(الصفحة 280)
حكاه المحقّق عن الأكثر(1) بل المشهور على ما اعترف به في غاية المرام(2) ، بل ذكر أنّ في المسالك والكفاية لم ينقل الأكثر فيه خلافاً(3) . نعم استظهر نفسه عدم ثبوت الحلف عن المحقّق ومحكي الخلاف والغنية والكافي والإصباح(4) .
وكيف كان ، فالظاهر أنّه لا مجال للإشكال في أنّ الحكم بالنسبة إلى المرحلة الاُولى هو التنصيف بعد ادعاء كلّ منهما ملكية تمام العين ، وكونها في يد كلّ منهما من دون تفاوت ، وعدم ثبوت البيّنة لأحدهما ، فإنّه مع ملاحظة هذه الاُمور لا ترجيح لأحدهما على الآخر بوجه ، والمفروض عدم ادّعاء ثالث بالإضافة إليها ، فلا مجال إلاّ للتنصيف ، ويؤيّده النبويّ المزبور المنجبر بالشهرة بل فوقها ، كما عرفت في كلام الجواهر .
وأمّا بالإضافة إلى المرحلة الثانية ، فالظاهر ابتناء المسألة على كون المورد في هذا الفرض من موارد المدّعي والمنكر حتى يشمله قوله (صلى الله عليه وآله): «البيّنة على من ادّعى واليمين على من ادّعي عليه»، أو من مصاديق التداعي حتى لا تحتاج إلى الحلف ، ويبتنى ذلك على ما تقدّم في المسألة الثالثة المتقدّمة: من أنّ ثبوت يد اثنين على شيء واحد مرجعه إلى ثبوت يد كلّ منهما على النصف المشاع ، أو إلى ثبوت يد كلّ منهما على التمام ، وقد اخترنا الأمر الأوّل تبعاً للماتن (قدس سره) ، فعليه يكون المورد من موارد المدّعي والمنكر; لثبوت يد كلّ منهما على النصف المشاع ، فبالإضافة إلى النصف يكون ذا اليد ، وبالإضافة إلى النصف الآخر يكون مدّعياً; لخروجه عن
- (1) جواهر الكلام: 40 / 403 .
- (2) غاية المرام: 4 / 257 .
- (3) مسالك الأفهام: 14 / 78 ، كفاية الأحكام: 275 .
- (4) الخلاف: 6 / 329 ، غنية النزوع: 444 ، الكافي في الفقه: 440 ، إصباح الشيعة: 531 .
(الصفحة 281)
تحت يده بنظر العقلاء على ما عرفت ، وعلى الاحتمال الآخر ـ الذي ضعّفناه وإن اختاره السيد في ملحقات العروة(1) ، بل أجاز اجتماع مالكين مستقلّين بالنسبة إلى شيء واحد ، كما تقدّم البحث عنه(2) ـ يكون المورد من موارد التّداعي; لأنّ المال في يدهما بأجمعه ، ولا تكون هناك بيّنة ، فيكون بينهما نصفين من دون حاجة إلى الحلف .
ثمّ إنّ السيّد المزبور أفاد في الملحقات أنّ التحقيق: التفصيل بين ما إذا كانت يد كلّ منهما على النصف وبين ما إذا كانت على الكلّ مستقلاًّ ، إذ قد عرفت ـ يعني في كلامه ـ اختلاف الموارد في ذلك. ففي الصورة الاُولى تجري قاعدة المدّعي والمنكر ، إذ يصدق على كلّ منهما أنّه مدع في النصف ومنكر في النصف الآخر ، ولا ينفع كون كلّ جزء يفرض يد كلّ منهما عليه; لأنّها ليست يداً مستقلّة . وفي الصورة الثانية التنصيف; لما ذكر من كونه من التداعي لا المدّعي والمنكر(3) . انتهى موضع الحاجة .
ومراده بالتنصيف هو التنصيف من دون حلف; لما عرفت من أنّ أصل التنصيف ممّا لا ريب فيه ولا خلاف ، ولم يعلم الفرق بين الصورتين بعد كون المفروض في مورد البحث هو ثبوت اليد على التمام بالإضافة إلى كليهما ، ولا يقدح في ذلك ثبوت التقسيم بلحاظ الزمان ، بأن تكون العين بأجمعها في برهة من الزمان كشهر مثلا بيد واحد وفي برهة أخرى بيد آخر; لأنّ المفروض ثبوتها بيدهما جميعاً ، وقد عرفت أنّ العقلاء يحكمون بالثبوت على النصف المشاع . نعم لو تحقّق التقسيم الواقعي ـ كما إذا بدّلت الدار نصفين خارجيين يصير كلّ نصف شيئاً مستقلاًّ ـ يجري عليه حكمه ،
- (1) ملحقات العروة الوثقى: 3 / 125 .
- (2) في المسألة الثالثة هنا .
- (3) ملحقات العروة الوثقى: 3 / 125 .
(الصفحة 282)
كما لايخفى .
ثمّ إنّه من العجيب ما أفاده صاحب الجواهر (قدس سره): من عدم تعقّل كون اليد على النصف المشاع ، إلاّ بكونها على العين أجمع في كلّ منهما ، وحينئذ فلا مدّعي ولا مدّعى عليه منهما ، ضرورة تساويهما في ذلك(1) ، فإنّه إن اُريد أنّ استلزام كون اليد على النصف المشاع كون اليد على العين أجمع موجب لتحقّق التداعي وعدم ثبوت المدّعي والمدّعى عليه، فمن الواضح منعه ، ضرورة أنّه لا فرق في اتصاف ذي اليد بكونه كذلك بين كون ما تحت يده هو النصف المشاع أو غيره ، فبعد تحقّق كون اليد على النصف المشاع يتحقق المدّعي والمدّعى عليه لا التّداعي ، وإن اُريد منع ثبوت اليد على النصف المشاع ، فقد عرفت بطلانه في ذيل المسألة الثالثة، فراجع .
الفرض الثالث: ما لو كانت العين المتنازع فيها تحت يد ثالث ، وفيه صور مذكورة في المتن:
الصورة الأولى: ما إذا صدّق ذو اليد أحدهما المعيّن وأقرّ بكونها له . وقد ذكرنا في كتابنا في القواعد الفقهية في هذا المجال ما ملخّصه: أنّه قد وقع التسالم بين الفقهاء على قبول إقرار ذي اليد لأحد المتنازعين فيما بيده بحيث يجعله المنكر كنفس ذي اليد ، ويجعل الطرف الآخر مدّعياً وعليه إقامة البيّنة ، وإنّما الإشكال في وجهه ، واختلفت الآراء في ذلك على أقوال:
أحدها: أنّ الوجه في ذلك هي قاعدة: «إقرار العقلاء على أنفسهم جائز»، نظراً إلى أنّ مقتضاها نفوذ الإقرار على النفس وبضرره ، وحيث إنّ ذا اليد في المقام يقرّ لشخص آخر ويعترف أنّه له ، فهذا إقرار على النفس واللاّزم الأخذ به والحكم
- (1) جواهر الكلام: 40 / 403 .
(الصفحة 283)
بنفوذه ومضيّه .
وأوردنا عليه هناك بأنّ قاعدة الإقرار يكون مقتضاها الاقتصار على النفوذ ، والمضيّ في خصوص المقدار الذي بضرره والجهة التي تكون عليه . وأمّا الإقرار بنفع الغير فلا يستفاد من القاعدة المذكورة جوازه ونفوذه ، والإقرار المذكور له جهتان: جهة سلبية وهي عدم كونه له ، وجهة إيجابية وهي كونه لأحد المتداعيين بالخصوص ، والمستفاد من دليل القاعدة هو النفوذ بالإضافة إلى الجهة الاُولى دون الجهة الثانية ، وهذا من دون فرق بين أن يكون الظرف متعلّقاً بالإقرار ، وبين أن يكون متعلّقاً بجائز ، كما لايخفى .
ثانيها: أنّ الوجه في ذلك هي قاعدة: «من ملك شيئاً ملك الإقرار به» نظراً إلى أنّ ذا اليد مالك لأن يملك غيره ببيع أو صلح أو هبة أو غيرها، فيملك الإقرار بأنّه له .
وأوردنا عليه هناك بأنّ الذي يملكه هو تمليك الغير المقرّ له فيملك الإقرار به ، والمفروض في المقام أنّه لم يقرّ به ، بل أقرّ بكون المقرّ له مالكاً وأنّه له ، والمقرّ لا يكون مالكاً لهذه الجهة حتى يملك الإقرار به ، ففي هذا الوجه خلط .
ثالثها: ما حكي عن المحقّق العراقي من أنّ اليد أمارة على ملكية ذي اليد بالدلالة المطابقية ، وعلى نفي كونه للغير بالدلالة الالتزامية، وهاتان الأمارتان تسقطان بسبب الإقرار للغير ، وأمّا بالنسبة إلى ما عداهما فأماريّتها باقية على حالها ، فالنتيجة قيام الحجّة على نفي الملكية عن ذي اليد وعن غيره ما عدا المقرّ له ، ومعلوم أنّ المال لا يبقى بلا مالك .
وبعبارة اُخرى: أنّ هذا المال إمّا للمقرّ له أو لغيره يقيناً ، فإذا ثبت بواسطة إقرار ذي اليد أنّه ليس لغير المقرّ له فلابدّ وأن يكون له ، فيكون هو المنكر وطرفه
(الصفحة 284)
المدّعي; بناءً على ما هو التحقيق من أنّ المدّعي من يكون قوله مخالفاً للحجّة الفعلية ، والمنكر من يكون قوله موافقاً للحجّة الفعلية(1) .
وأوردنا عليه هناك ـ مضافاً إلى ما عرفت من أنّ تشخيص عنواني المدّعي والمنكر إنّما هو موكول بنظر العرف، كسائر العناوين المأخوذة موضوعاً للأحكام ـ أنّه لابدّ من ملاحظة أنّ بناء العقلاء على اعتبار الإقرار هل يختصّ بما إذا لم يكن في مقابل المدّعي مدّع آخر ، أو يعمّ صورة وجود مدّع آخر أيضاً؟ فعلى الأوّل لا يبقى مجال لما أفاده ، وعلى الثاني يكون المقرّ له كنفس المقرّ ويقوم مقامه .
هذا ، ولا يبعد ترجيح الاحتمال الثاني(2) ، فتدبّر .
وكيف كان ، فيمكن أن يقال باعتبار التسالم المذكور وإن لم يعرف وجهه ، وعليه فمن صدّقه ذو اليد من المتنازعين يكون بمنزلة ذي اليد منكراً والآخر مدّعياً ، كما في المتن .
الصورة الثانية: ما لو صدّق ذو اليد كلا المتنازعين ، وقال: بأنّه لهما ، وقد فرض لها في المتن فرضين:
أحدهما: ما إذا رجع تصديقه إلى أنّ تمام العين لكلٍّ منهما ، وقد أفاد في هذا الفرض أنّه يلغى تصديقه ، ويكون المورد ممّا لا يد لأحدهما ، والوجه في اللغوية ما عرفت من عدم إمكان اجتماع مالكين بالإضافة إلى شيء واحد، خلافاً لما عرفت من السيّد (قدس سره)في الملحقات ، فإنّه بعد استحالة الاجتماع المزبور وعدم ترجيح لأحدهما على الآخر ، يصير التصديق المزبور لغواً لا يترتّب عليه أثر; لعدم ثبوت
- (1) القواعد الفقهيّة للبجنوردي: 1 / 137 نقلا عن استاذه العراقي (قدس سرهما).
- (2) القواعد الفقهيّة: 1 / 398 ـ 400 .