق إلاّ عند
تعذّر الثوب، وأنّه إذا تعذّر الحشيش تعيّن الطين(1). ونحوه ما عن المدارك، إلاّ أنّه قال: إذا تعذّر الحشيش انتقل إلى الإيماء، ولم يجعل الطين ساتراً أصلا في جميع المراتب(2). وعن المهذّب البارع والموجز أنّ الحفرة مقدّمة على الماء الكدر، وهو على الطين(3). وعن المسالك وغيرها تقدّم الماء الكدر على الحفيرة(4). وعن جامع المقاصد احتمال التخيير واحتمال تقدّم كلّ
- (1) الدروس الشرعيّة 1: 148، غاية المرام 1: 135، حاشية إرشاد الأذهان للشهيد الثاني: 64، روض الجنان في شرح إرشاد الأذهان 2: 550، مسالك الأفهام 1: 167، وحكى عن حاشية الميسي في مفتاح الكرامة 6: 46.
- (2) مدارك الأحكام 3: 192 ـ 193.
- (3) المهذّب البارع 1: 334، الموجز الحاوي (الرسائل العشر): 68.
- (4) مسالك الأفهام 1: 167، الدروس الشرعيّة 1: 148 ـ 149، الرسالة الجعفريّة (رسائل المحقّق الكركي) 1: 101، حاشية إرشاد الأذهان، المطبوع ضمن حياة المحقّق الكركي وآثاره 9: 69.